نيويورك تايمز: هكذا ساعدت كوريا الشمالية الأسد في تصنيع الأسلحة الكيماوية

محمود سعيد

رؤية

واشنطن – نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريراً يقدم أدلة تثبت تورط كوريا الشمالية بمساعدة النظام من خلال تزويده بإمدادات يمكن استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيماوية، وتشير الصحيفة، أن هذه الإمدادات تشمل قرميد (بلاط) مقاوم للأسيد، بالإضافة إلى صمامات وموازين الحرارة، وفقا لمعدي التقرير.

ورصد التقرير وجود تقنيين من كوريا الشمالية مختصين بالصواريخ يعملون داخل منشآت في سوريا، بحسب مجموعة من الخبراء كانت تعمل على مدى امتثال كوريا الشمالية للعقوبات المفروضة عليها من الأمم المتحدة. 

وتأتي هذه الأدلة التي تربط كوريا الشمالية بالنظام، بعد اتهامات وجهتها الولايات المتحدة ودول أخرى للنظام باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، بما في ذلك الهجمات الأخيرة في الغوطة الشرقية والتي يبدو أن النظام استخدام فيها غاز الكلور.

ويسلط التقرير الضوء على الخطر المحتمل الذي تشكله أي تجارة من هذا القبيل بين سوريا وكوريا الشمالية، مما قد يسمح للنظام بالحفاظ على أسلحته الكيماوية، مقابل تقديم نقود تحتاجها كوريا الشمالية لبرامجها النووية والصاروخية.

وتعد مكونات الأسلحة الكيماوية المحتملة، جزءا مما لا يقل عن 40 شحنة لم يبلغ عنها من قبل كوريا الشمالية إلى سوريا بين عامي 2012 و2017. تشمل أجزاء لصواريخ بالستية ومواد أخرى محظورة، يمكن استخدامها لأغراض عسكرية ومدنية على حد سواء، وفقا للتقرير الذي لم يصدر بشكل رسمي بعد ولكن أطلعت عليه صحيفة “نيويورك تايمز”.

ولم يعلق معدو التقرير ولا أعضاء مجلس الأمن التابعون للأمم المتحدة الذين اطلعوا عليه، ولا بعثة الولايات المتحدة إلى الوكالة الدولية.

وبحسب الصحيفة، فإن الخبراء الثمانية الذين يشكلون هذه اللجنة، ينحدرون من بلدان مختلفة ولديهم خبرة محددة في مجالات تشمل أسلحة الدمار الشامل والنقل البحري والضوابط الجمركية. ومنذ عام 2010، حصلت اللجنة على تفويض من مجلس الأمن للتحقيق في انتهاكات محتملة للعقوبات من جانب كوريا الشمالية حيث تقدم نتائجها في تقرير سنوي.

مع ذلك، فالخبراء الذين اطلعوا على التقرير قالوا إن الأدلة التي وردت لا تثبت بشكل قاطع أن هناك تعاونا حالي ومستمر بين كوريا الشمالية والنظام بشأن الأسلحة الكيماوية، إلا أن التقرير بحسب هؤلاء الخبراء، يقدم تفصيلاً يعد الأكثر دقة لحد الآن عن الجهود المبذولة للتحايل على العقوبات التي تهدف إلى تقليص التقدم العسكري لكلا البلدين.

رئيس لجنة الخبراء الخاصة بكوريا الشمالية، في الأمم المتحدة خلال الفترة من 2011 إلى 2014 (وليام نيوكومب) وصف التقرير بأنه “اختراق مهم”.

وتشير الصحيفة أنه ومنذ بداية الحرب في سوريا في عام 2011، كانت هناك شكوك من كون كوريا الشمالية تقدم المعدات والخبرات للحفاظ على برنامج الأسلحة الكيماوية الذي يمتلكه (بشار الأسد). إلا أن هذه الشكوك، هدأت بعد ما وقع النظام في عام 2013 على اتفاقية الأسلحة الكيماوية، والتي ادعى بموجبها أنه تخلى عن مخزونه من الأسلحة الكيماوية.

التقرير الذي يزيد طوله عن 200 صفحة، يتضمن نسخا من العقود المبرمة بين الشركات الكورية الشمالية والسورية، فضلا عن سندات شحن تشير إلى أنواع المواد التي تم شحنها ومعلومات أخرى حصلت عليها دول أعضاء في الأمم المتحدة، لم تتمكن الصحيفة من معرفة هويتها.

وترى الصحيفة، أن هذا التعاون المرتبط بالأمور العسكرية، إذا ما تم التأكد منه، فانه يحدد ثغرات مهمة في الجهود الدولية لعزل كل من نظام الأسد وكوريا الشمالية. فالشحنات كان من الممكن ألا يتم كشفها، على الرغم من أن كلا الدولتين، هما موضوع عقوبات شديدة الصرامة، وتخضعان لتدقيق مكثف من الاستخبارات الأمريكية وغيرها.

كما يضم التقرير، جزءاً من علاقة كوريا الشمالية بالنظام، والذي يوثق أيضا الطرق الكثيرة التي حاول بها (كيم جونغ-أون) في كوريا الشمالية التحايل على العقوبات. ويصف الشبكة المعقدة التي تستخدمها كوريا الشمالية المكونة من الشركات والمواطنين الأجانب المتعاطفين معها للوصول إلى التمويل الدولي، كما تقوم بعمليات إلكترونية متطورة لسرقة الأسرار العسكرية وتوكل عمليات تهريب للموظفين الدبلوماسيين التابعين لها.

وينتقد روسيا والصين، لفشلهما في القيام بما فيه الكفاية لفرض عقوبات على بنود مثل البترول والفحم والسلع الكمالية.

ويقدم التقرير تفاصيل جديدة عن العلاقة العسكرية بين كوريا الشمالية والنظام التي تعود إلى عقود. خلال الحروب العربية الإسرائيلية في الستينيات والسبعينات، حيث نفذ طيارون من كوريا الشمالية مهمات قتالية مع القوات الجوية السورية.

وفي وقت لاحق، ساعد الفنيون من كوريا الشمالية على تطوير ترسانة سوريا من الصواريخ الباليستية وبناء محطة للطاقة النووية قادرة على إنتاج البلوتونيوم، الذي يمكن استخدامه لصنع الأسلحة النووية. وهو المصنع الذي قامت إسرائيل بتدميره في عام 2007.

وقد قدمت كوريا الشمالية التدريب والدعم اللازم لبرامج الأسلحة الكيماوية السورية منذ التسعينات على الأقل، بحسب الكتاب القادم لمؤلفه (بروس بيكتول) المحلل الكوري السابق في وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع والذي يعمل حاليا كبروفسور في “جامعة ولاية انجيلو” في ولاية تكساس في الولايات المتحدة. ويصف الكتاب أيضا حادثا في عام 2007 قتل فيه عدد من الفنيين السوريين، إلى جانب مستشارين كوريين شماليين وإيرانيين، في انفجار رأس حربي مليء بغاز السارين ومركب الأعصاب شديد السمية “VX”
وقال (بيكتول) في مقابلة له أن العلاقة مع سوريا كانت “نعمة على المجمع العسكري الصناعي المعقد في كوريا الشمالية”.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن هذا التعاون استمر خلال الحرب السورية، على الرغم من العقوبات الدولية. وأضاف التقرير انه تم العثور على أدلة حاسمة على ذلك في كانون الثاني من عام 2017، عندما تم اعتراض سفينتين، تحملان بلاطا مقاوما للحامض يستخدم عادة في بناء مصانع الأسلحة الكيماوية، كانتا في البحر في طريقهما إلى النظام في سوريا.

الشحنات التي تم اعتراضها، كانت من بين خمس شحنات تم الاتفاق عليها في عقد بين شركة مملوكة للحكومة في سوريا وشركة كورية شمالية تعمل في تصدير الأسلحة. واستندت هذه النتائج جزئيا على الأقل، إلى نسخ من العقود التي قدمتها شركة الشحن، التي تعرف باسم شركة “تشنغ تونغ للتجارة المحدودة”، ومقرها في الصين.

وقال التقرير إن الشحنات الثلاث الأخرى أرسلت بين 3 تشرين الثاني و12 كانون الأول 2016.

ولم يشر التقرير إلى هوية الدولة التي اعترضت هذه الشحنات، أو إذا ما كانت الشحنات الثلاث الأخرى قد سلمت إلى النظام. وينص العقد على تسليم المواد إلى “معمل التصنيع المعدني” الشركة الحكومية التي تخضع لعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية منذ العام الماضي، بعد أن ثبت تورطها في صناعة الأسلحة السورية.

ويورد التقرير، أنه في آب 2016، زار وفد من فنيي الصواريخ من كوريا الشمالية سوريا، حيث نقل “صمامات مقاومة خاصة وموازين حرارة من المعروف أنها تستخدم في الأسلحة الكيماوية” حسب ما ورد في التقرير. وتلقى مؤلفو التقرير معلومات، من أحد الدول الأعضاء التي لم يسموها، مفادها أن فنيي الصواريخ الكوريين الشماليين عملوا في الأسلحة الكيماوية السورية ومنشآت الصواريخ في برزة وعدرا وحماة.

وبحسب (مالوري ستيوارت)، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية والتي شاركت في جهود إدارة (أوباما) لتفكيك برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا، فإن هناك دائما مخاوف من كون نظام (الأسد) لم بدرج جميع مخزوناته من الأسلحة الكيماوية ليتم تدميرها.

وتضيف أن التقرير “يؤكد كل ما قلناه” وقالت “بالتأكيد، ما حاولنا القيام به في الإدارة الأخيرة هو تفكيك برنامج الأسلحة الكيماوية بأكمله، ولكننا نعلم، أنهم لم يقوموا بذلك”.

ربما يعجبك أيضا