ناشيونال انترست| هل توشك الحرب الأهلية في الصومال على الاندلاع ؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

ما زالت صورة القرصنة التي صورت في فيلمي “بلاك هوك داون” و”كابتن فيليبس” مستمرة في تشكيل الصورة الأمريكية حول الصومال، فعلى مدار سنوات، كانت هذا التصور غير عادل، حيث كان هناك أكثر من 350 هجومًا أو محاولة هجوم للقراصنة في الفترة بين عامي 2010 و2014، وعلى مدى السنوات الخمس التالية، كان هناك ثمانية فقط، فقد باتت معظم أعمال القرصنة حاليًا تحدث في خليج غينيا، حيث يحدث هناك الآن 90% من عمليات الاختطاف البحري.

وعندما أتيحت لي الفرصة لزيارة مدينة جاروي، عاصمة ولاية بونتلاند، الشهر الماضي، وجدتها آمنة، وتزدهر فيها الأعمال، وتجري فيها أعمال البناء بوتيرة ثابتة، كما يتجول السكان المحليون والزوار في أنحاء المدينة أو يجلسون في المقاهي والمطاعم دون حراسة. وتحت رئاسة الشيخ “أحمد مادوبي”، تزدهر مدينة كيسمايو، العاصمة التجارية لولاية جوبالاند، أيضًا، حتى لو كان ريفها أقل أمانًا منها.

ومع ذلك، لا تزال العاصمة مقديشو تقبع في حالة من الفوضى. وبالتأكيد يتحمل الصوماليون المسئولية النهائية عن انعدام الأمن في مقديشو وتدهورها، غير أن الكثير من اللوم يقع أيضًا على المجتمع الدولي وميل كل من واشنطن والأمم المتحدة إلى الخلط بين الأموال التي تنفق في وجهها الصحيح. فمنذ عام 1991، استثمر المجتمع الدولي أكثر من 50 مليار دولار في الصومال، وأُهْدِرَ معظم هذا المبلغ هباءً.

وهذا ليس بالمفاجأة أبدًا، فقد نصح “جون درايسديل” – الذي قضى معظم حياته المهنية في الصومال وكان يجيد اللغة الصومالية – العديد من رؤساء الوزراء الصوماليين، وحذر، في تأريخه للمنطقة، من “الانتهازية التي كانت السبب القديم لإبقاء الصوماليين في ظروف عصيبة، يمكن أن تتحول بسهولة إلى استغلال الأجيال الجديدة من سكان المناطق الحضرية على يد حاملي أكياس النقود الغريبة”. وهي وجهة نظر صائبة وحقيقية، فقد صنفت منظمة الشفافية الدولية الصومال باستمرار على أنها أكثر دول العالم فسادًا.

ومن جهتهما، ضغط “دونالد ياماموتو”، السفير الأمريكي، و”جيمس سوان”، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي يترأس الآن بعثة الأمم المتحدة، من أجل المساعدة والإعفاء من الديون من أجل حماية الحكومة المركزية وتمكينها، وهنا تكمن المشكلة إذ لم تفلح مثل هذه الاستراتيجية في الصومال ولم يكن لها تأثير، حيث استخدم “محمد عبد الله فرماجو”، الذي سعى ياماموتو وسوان بشكل غير دستوري إلى تمكينه، الموارد المقدمة له لمعاقبة المنافسين السياسيين بدلًا من محاربة الإرهابيين أو بناء الدولة.

وانتهت فترة ولاية فارماجو التي استمرت أربع سنوات قبل أسبوعين بعد أن قوض لأشهر نزاهة الانتخابات التي كان من الممكن أن تحل محله. وبينما أكد الرئيس الصومالي على الحق في التمديد كما حصل على بعض أسلافه من أجل ترتيب انتخابات جديدة، تصرف فارماجو من جانب واحد بدلًا من بناء إجماع واسع لهذه الخطوة. ورفضت المعارضة ودعت إلى احتجاجات سلمية في وسط مقديشو لكن قوات فرماجو أطلقت النار على الحشود التي كان من بينها كبار منافسيه.

وفي 21 فبراير، تحدث رئيس بونتلاند، “سعيد عبد الله ديني”، الذي خط لنفسه مكانة كأحد أكثر القادة السياسيين فاعلية ونضجًا في الصومال، عن الوضع الحالي في البلاد، وحذر صراحةً من أن سلوك فارماجو وتسامح المجتمع الدولي معه ربما يعيد الصومال إلى فوضى التسعينيات.

لقد دعمت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي نموذجًا فيدراليًّا في الصومال يوازن بين الحكومة الإقليمية والمركزية. وأكد “ديني” بأن “فارماجو” ألغى هذا من جانب واحد، وهو على حق، حيث سعى كل من ياماموتو وسوان إلى تمكين الفرد على حساب النظام. كما حذر زعيم بونتلاند من أن فارماجو هدد باستخدام قوات “جورجور” الخاصة المدربة في تركيا وقوات الشرطة الخاصة المعروفة باسم “هارمعاد”، وكلاهما كان قد نشرهما سابقًا ضد خصومه السياسيين، إلا أن ديني قال إنه لن يستسلم ولديه قوات تحمي حكومته الإقليمية. وقد أشار ديني إلى أنه منذ أن تولى فارماجو منصبه، لم تقاتل القوات الخاصة الصومالية سوى خصومه السياسيين فقط، وليس جماعة الشباب الإرهابية التي شكلت هذه القوات خصيصًا لمواجهتها.

لقد باتت مصداقية المجتمع الدولي على المحك، فقد قال ديني إنه عندما قام هو وزعماء إقليميون آخرون بتحذير ياماموتو وسوان وسفراء آخرين بشأن مخاوفهم أو طلبوا المساعدة لوقف انتهاكات فارماجو للاتفاقيات السابقة، أشار المجتمع الدولي ببساطة إلى إلزامية اتفاقية 17 سبتمبر التي نصت على أن فارماجو وخمس رؤساء ولايات اتحادية اتفقوا على نموذج غير مباشر للانتخابات المقبلة. ومع ذلك، أشار ديني إلى أن فارماجو رفض الوفاء بالتزاماته من الاتفاقية. ومن هنا تفشل الوساطة دائمًا عندما ينتهك أحد الأطراف الاتفاقات مع إفلاته من العقاب. وبغض النظر، قال ديني إن القضية لم تعد اتفاقية 17 سبتمبر، بل عدم وجود اتفاق خلال القمة المنعقدة في مدينة دوسامارب من 1 إلى 6 فبراير 2021، واستخدام فارماجو للقوة ضد المعارضة.

إن قيام المجتمع الدولي – بما في ذلك الولايات المتحدة – بتمويل القوات التي يقودها فارماجو الآن يمنح واشنطن مكانة للتدخل دبلوماسيًّا، فضلًا عن إثارة تساؤلات حول إدارة حقيبة مكافحة الإرهاب في ظل ياماموتو وإدارتي أوباما وترامب. وقد أصبح الوضع الآن سيئًا للغاية بحيث لا يستطيع ديني ولا مادوبي السفر إلى مقديشو خوفًا من أن تسممهم عائلة فارماجو المتقلبة.

ولم تكن رسالة ديني مبالغةً بل كانت تحذيرًا فظًا، فقد فشل فارماجو ويسعى الآن إلى إفساد الانتخابات كي لا يواجه الهزيمة فيها. كذلك فقد فشل ياماموتو وسوان أيضًا، وتصرفا مثل الحكام الاستعماريين، وسعوا لدعم عميل، وهم الآن غير مستعدين للاعتراف بالخطأ. وبسبب كبريائهما ربما يموت الآن عشرات الآلاف من الناس.

والآن فقد بات الصوماليون والمجتمع الدولي أمام خيارين، إما حرب أهلية أو نفي فارماجو، فلم يعد هناك حل وسط.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا