ناشيونال إنترست| هل تستطيع الهند موازنة علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

إليكم ما يتعين عليكم تذكره: نتيجة لإدراك نيودلهي أهمية روسيا، حاولت الهند الإظهار لموسكو أنها لا تنجرف بعيدًا عن العلاقة التي تربطهما.        

ربما تكون نهاية العام 2021 علامة مهمة في تطور العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والهند. في السادس من ديسمبر، سافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي في زيارة دولة لمدة يوم واحد. كان اللقاء المباشر الذي جمع بوتين مع رئيس الوزراء الهندي نيرندرا مودي، والذي دام ثلاث ساعات ونصف الساعة، يهدف لترميم الثقة بين هاتين القوتين اللتين أثبت الزمن أنهما شريكان استراتيجيان موثوقان.

بالنسبة لبوتين، كانت الرحلة إلى الهند هي رحلته الثانية للخارج منذ تفشي جائحة كوفيد19 (والأولى كانت اللقاء الأول مع نظيره الأمريكي جو بايدن في جنيف). تثبت هذه الحقيقة وحدها أهمية الهند للكرملين والرغبة في الإبقاء على دفء العلاقات بينهما.  لكن زيارة بوتين القصيرة إلى نيودلهي كانت مجرد جزء من محادثات ثنائية عالية المستوى أوسع، ضمّت وفدًا مذهلاً يمثل البلدين.

المرة الأخيرة التي التقى فيه بوتين مع مودي كانت في عام 2019 أثناء “المنتدى الاقتصادي الشرقي” في مدينة فلاديفوستوك. بعد ذلك، لم يحدث لقاء آخر بين الزعيمين. والسبب، حسب زعمهما، كان تفشي جائحة كوفيد19.

غير أن العلاقة بين الطرفين يشوبها الفتور حتى قبل تفشي كوفيد19 بزمن طويل. كانت نيودلهي تشعر أن موسكو تستغل الهند وتلعب على مخاوفها من الصين. إن شراء الهند سفينة روسية جرى تحويلها إلى حاملة طائرات هو مثال على هذا الأمر. دفعت تلك الصفقة المراقب المالي والمراجع العام للحسابات في الهند للتعبير عن أسفه لأن الهند دفعت نسبة 60 بالمائة إضافية لشراء حاملة طائرات مستعملة مقارنة مع ما كانت ستدفعه نظير حاملة طائرات جديدة. كما وجّه الأدميرال “أرون براكاش”، رئيس الأركان الأسبق للبحرية الهندية، انتقادات لاذعة مماثلة في تقييمه لطائرات MIG-29K الروسية التي ستُستخدم على حاملة الطائرات المذكورة.

من جانبها، تشعر روسيا بانزعاج من تنامي العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. في الفترة بين 2007 و2020، أنفقت الهند ما يزيد على 17 مليار دولار على مشتريات عسكرية من الولايات المتحدة. وانزعجت روسيا بالأخص من دخول الهند لأربع اتفاقيات أمنية “تأسيسية” مع الولايات المتحدة تغطي مجالات مثل نقل المعلومات العسكرية وتبادل القدرات اللوجستية والتنسيق والأمن.

في الوقت ذاته، تنمو علاقات روسيا مع الصين عبر منظمة شنغهاي للتعاون، وعلاقاتها مع “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، التي تأسست لضمان الأمن في الدول التي ورثت الاتحاد السوفيتي. تَعتبر روسيا والصين أن الولايات المتحدة هي خصم مشترك لهما، وهذا دفعهما للتعاون في مجال نقل التكنولوجيا، وجعل روسيا تبيع منتجات طاقة إلى الصين، وزاد علاقات الطرفين في مجالي السياحة التجارة. كما أجريا تدريبات عسكرية ونفذا دوريات بحرية وجوية مشتركة.

ومع ذلك، هناك شكوك بأن موسكو “تسهل بصورة غير مباشرة” دور نيودلهي في مبادرة “كواد” الأمنية من أجل استعادة قدر من المساواة في علاقاتها الاستراتيجية مع بكين. وهذا بدوره يمكن أن يُحيي توافقها الجديد المعطل مع الغرب. تتوجس الهند من أن روسيا تطور علاقاتها مع باكستان، فيما تخشى نيودلهي من أن موسكو تدخل في علاقات متوازية مع الجارين العدوين للهند، وقد تزايدت الشكوك عندما لم تدعُ روسيا الهند لاجتماع عقدته مع الصين وباكستان والولايات المتحدة بشأن الوضع في أفغانستان، وهي خطوة اعتُبرت تجاهلًا مقصودًا لنيودلهي.

تحتاج الهند إلى غطاء أمني محتمل يمكن أن توفره روسيا. لهذا من غير المفاجئ أنها كانت جاهزة لشراء نظام إس-400 للدفاع الجوي من روسيا رغم الضغط الأمريكي عليها، فضلًا عن دعوة الهند لبوتين لزيارتها، وهي دعوة قبل بها بوتين،

وأسفرت تلك الزيارة عن نتائج مهمة عديدة. أطلق البلدان مبادرة “2+2” للمشاورات الوزارية تضم وزراء دفاع وخارجية البلدين، ما يجعل روسيا الشريك الرابع الذي تدخل معه الهند الصيغة ذاتها (والشركاء الثلاثة الآخرون هم أعضاء مبادرة “كواد” الآخرون: أستراليا واليابان والولايات المتحدة”.

كما وقّع البلدان أيضًا اتفاقا لمدة عشر سنوات للتعاون العسكري – التقني المشترك حتى العام 2031، واتفقا على توسيع وتعميق التعاون الدفاعي الثنائي. وبالإضافة إلى هذا، أعادت روسيا التأكيد على وضعها بوصفها أحد المزوّدين الأساسيين للتكنولوجيا العسكرية المتطورة للجيش الهندي. منذ عام 1991، حصلت الهند على مجموعة شاملة من الأسلحة والمنصات العسكرية لاستخدامها في أجهزتها القتالية بقيمة 70 مليار دولار. وتبلغ قيمة عقود الهند الدفاعية في الوقت الراهن مع روسيا قرابة 15 مليار دولار أمريكي.

كما جرى التأكيد على هدف الوصول إلى تبادل تجاري بقيمة 30 مليار دولار بحلول العام 2025، وهو هدف تم وضعه في عام 2019.

ربما تكون أهم نتيجة حصلت عليها روسيا هي تأكيد الهند على عدم انحيازها مع الخطط الاستراتيجية الأمريكية لتشكيل كتلة احتواء سياسية – عسكرية إقليمية. ذكر وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” أن “الهنود نأوا بأنفسهم عن تكتل أوكوس”، مضيفًا أنهم “جزء من مجموعة كواد، والتي تضم الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة… لكن الهند أكدت على اهتمامها فقط بمشاريع البنية التحتية والنقل داخل هذه المجموعة”.

لكن الواضح أن المحادثات لم تُزل جميع نقاط الاختلاف في العلاقات. فمن المرجح أن تظل الهند قلقة من علاقات روسيا مع الصين وباكستان وطالبان. ورغم الأهداف الطموحة، إلا أن العلاقات الاقتصادية الثنائية لن تصل إلى المستويات التي تحظى بها الهند مع الولايات المتحدة والصين. حتى في مجال التعاون الدفاعي، والذي يقع في صميم العلاقات الاستراتيجية الروسية – الهندية، هناك بعض المسائل العالقة؛ على سبيل المثال، فشل البلدان في استكمال اتفاق الدعم اللوجستي المتبادل، والذي كان من المفترض أن يصبح خطوة مهمة لتعضيد التعاون العسكري بينهما.

على الجانب الآخر، أبرزت هذه اللقاءات الطبيعة الخاصة للعلاقات الاستراتيجية بين روسيا والهند، فضلًا عن الرغبة المتبادلة لمواصلة تعزيز العلاقات.

أتت اللقاءات في نيودلهي بعد أقل من أسبوعين من زيارة أجراها إلى موسكو رئيس فيتنام، ذلك البلد الذي أسست معه روسيا شراكة استراتيجية شاملة قبل عقد من الزمان. يُبرز هذان الحدثان نهجًا روسيًّا أكثر مرونة فيما يخص انخراطها الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالرغم من الدور المركزي للصين في سياسة روسيا في آسيا.

لقد صادف أن يجري لقاء بوتين مع مودي قبل يوم من إجراء الرئيس الروسي تواصله الرئيسي الثاني مع بايدن، وقبل يومين فقط من قمة للديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة، لم تُدع إليها موسكو. بالنسبة لبوتين، كان من المهم الإثبات لواشنطن وبروكسل أن روسيا لديها شبكة من شركاء استراتيجيين يمكنها الاستعانة بهم.

ونظرًا لإدراكها أهمية روسيا بالنسبة إليها، حاولت نيودلهي الإظهار لموسكو أنها لا تنجرف بعيدًا عن العلاقة التي تربطهما. تدرك نيودلهي أن موسكو لا يمكنها الوثوق تمامًا ببكين، ما يزيد من أهمية العلاقات الهندية – الروسية. إن شراء الهند لنظام إس-400 الصاروخي الروسي بالرغم من الضغط الأمريكي كان هدفه بالضبط إرسال الرسالة ذاتها، ولا شك أن إطلاق مبادرة “2+2” للمشاورات الوزارية يمكن أن يقلل من مخاوف روسيا بأن نيودلهي أصبحت تنجرف بشكل تدريجي تجاه الفلك الجيوسياسي الأمريكي، وهو ما يؤكد أن الهند “لا تنحاز لمعسكر أي طرف”.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا