نجاة الاقتصاد الأمريكي من تسونامي كورونا.. هل يفعلها بايدن؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

أكبر اقتصاد في العالم ما زال يسعى لعبور جائحة كورونا بأمان، وسط مؤشرات متضاربة سواء فيما يتعلق بقدرة الاقتصاد الأمريكي على النمو هذا العام، أو السيطرة على معدلات غير مسبوقة من التضخم، في ظل ظهور متحورات جديدة من الفيروس التاجي أكثر خطورة من تلك التي واجهتها البلاد في الموجتين الأولى والثانية من الوباء.

توقعات بالنمو ولكن

مطلع هذا الشهر توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو الاقتصاد الأمريكي خلال العام الجاري بنسبة 6.9%وهي أسرع وتيرة منذ عام 1984، هذا بعد انكماشه بنحو 3.5% خلال 2020، ورفعت المنظمة توقعاتها للنمو مع تقدم أمريكا في خطتها لتطعيم غالبية السكان البالغين ضد كورونا، وانتزاع إدارة بايدن موافقة الكونجرس على حزمة تحفيز مالي بـ1.9 تريليون دولار، تجدر الإشارة هنا إلى أن بنك جولدمان ساكس سبق وأن توقع نموا بذات المقدار للاقتصاد الأمريكي في مارس الماضي.

كان جون ويليامز رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، توقع في شهر مايو الماضي، أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي نموا بنحو 7% هذا العام، معتبرا أن هذا سيكون تقدما مرحبا به بعد أصعب فترة للاقتصاد في الذاكرة الحية للمواطنين.

بنك مورجان ستانلي – الأكثر تفاؤلًا- توقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنحو 7.3% خلال 2021.

لكن يظل التفاؤل بشأن التوقعات الاقتصادية للشهور المقبلة من 2021، حذرا للغاية، وسط ظهور السلالة الهندية من كورونا “دلتا” في الولايات المتحدة وبدء انتشارها بنسبة 10% أو أكثر قليلا من إجمالي الإصابات منذ بداية الشهر الجاري، وسط تحذيرات من أنها بالإضافة إلى متحورات جديدة من الفيروس تهدد البلاد بالعودة إلى مربع الصفر في مواجهة الوباء وتسجيل أكثر من 3000 وفاة أسبوعيا خلال فصلي الخريف والشتاء، بحسب توقعات مراكز مكافحة الإمراض الأمريكية.

الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للأمراض المعدية، وكبير المستشارين الطبيين للرئيس الأمريكي، وصف مطلع الشهر الجاري، متغير “دلتا” بأنه “أكبر تهديد” في البلاد في حربها ضد الفيروس، موضحا أنه تهديد يمكن الوقاية منه، ومن غير المرجح أن يصل إلى مستويات الذروة السابقة، في إشارة إلى أن البلاد تتقدم في برنامج توزيع اللقاحات، إذ حصل نحو 86% من الأمريكيين المؤهلين الذين تصل أعمارهم إلى 12 عاما أو أكثر على جرعة واحدة من اللقاح، فيما وصل عدد المطعمين بجرعتي اللقاح إلى نحو 46%، وسط عزوف نحو 13% من السكان عن تلقي اللقاح تماما.

عالم الأوبئة بكلية “جونز هوبكنز بلومبرغ” للصحة العامة، جاستن ليسلر اعتبر – في تصريح لـ” سي إن إن”- أن عودة ظهور بؤر كورونا بفعل متغير دلتا ستكون أكثر شراسة في الولايات التي لديها معدلات تطعيم أقل.

ينتشر متغير دلتا في ولايات غرب وجنوب أمريكا بشكل أسرع من غيرها، لذا ناشدت مراكز مكافحة الأمراض إدارة الرئيس بايدن للضغط على حكومات هذه الولايات للعودة إلى فرض تدابير التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، لكن هذا لم يحدث حتى اللحظة، خشية التأثير على مسار التعافي الاقتصادي.

إدارة بايدن تفضل “اللقاحات” على العودة للإغلاق

حتى اللحظة تفضل إدارة بايدن التشجيع على أخذ لقاحات كورونا، كسبيل وحيد لإبطاء انتشار متحورات كورونا تحديدا دلتا ودلتا بلس، في المقابل ترفض إعادة إلزامية ارتداء الكمامات أو قواعد التباعد الاجتماعي، لكن هل هذا يكفي؟

منظمة الصحة العالمية قالت على لسان المدير العام للوصول إلى الأدوية والمنتجات الصحية الدكتورة ماريانجيلا سيماو – في بيان صحفي- “لا يمكن أن يشعر الناس بالأمان لمجرد أنهم أخذوا جرعتي اللقاح، فهم ما زالوا بحاجة إلى حماية أنفسهم عبر الاستمرار في ارتداء الكمامات، والتواجد في أماكن جيدة التهوية، وأن يحرصوا على نظافة أيديهم ويلتزموا بالمسافة وتجنب الازدحام، ما تزال كل هذه الأمور مهمة للغاية، في ظل انتشار متغير دلتا بلس”.

وتعتبر المنظمة أن التصدي للسلالة الجديدة يتطلب الالتزام بالتلقيح بالتوازي مع نظام ارتداء الكمامات، وأكدت في تحذير شديد اللهجة “يجب الآن بذل قصارى الجهود خلال وفت قصير، وإلا فإننا سنواجه إغلاقا عاما”.

التضخم يهدد الاقتصاد الأمريكي

أزمة أخرى قد تعرقل إدارة بايدن في محاولاتها لدفع التعافي الاقتصادي، هي معدلات التضخم التي يبدو أنها لن تستقر قريبا.. فبحسب بيانات وزارة التجارة ارتفع مؤشر التضخم الرئيسي الذي يستخدمه الفيدرالي الأمريكي، بنسبة 3.4% في مايو، وهي أسرع زيادة منذ أوائل التسعينيات.

يتوقع بنك أوف أمريكا، أن يظل التضخم مرتفعا لمدة عامين إلى أربعة أعوام، في ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا وعدم قدرة الفيدرالي على تشديد سياساته النقدية خلال الشهور الستة المقبلة، وفي مذكرة صدرت الجمعة الماضية، توقع البنك العريق أن يتحرك التضخم في نطاق من 2 إلى 4 % خلال الأربعة أعوام القادمة.

جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي تعهد في وقت سابق من الشهر بألا يرفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، إذ يرى أن ارتفاع معدلاته أمر عارض لا يعني بالضرورة أن البلاد ستدخل في دوامة تضخمية.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قال في تصريحات سابقة، إن ارتفاع أسعار موارد الطاقة والانتعاش بعد التباطؤ جراء الوباء يدفعان بالأسعار إلى الارتفاع، لكن من المهم عدم المبالغة في رد الفعل على هذا التقلب في ظل الظروف الاستثنائية للوباء.

وتوقع أن يتراجع التضخم إلى الهدف الذي وضعه الفيدرالي 2 % بحلول 2022، أي بمجرد انتهاء الاختلالات قصيرة المدى الناتجة عن إعادة فتح الاقتصاد، بحسب تعبيره.

التوازن بين الديمقراطيين والجمهوريين

بايدن يحارب في ظل رياح عتيه للجائحة، ربما هو أكثر كفاءة من دونالد ترامب في التعامل مع الأمور بحكمة أكبر، إلا أنه يواجه الكثير من المعارضة حتى من داخل حزبه تحديدا جناح اليسار، هذا فضلا عن حالة الاستقطاب الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين التي تجعل كل حزب يسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية حتى لو كان الثمن تعطيل البلاد.

تعد خطة بايدن لتطوير البنية التحتية نموذجا حاضرا على هذه الاستقطاب، فالرجل بالكاد توصل بعد نحو شهرين لصفقة الخميس الماضي، ترضي الحزبين، بشأن خطة طموحة تقترح إنفاق 2 تريليون دولار وربما 4 تريليونات على مدى العقد المقبل، من أجل إصلاح البنية التحتية للبلاد وخلق ملايين من الوظائف الجديدة وموائمة الاقتصاد مع مرحلة ما بعد الوباء بشكل أفضل.

وقدم بايدن بعض التنازلات عن سقف حزمة الإنفاق التي يفترض تخصيصها للخطة، فبحسب بيان للبيت الأبيض: الخطة ستشمل – وفق الصفقة التي تم التوصل إليها- استثمارات بأكثر من 1.2 تريليون دولار على مدى ثماني سنوات مقبلة، كما تنازل عن ربط الخطة برفع الضرائب على الشركات من 21% إلى 28%، وقال الخميس الماضي: أي من الحزبين لم يحصل على كل ما يريد، ولا توجود ضمانات بنيل المشروع العدد الكافي من الأصوات في مجلس الشيوخ.

من جانبها أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، أن أي تصويت على النص الذي تم التوافق بشأنه بين الديمقراطيين والجمهوريين لن يحصل إلا إذا أقر مجلس الشيوخ مشروع قانون يتضمن بقية أولويات الحزب الديمقراطي، أي مساعدة المسنين، ورعاية الأطفال، ومكافحة التغير المناخي.

بايدن يدير بلدا مثقلا بالديون بل مهدد بعدم القدرة على سداد ديونه -التي يتوقع أن تتجاوز الـ100% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية العام الجاري- في حال فشل الكونجرس في التمديد لتعليق العمل بالحد الأقصى للدين العام قبل نهاية يوليو المقبل، ويحتاج إلى دعم كامل من الحزبين في وقت لا يريد أي من الفريقين أن تسجل نقاط في شباكه أمام جمهور، الأمر ربما يبدو صعبا لكنه ليس مستحيلا في ظل جائحة تضغط على الجميع دون تمييز بين دمقراطي وجمهوري، في نهاية المطاف سيتفق الحزبان على التعاون بقدر ما وستمر خطة بايدن وغيرها من المشاريع التي يعول عليها لدفع التعافي الاقتصادي إلى الأمام وعدم السقوط في دائرة الركود مرة أخرى، فيما يتعلق بالجائحة لا يبدو قرار العودة إلى الإغلاق العام صائبا بأي حال من الأحوال ربما ستتابع إدارة بايدن المراهنة على حملة التلقيح الوطني على الأقل في قدرتها على تخفيف أعداد الوفيات والمساعدة في تقليل الحالات الحرجة، وقد تلجأ بالطبع لتشديد تدابير الوقاية في عدد من الولايات، لكن لن يكون إغلاقا وطنيا.

ربما يعجبك أيضا