بين الإبداع ومقص الرقابة.. صراع نجيب محفوظ الذي حسمته «أولاد حارتنا»

رنا الجميعي
نجيب محفوظ

أحدث نجيب محفوظ ضجيجًا في الوسط الأدبي حين تولى إدارة الرقابة على المصنفات الفنية، لغرابة الجمع بين شخصية الرقيب والأديب.


ظل الأديب المصري، صاحب جائزة نوبل، نجيب محفوظ، موظفًا حكوميًّا طيلة حياته المهنية، غير أن واحدة من فتراته المثيرة كانت حين توليه رئاسة هيئة الرقابة على المصنفات الفنية بمصر.

لم يستمر محفوظ في رئاسة الرقابة على المصنفات الفنية أكثر من عام ونصف العام، لكنه أحدث خلال تلك الفترة القصيرة ضجيجًا في أروقة الوسط الأدبي حينذاك، لغرابة الجمع بين شخصيتي الرقيب والأديب، فضلًا عن الأزمات التي وجد نفسه أمامها في أكثر من موقف.

استنكار أصدقاء محفوظ ورده عليهم

يقول الكاتب المصري طارق الطاهر، صاحب كتاب “نجيب محفوظ بختم النسر”، إنه في عام 1959، قرر وزير الثقافة حينها، الدكتور ثروت عكاشة، تكليف نجيب محفوظ بإدارة الرقابة على المصنفات الفنية، وهو ما أثار استغراب أصدقاء محفوظ.

وأوضح أديب نوبل سبب ذلك الاستغراب بقوله: “كيف أكون رجلاً يدعو للحرية وينادي بها ويتخذ من الديمقراطية شعارًا ثابتًا له، ثم يرضى أن يكون رقيبًا على الفن، ويحد من حرية الفنانين؟”، حسب ما أورد الكاتب رجاء النقاش في كتابه “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”..

لكن إجابة محفوظ عن تساؤل أصدقائه جاءت شافية، وقال فيها: “إن الرقابة، كما فهمتها، ليست فنية، ولا تتعرض للفن، ووظيفتها حماية سياسة الدولة ومن الدخول في مشكلات دينية قد تؤدي إلى الفتنة الطائفية، ثم المحافظة على قيم المجتمع.. وفي ما عدا ذلك يحق للفنان أن يعبر عن نفسه بالأسلوب الذي يراه مناسبًا”.

أزمة فيلم «الرجل الثاني»

كان محفوظ صارمًا تجاه عمله الحكومي، حتى إنه وضع لنفسه نظامًا في الرقابة منذ توليه، فشكل لجنة محايدة من المثقفين للنظر في تظلمات أصحاب الأعمال التي ترفضها الرقابة، لكن تلك اللجنة لم تجتمع إلا مرة واحدة، في فيلم من إخراج عز الدين ذو الفقار.

ويقول طارق الطاهر لشبكة “رؤية” الإخبارية، إن ذلك الفيلم هو “الرجل الثاني” لصباح ورشدي أباظة، الذي قدم للرقابة أغنية وصفها محفوظ بأنها “خليعة”، وقرر حذف مشهد الأغنية من الفيلم. وكانت تلك الواقعة الوحيدة التي استعمل فيها مقص الرقيب، وفي ما عدا ذلك لم يستخدم أديب نوبل سلطته.

فيلم الرجل الثاني

فيلم الرجل الثاني

أزمة فيلم «المبروك»

يذكر الطاهر واقعة أخرى من تجربة محفوظ الرقابية، كانت مع فيلم “المبروك” لمريم فخر الدين وعماد حمدي، ويقول: “كان ضمن مشاهد الفيلم مشهد عن الزار، ووافق عليه نجيب وحصل على إجازة سنوية، لكنه فوجئ بخطاب من ثروت عكاشة يرفع إليه تظلمًا من شركة الإنتاج، لأن لجنة الرقباء حذفت المشهد”.

ويكمل الطاهر: “في النهاية انتصر محفوظ لمشهد الزار الذي رآه جزءًا من الحياة المصرية، لأنه من المهم عدم حذفه من سياق الفيلم وإدانته في نفس الوقت”.

فيلم المبروك

فيلم المبروك

أزمة أغنية «يا مصطفى يا مصطفى»

من المواقف الشهيرة التي يسردها الطاهر عن تعامل محفوظ الرقابي، أنه حين عرض أغنية “يا مصطفى يا مصطفى” لأخذ موافقة لطبعها في أسطوانات، رفضها أحد الرقباء، بحجة الإساءة إلى ثورة يوليو وأن المقصود بـ”مصطفى” هو مصطفى النحاس، ويكمل الطاهر بقوله: “أثارت وجهة نظر الرقيب دهشة محفوظ، وأصر على طبعها”.

ويرى الطاهر أن محفوظ حاول إحداث توازن بين حق الدولة وحق المبدعين، ما دفعه للاصطدام في أحيان كثيرة بالرقباء. وفي اعتقاد صاحب كتاب “نجيب محفوظ بختم النسر” أن محفوظ كان ينحاز لحد كبير إلى قيمه في الثقافة والفن.

لكن المفارقة في نظر الطاهر جاءت حين قرر محفوظ نشر روايته “أولاد حارتنا” مسلسلة على صفحات جريدة الأهرام، وعلى أثرها اتهمه الأزهر الشريف بالكفر. وتساءل أحد الوزراء وقتها: كيف يكون محفوظ رقيبًا وهو يثير مشكلة بسبب روايته؟ وحينها اضطر محفوظ إلى إنهاء عمله بعد أن سمح بعرض أكثر من 100 فيلم، وتولى منصب سكرتير مؤسسة السينما، حسب الطاهر.

ربما يعجبك أيضا