نيويورك تايمز| هل ستؤدي نرجسية ترامب إلى تدمير البلاد؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

لم يكن رئيسنا أبدًا رجلاً رزينًا، ولكني على أية حال، أحاول أن أفكر إلى أي درجات الجنون قد وصل، حتى يتخلى عنه أحد كبار مستشاريه الذين يثق بهم؛ وهي “ماجي هابرمان” في يوم الانتفاضة. أو أن يصفه مسئول في إدارته بأنه “وحش كامل”، وذلك في تصريحات لصحيفة “الواشنطن بوست” في اليوم التالي. أو أن يخرج النائب “آدم كينزينجر”، وهو عضو في حزب ترامب نفسه، ليدعو مجلس الوزراء ونائب الرئيس لتفعيل التعديل الخامس والعشرين؛ لأننا نريد “قبطانًا عاقلًا للسفينة” ليقودنا خلال الأيام الأخيرة للإدارة، وأن “جميع الدلائل تشير إلى أن الرئيس بات مجردًا، ليس فقط من واجبه أو حتى من قسمه، ولكن من الواقع نفسه”.

كان رئيسنا دائمًا هكذا. ولكن في يوم 6 يناير 2021، من الواضح أنه وصل إلى سرعة الهروب القصوى، وانطلق إلى الفضاء. لا ينبغي أن نتفاجأ.. كان هروب الرئيس إلى طبقة أوزون الجنون حتميًّا مثل انزلاق البلاد إلى الفوضى، والتي من المؤكد أنها متشابكة تقريبًا. ولدى ترامب – كما أشرت أنا وكثيرون آخرون –  مواصفات الشخص النرجسي الخبيث، كما أن لديه عيبًا في الضمير الأخلاقي يرمز إلى المختلين عقليًّا. ومثل هذه الشخصيات لا يتفاعلون بشكل جيد مع فصلهم من الوظائف أو طلاقهم أو طردهم من أي ناد، فلديهم غرور المصابين بالهيموفيليا، كما أن اعتدادهم بذواتهم يصل لدرجة المرض الذي لا يمكن الشفاء منه.

ولذا فإن الرئيس دونالد ترامب يتصرف الآن بالضبط مثل جميع النرجسيين المرضى النفسيين ذوي التنوع الخبيث معدومي الضمير، عندما يتولون القيادة فيتصرفون بشكل خطير. وهؤلاء المرضى النرجسيون يزعمون أنهم ضحايا ويكذبون ويرفضون الحقائق مدعين أنها مؤامرات؛ بل إنهم يلومون جميع الأشياء والأشخاص – باستثناء أنفسهم – على إخفاقاتهم، كما أنهم يتهمون حتى أنصارهم الأكثر ولاءً بالخيانة.

إنهم يخوضون مخاطرة متهورة ويائسة واحدةً تلو الأخرى للحفاظ على طابعهم العاطفي كما هو.

والأهم من ذلك، فهم ينتقدون ما ورد في العهد القديم؛ ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تدمير المؤسسة ذاتها – أيًّا كانت تلك المؤسسة – التي أقسموا ذات مرة على رعايتها، وهذه المؤسسة تتمثل – في هذا الوضع الأمريكي الحالي – في الديمقراطية نفسها، حيث إن ترامب هو ذلك الرجل الذي لم يعد يطيق الفشل، ويجده أمرًا مهينًا للغاية، لدرجة أنه كان على استعداد لتحريض الحشود الغفيرة على تمرد عنيف داخل وحول مبنى الكونجرس، في يوم التصديق على نتيجة الانتخابات، ليحصل على ما يريد أو لا يحصل عليه أحدٌ أبدًا، ونتيجة لذلك تُوفي خمسة أشخاص حتى الآن. وكما قال “ميت رومني” ليلة الحصار: “إننا نجتمع الآن بسبب غرور رجل أناني مجروح”.

هل تعرف من كان يمكن أن يتنبأ بهذا؟

الباحثون المتخصصون في السلوك السيء للرؤساء التنفيذيين؛ فهم قد شاهدوا هذا الفيلم عشرات المرات من قبل، فهو نموذج متكرر. فمن جانبها، قالت “جينيفر شاتمان”، أستاذة الإدارة في كلية هاس للأعمال في بيركلي، والتي كتبت كثيرًا عن القادة النرجسيين: “لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا على الإطلاق فهذا هو ما نتوقعه”، وأضافت: “إنه ليس تحولًا جميلًا أبدًا عندما يتعين عليهم ترك المنصب”. فهم يعتقدون أنه أصبح حقهم، كما أنهم معتادون أيضًا على نشر انعدام الثقة، ولديهم ازدراء للقواعد، وهو ما جعلهم في الواقع قادة فظيعين، كما أنهم عرضة للغش والسرقة والخداع. وأكدت شاتمان أنهم “يتركون منظماتهم في حالة سيئة، من وجهة نظر هيكلية وثقافية”. تمامًا مثلما ترك ترامب الحزب الجمهوري والبلاد بشكل عام.

أما “تشارلز أورايلي”، أستاذ الإدارة في جامعة ستانفورد والمتعاون الدائم مع تشاتمان، فقد ذكّرني بأن “آدم نيومان”، الرئيس التنفيذي السابق شديد الغرور لشركة “وي وورك”، والذي تضمنت طموحاته أن يصبح أول تريليونير في العالم وأن يعيش للأبد، قدّم خطة مجنونة في محاولة أخيرة لإنقاذ شركته، وهو ما يذكرنا بشكل فظيع بقضايا ترامب المخادعة. وأضاف أورايلي أن معظم المجالس تفشل في منع هؤلاء القادة، ولا تنقض عليهم إلا عندما تنهار الشركة، لأن لديهم الكثير من الحوافز (المال والقوة) لرؤيتهم ينجحون، غير أن الأمر كان فظيعًا بالنسبة للكونجرس!

هل تعرف أين يمكن إيجاد تنبؤات دقيقة حول السلوك الحالي للرئيس؟

هناك العديد من كتب المساعدة الذاتية مخصصة لمساعدة الناس للتخلص من مثل هؤلاء النرجسيين الفاسدين في حياتهم، وقد بدأت في البحث عنها في الأيام القليلة الماضية أكثر من أي شيء آخر، واتضح أنه يمكنني فتح أي صفحة والعثور على شيء متصل بسلوك الرئيس الحالي: فهؤلاء النرجسيون يتقلبون بين دور الضحية والمعذب، وهم مدمرو العوالم.. إنهم يؤمنون بنظرية المؤامرة والخيانة. أما النقطة الأبرز المشتركة بينهم جميعًا فهي أن المرضى النرجسيين يقولون دائمًا إن شركاءهم السابقين لم يكونوا – وسيبقون مجددًا – شيئًا من دونهم.

وكما وصف مسؤول في البيت الأبيض مؤخرًا “دونالد ترامب” بأنه كان يدندن ترنيمته الخاصة بأنه صنع الجميع، فقد كان يتحدث عن بنس قائلاً: ” لقد صنعت هذا الرجل وأنقذته من موت سياسي، وها هو يطعنني في ظهري”. ولا أرغب هنا بأي حال من الأحوال في الإيحاء بأن شخصية ترامب المضطربة هي المفتاح لفهم طبيعة رئاسته، فهذا، من وجوهٍ عدة، يكاد يكون مملًا، وهو بالضبط ما يجعله مملًا وغير معقد، فهو شديد السطحية.

ولكنني أعتقد أيضًا أنه من المستحيل فهم سلوك ترامب دون النظر إليه من منظور أمراضه النفسية، والتي في هذه اللحظة تهدد الأرواح، وربما يكون قد أصدر بيانًا آليًا يوم الخميس يدين فيه أعمال العنف يوم الأربعاء، واعترف ضمنيًّا بنتيجة الانتخابات، بيد أن الأوان قد فات! فلا يزال ترامب يشكّل خطرًا على الأمن الداخلي، وقد جعلنا هدفًا لأعدائنا، فقد غدوا يعرفون أن من يتولى القيادة هو رجل هش غير متوازن، وأعصابه قابلة للاحتراق مثل الأوراق الجافة. ولأنه يائس وغاضب وسريع الوقوع في الفخاخ؛ فهو يجعلنا غير آمنين، ومن ثَمَّ فنحن بحاجة لإخراجه.

لا تحتاج إلى أن تكون مراقبًا شديد الذكاء لرئاسة ترامب لتدرك أن سياساته وخطاباته التحريضية المليئة بالكراهية، وتجاهله المضحك للقانون سينتهي يومًا ما بالعنف. كذلك فلستَ بحاجة إلى أن تكون مراقبًا دقيقًا بشكل خاص للشخصية لترى أن الرجل الذي لا يشعر بالتعاطف، ويستغل بلا رحمة، ويكذب بالغريزة، ويسعى إلى النجاح بأي ثمن، ويعيش في رعب من رؤيته يتوارى بعيدًا عن الأضواء، لن يرحل أبدًا بهدوء.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا