ناشيونال إنترست | هل جنوب شرق آسيا ملاذ آمن للإرهابيين؟

آية سيد

ترجمة – آية سيد

أثارت عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان مخاوف عالمية من أن علاقتها الوثيقة بتنظيم القاعدة قد تجلب موجة جديدة من الإرهاب، ويشمل هذا في جنوب شرق آسيا. إن المخاوف على إندونيسيا، وماليزيا والفلبين بالتحديد مفهومة، نظرًا للتاريخ الحديث، لكنها تحتاج لمراجعة الحقائق.

تتضمن المخاوف إذا ما كانت علاقة القاعدة الوثيقة بطالبان ستسمح لها بالنمو، ما يشجع على تطور الفروع الإقليمية الجديدة وربما يفتح معسكرات تدريب للمقاتلين المحليين والأجانب. هل يصبح جنوب شرق آسيا هدفًا جديدًا للتوسع، وإذا أقيمت معسكرات جديدة، هل سيتدفق مواطنو جنوب شرق آسيا إليها؟

هل سيدفع تنظيم القاعدة الحلفاء في المناطق خارج قواعده في أفغانستان – باكستان، وآسيا الوسطى، والمغرب الإسلامي، واليمن وسوريا -العراق؟ لقد كان جنوب شرق آسيا على أجندته في 2010، عندما ذهب مسئول كبير في القاعدة إلى بانكوك لمقابلة رئيس مخابرات الجماعة الإسلامية في جنوب شرق آسيا، وهي الجماعة التي نفّذت تفجيرات بالي 2002. حاول المسئول إقناع الجماعة الإسلامية بتوحيد الصفوف، لكنها لم تكن مهتمة. بعدها بعِقد، بعد أن أصبحت الجماعة الإسلامية خارج الخدمة مؤقتًا، هل هناك أي جماعات أخرى مهتمة بالشراكة؟

إن فرص بناء القاعدة لفرع في جنوب شرق آسيا ليست مرتفعة؛ حيث لا تمتلك حلفاء منظمين جيدًا يمكنها الاعتماد عليهم في إندونيسيا، أو ماليزيا أو سنغافورة. أصبحت الجماعة الإسلامية، التي كانت حليفًا في 2004، ضعيفة بشدة بسبب الاعتقالات على مدار العامين الماضيين. إن معظم خبرائها الاستراتيجيين الرئيسيين في السجن وأولئك الموجودون بالخارج مختفون عن الأنظار وينتظرون فرصة لإعادة بناء الجماعة. والجيل الأكبر سنًّا من أعضاء الجماعة الإسلامية، الذي تدرب على الحدود الأفغانية – الباكستانية في الفترة بين 1985 و1994، ليس مهتمًا بالعنف، مهما كانوا سعداء بعودة أصدقائهم القدامى إلى السلطة. يتعاون الكثيرون بنشاط مع الحكومة في عدة برامج للقضاء على التطرف.

إن الورقة الحاسمة هي الفلبين، حيث تمتلك القاعدة تاريخًا يعود إلى أوائل التسعينيات، وأشهره توفير ملاذ آمن لرمزي يوسف، مرتكب أول تفجير لمركز التجارة العالمي في 1993. انتهى به الحال في مانيلا، محاولًا التخطيط لهجوم تفجيري منسق ضد 11 طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة، لكن وقوع تفجير عرضي في شقة بمانيلا أدى إلى إحباط المخطط وإلقاء القبض على يوسف. هل تحاول شخصيات بارزة أخرى في القاعدة، تحت حماية طالبان، استخدام الفلبين مجددًا كمنصة إطلاق لهجوم إرهابي كبير؟ لا شيء مستحيل، لكن القاعدة تمتلك الكثير من الخيارات المتاحة، من ضمنها جنوب آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا وأوروبا. سيكون جنوب شرق آسيا في ذيل قائمة الخيارات!

من الجدير بالذكر أيضًا أن قوات الشرطة والجيش والمخابرات والهجرة الفلبينية أصبحت مدربة على نحو أفضل وأقوى بكثير على جبهة مكافحة الإرهاب مما كانت عليه قبل 25 عامًا. قد يتسلل القليل من العملاء والمنافسات الشخصية بين المتطرفين المحليين، لا سيما داخل جماعة أبو سياف، قد تدفع البعض إلى محاولة عقد اتفاق مع القاعدة كطريقة لتحدي العشائر المحلية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن احتمالية تأسيس فرع جديد في مينداناو تبدو منخفضة.

أحد المخاوف الأخرى هو ما سيحدث إذا صارعت طالبان من أجل الحفاظ على السيطرة. هل من الممكن استغلال الاندلاع المحتمل للصراعات الصغيرة من طرف تنظيم داعش – خراسان، الذي يرى طالبان منافسين يشجعون القومية بدلًا من الخلافة العالمية؟ هل توجد إمكانية أمام داعش للتوسع، وإذا كان كذلك، هل سينضم مؤيدوه، بما في ذلك من جنوب شرق آسيا، إلى القضية، خاصة وأن عددًا صغيرًا منهم هناك بالفعل؟

رحبت الكثير من المنظمات الإسلاموية والإسلامية الرئيسية في جنوب شرق آسيا بانتصار طالبان بحماس، بصفته انتصار للإسلام على الغرب، أو على الليبرالية الجديدة، أو على الديمقراطية العلمانية – العدو له عدة مظاهر مختلفة. كان الدرس الرئيسي هو أن كل ما كان يلزم هو الصبر، بحيث تشعر المنظمات التي لعبت اللعبة طويلة الأمد في مناصرتها لإقامة دولة إسلامية بالإنصاف.  

أحد المخاوف الأخرى هو ما سيحدث إذا أصبح تنظيم داعش – خراسان أقوى أو وسّع سيطرته الإقليمية. كما أظهر هجوم مطار كابول في 28 أغسطس، هذا خطر حقيقي. قد تحفز هجمات داعش – خراسان موجة جديدة من محاولات مؤيدي داعش في إندونيسيا والفلبين، على الرغم من أنه في الأولَى، تظل قدرة الإرهابيين منخفضة وقدرة الشرطة على اعتراض المخططات مرتفعة نسبيًّا.

قد يجذب داعش – خراسان المقاتلين الذي يريدون الهجرة إلى أرض تُطبق فيها الشريعة الإسلامية بالكامل. إنه يمتلك كل الروابط بنهاية الزمان التي جعلت سوريا جاذبة للعائلات الإندونيسية؛ حديث شهير للنبي يذكر أن قوات المهدي ستتجمع تحت “الرايات السوداء القادمة من خراسان” وتزحف إلى القدس مع اقتراب نهاية الزمان.

علاوة على هذا، بمنتصف 2019، كان حوالي 24 إندونيسيًا في أفغانستان بالفعل، بعد الانضمام إلى داعش – خراسان أو محاولة الانضمام له. جرى إلقاء القبض على ثمانية، واحدة منهم، وهي امرأة تُسمى ورديني، ماتت بسبب المرض في يونيو 2021. أطلقت طالبان سراح البقية في الأيام الأخيرة للسيطرة على كابول؛ مكان تواجد ستة من السبعة الباقيين، غالبيتهم نساء وأطفال، معلوم. اختفى ذكر بالغ واحد بعد إطلاق سراحهم ويبقى مكان تواجده غير واضح.

بالإضافة إلى هذه المجموعة، نجح مواطنون إندونيسيون آخرون في الوصول إلى أفغانستان عبر الحدود من إيران بعد سقوط الرقة، عاصمة داعش في سوريا، في أكتوبر 2017. من المحتمل أن القليل من الإندونيسيين الموالين لداعش في موقف يسمح لهم بمحاولة تجنيد المزيد من المقاتلين، لكن المجاهدين المنتظرين سيواجهون وقتًا عصيبًا في محاولة الوصول إلى هناك. إن سلطات الهجرة في جاكرتا وبانكوك وكوالالمبور وغيرها من الأماكن منتبهة لإمكانية القيام بهذه المحاولات، وأيضًا طالبان ليست مهتمة بوصول تعزيزات داعش.

الدعم اللوجيستي أيضًا سيصبح أصعب. في الماضي، عندما كانت هناك تدفقات كبيرة للجهاديين بالخارج، كان هذا موضوعًا لتسهيل سفرهم. وفّر تنظيم القاعدة مركز خدمات على الحدود الباكستانية للمجاهدين الذين يقاتلون الاتحاد السوفيتي، وامتلكت الجماعة التي أصبحت الجماعة الإسلامية في 1993 قناة للتمويل والمساعدة على السفر التي جعلت الذهاب من وإلى أكاديميتها العسكرية سهل نسبيًّا. وفّر مؤيدو داعش الإندونيسيون التمويل والمنازل الآمنة في تركيا لأولئك الراغبين في العبور. ودون هذا النظام، سيكون من الصعب على أي أحد، باستثناء قلة من الأفراد العازمين الوصول إلى داعش-خراسان.   

من الجدير بالذكر أيضًا أن أولئك الذين يهاجرون أراضي داعش بشكل عام ليست لديهم خطط للعودة. إنه ليس مثل برنامج تدريب الجماعة الإسلامية، الذي كان مُصممًا دائمًا لأن يكون قصير المدى، بحيث يمكن نشر المهارات في إندونيسيا. وهكذا، حتى لو وصل عشرات الإندونيسيين الآخرين إلى خراسان، لن يشير ذلك بالضرورة إلى أن خطر العنف سيرتفع بالتزامن في الوطن.

يتعين على أولئك القلقين من أن الجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة قد يعاودون الاصطفاف، حتى في الحالة الحالية للجماعة الإسلامية، أن ينظروا بتمعن إلى برنامج التدريب ذلك. إذا كانت الجماعة الإسلامية مهتمة بالانتساب إلى القاعدة، كانت سترسل كوادرها للتدريب بشكل حصري مع جبهة النصرة.

بيد أنه من 2012 فصاعدًا، أرسلت الجماعة الإسلامية 87 رجلًا للتدريب مع مجموعة متنوعة من الميليشيات كطريقة لتوسيع جهات الاتصال الدولية وتعلم أكبر قدر مستطاع من الميليشيات المختلفة، مثل داعش، التي رفضت تعاليمها. إن عودة الكثير من الرجال المدربين إلى إندونيسيا سبب للقلق بالطبع، وكذلك أيضًا خطة الجماعة الإسلامية بانتظار فرصة لاستغلال الفوضى السياسية لصالح تشكيل دولة إسلامية. في تلك المرحلة، ستكون الجماعة الإسلامية مستعدة لاستخدام العنف ضد الأعداء المحددين لتحقيق هدفها. هذه الفوضى هي ما يزدهر عليه تنظيم القاعدة، لكن حتى منتصف 2021، بدت إندونيسيا موقعًا مستبعدًا.

هذا يترك الفرح الذي أعربت عنه الكثير من المصادر بانتصار طالبان. إن الحماس لتولي جماعة إسلامية محافظة للسلطة ليس مثل دعم الإرهاب، كما أن الأشخاص الذين يستمتعون بانتصار الإسلامويين يشملون أولئك الذين يرغبون في رؤية أجندة إسلاموية أكثر في إندونيسيا وكذلك أيضًا أولئك الذين يرحبون بالإذلال السياسي والعسكري للولايات المتحدة.

لا يعني أي من هذا التقليل من حجم التهديد الحقيقي للإرهاب الذي لا يزال جنوب شرق آسيا يواجهه. لا تزال الخلايا المستقلة الموالية لداعش عديدة، وربما تنجح واحدة منها في القيام بهجوم مميت. ربما تظل الجماعة الإسلامية ساكنة للسنوات القليلة المقبلة، لكنها دائمًا ما تعود، ولا ينبغي أن يستبعدها أحد. يمتلك المتطرفون الإندونيسيون أيضًا تاريخًا من إنتاج الجماعات المنشقة المسلحة المكونة من مقاتلين ساخطين ومحبطين غاضبين من القيود المفروضة عليهم من قادتهم. إن المشكلة لن تختفي، لكن لا داعي لاستخدام انتصار طالبان للتضخيم من حجم الخطر

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا