نيويورك تايمز| فلتداوِ نفسك أولًا.. بايدن يخطّط لعقد قمة عالمية للديمقراطية

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

من بين الوعود الأكثر دقة للرئيس بايدن في سياسته الخارجية تعهده بعقد قمة ديمقراطية عالمية خلال سنته الأولى في منصبه، وتهدف القمة إلى اتخاذ موقف علني ضد المد الاستبدادي والشعبوي الذي نشأ خلال رئاسة “دونالد ترامب”، والذي – كما يراه بايدن ومستشاروه –  يهدد بإغراق القيم السياسية الغربية.

لكن في الأسابيع التي تلت انتخاب السيد بايدن، كانت ديمقراطية أمريكا مذهلة، ففي هذا الشهر، اقتحمت حشود من أنصار ترامب مبنى الكابيتول معرقلين الانتقال السلمي للسلطة. وفي الأسبوع المقبل، سيبدأ مجلس الشيوخ ثاني محاكمة لعزل السيد ترامب خلال عام، فيما يستعد الجمهوريون في الكونجرس لإحداث أزمات تشريعية عبر عرقلة أي خطوة يُقدِم عليها بايدن.

إن الشعور بوجود نظام ديمقراطي مختل، إن لم يكن محطمًا بالكامل، يجعل المنافسين الأجانب يتجرأون على القول بأن الولايات المتحدة ليس لها أن تلقي المحاضرات على الدول الأخرى. فمن جانبه، كتب “كونستانتين كوساتشيف”، رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الروسي (الدوما)، على الفيسبوك بعد أحداث الشغب في الكابيتول: ” لقد ضلّت أميركا طريقها وبالتالي لم يعد لديها الحق في تحديد المسار وفرضه على الآخرين”.

فيما قالت “هوا تشون ينغ”، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الأمريكيين ربما “يفتخرون بديمقراطيتهم وحريتهم”، ولكن بعد أن شهدت بلادهم الكثير من الفوضى السياسية، وأضافت: “إنهم في أعماقهم، يأملون في أن يعيشوا حياة مثل حياة الصينيين”.

وفي المقابل، أكد مسئولو الإدارة الأمريكية أن التعليقات الانتهازية من المنافسين الأجانب أو التعبيرات الأخيرة عن شكوك حسن النية من محللي السياسة الخارجية في الداخل، لن تعرقل الخطة التي وعد بها السيد بايدن كمرشح، والتي من ضمنها عقد “قمة الديمقراطية”، حيث يمكن للقادة ذوي التفكير المماثل أن يناقشوا طرق تعزيز أنظمتهم داخليًّا وحمايتها من تهديدات مثل الفساد وأمن الانتخابات والمعلومات المضللة والنموذج الاستبدادي الذي سيطر على الصين وروسيا، وتسلل إلى دول مثل تركيا والبرازيل.

وقال بايدن في مجلة “فورين أفيرز” الربيع الماضي: إن القمة ستكون “لتجديد الروح والهدف المشترك لدول العالم الحر، وستجمع بين ديمقراطيات العالم لتقوية مؤسساتنا الديمقراطية، ومواجهة الدول التي تتراجع بصدق، وصياغة أجندة مشتركة”. وبينما قال أحد المطّلعين على التخطيط للقمة، التي كانت جارية منذ ما قبل الانتخابات، إن بايدن لم يردعه الصراع السياسي الأخير في الولايات المتحدة، ومن المرجح أن يعمل كمضيف في حدث مع زملائه رؤساء الدول، على الرغم من أن تفاصيل مثل التوقيت والموقع لم يتم تحديدها. وقال آخرون مطلعون على العملية إنهم يتوقعون عقد القمة قرب نهاية العام، فيما لم يرد مسئول في البيت الأبيض على طلب للتعليق.

لكن في واشنطن، جرى نقاش حول هذه الفكرة بين المسئولين السابقين في حكومة الولايات المتحدة والأكاديميين، وتعلق الأمر بخطط عقد القمة منطويًّا على مخاوف أكبر بشأن دور البلاد كقائد عالمي في حقبة ما بعد ترامب. والسؤال المباشر هو ما إذا كانت الأزمة السياسية سببًا لتأجيل خطة عقد القمة، وإعادة تقييم الدفع للترويج للنموذج الديمقراطي حول العالم، كما يجادل البعض.

وقال “جيمس جولدجير”، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية والمساعد السابق لمجلس الأمن القومي في إدارة كلينتون: “ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها”. وفي مقال حديث له نشرته مجلة “فورين أفيرز”، قال إن على بايدن أن يعقد قمة الديمقراطية في الداخل لتركز على رفع “الظلم وعدم المساواة” في الولايات المتحدة، بما في ذلك قضايا مثل تعزيز حقوق التصويت ومنع المعلومات المضللة. وأضاف جولدجير: “إذا كان لديك طريق مسدود في مبنى الكابيتول هيل، ولم تكن لديك القدرة على إنجاز الأمور لتحسين حياة الناس، فلن تتمتع بالكثير من السلطة الأخلاقية”.

من جانبها، تساءلت “إيما أشفورد”، الزميلة البارزة في مجلس الأطلسي، في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” هذا الشهر: “كيف يمكن للولايات المتحدة أن تنشر الديمقراطية أو تكون قدوة للآخرين إذا كانت بالكاد تتمتع بديمقراطية فاعلة في الداخل”؟! وأضافت: “تظل نخب السياسة الخارجية لواشنطن ملتزمة بالحفاظ على سياسة خارجية لمدة ثلاثة عقود تهدف إلى إعادة تشكيل العالم للحفاظ على صورة أمريكا.. إنهم متشائمون للغاية بشأن ما أصبحت عليه تلك الصورة في عام 2020”. ويقول مسئولو إدارة بايدن إن هذا الانتقاد يخلق خيارًا خاطئًا بين استعادة قوة البلاد في الداخل ومكانتها في الخارج.

وخلال مؤتمر عام في أغسطس، تحدث “جيك سوليفان”، وهو الآن مستشار الأمن القومي لبايدن، عن “التقاطع بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ليس فقط كمفهوم مجرد، ولكن كأساس لاستراتيجيتنا الكبرى”، حيث قال: إن “أي استراتيجية فعالة للمشاركة الأمريكية في العالم يجب أن تبدأ بالقيام بهذه الاستثمارات العميقة في قوة ديمقراطيتنا ومؤسساتنا الديمقراطية، وفي تقدم في قضايا مثل التعامل مع العنصرية النظامية”.

ومع استمرار هذا العمل، يقول المدافعون عن عقد القمة إنها ستكون لحظة مهمة للعالم بعد أربع سنوات، أشاد فيها ترامب بالقادة الأقوياء مثل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، و”كيم جونج أون” رئيس كوريا الشمالية، يؤكد صحة حججهم القائلة بأن الاستقرار والسيطرة المركزية الحازمة أهم من المجتمع المدني والإرادة الشعبية. وقد قال النائب “توم مالينوفسكي”، الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي والمسئول الأعلى السابق في وزارة الخارجية لحقوق الإنسان والديمقراطية في عهد أوباما: “أشعر بقوة أن أحداث الأسابيع القليلة الماضية جعلت من الضروري عقد القمة”. وأكد أن أعمال الشغب التي جرت في الكابيتول، ومساعي ترامب الأوسع لقلب نتائج الانتخابات، أظهرت مرونة المؤسسات الأساسية في أمريكا، وقال: “لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى هذه الأحداث ويقول إنها تقوّض قوة نموذجنا”. غير أن مالينوفسكي وغيره من أنصار القمة يقرون بأنها تحضر معها بعض التعقيدات العملية، وفي مقدمتها من سيدعون لحضور القمة بالضبط.

في مقالته المنشورة بمجلة “فورين أفيرز”، قال بايدن إن قمته ستكون على غرار قمم الأمن النووي الأربعة التي عقدها الرئيس “باراك أوباما”، حيث اجتمع قادة العالم لتبادل الأفكار وتقديم تعهدات محددة بشأن خفض الأسلحة النووية وتأمينها.

وأضاف بايدن أن هذه القمة ستضم منظمات المجتمع المدني “التي تقف في الخطوط الأمامية دفاعًا عن الديمقراطية”، وسيُصدر أعضاء القمة “دعوة للعمل” لشركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي تصبح ناقلًا للمعلومات المضللة المناهضة للديمقراطية.

ومع ذلك، فإن دولًا مثل تركيا وبولندا والمجر، وجميع دول حلف شمال الأطلسي، هي دول ديمقراطية ظاهريًّا، ولكنها تحددها الممارسات الاستبدادية بشكل متزايد. ويتساءل النقاد عما إذا كان ينبغي دعوتهم وإقناعهم بتبني الإصلاحات، أو استبعادهم لانتهاكهم مبادئ الديمقراطية.

وتتمثل إحدى المقاربات في إنشاء مجموعة (د-10) من الدول الديمقراطية، وهو مفهوم ابتكرته وزارة الخارجية أثناء إدارة الرئيس “جورج بوش”، حيث ستنضم إلى الولايات المتحدة أستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي.

ومهما كان شكلها، يقول مؤيدو هذه الفكرة إنها ستكون صدى بعيدًا لـ “أجندة الحرية” الكبرى التي دشنها بوش، حيث كانت دعوته لتحويل الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط إلى ديمقراطيات يعتبرها الكثيرون الآن مثالًا على غطرسة الولايات المتحدة.

من جانبه، قال “توماس كاروثرز”، نائب الرئيس الأول في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: “يجب أن يتم ذلك بتواضع كامل وصدق جاد بشأن عيوبنا، وحقيقة أننا لا نصدر نموذجًا أمريكيًّا”. ويتفق العديد من مؤيدي قمة الديمقراطية على أن الفوضى السياسية تتطلب اتباع نهج متواضع للغاية، حيث قالت “جايل سميث”، مديرة مجلس الأمن القومي الأقدم للتنمية والديمقراطية في إدارة أوباما: “لا أعتقد أن ما يتحدث عنه هو إلقاء محاضرات على العالم حول الديمقراطية”.

وأضافت “جايل سميث”، التي تشغل الآن منصب الرئيس والمدير التنفيذي لـ “حملة واحدة”، التي تدعو عالميًّا للوقوف ضد الفقر والمرض: “الرئيس بايدن يفهم جيدًا، وقد رأينا بوضوح، فالديمقراطية ليست شيئًا تعلنه أنت، “لتكن ديمقراطية”، وينتهي الأمر، إنها عملية مستمرة”.         

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا