هل انتهى عصر العقوبات الأمريكية؟ «فورين أفيرز» تجيب

بسام عباس

تسعى الدول المناوئة للولايات المتحدة إلى تحصين اقتصاداتها للحد من تأثير العقوبات الأمريكية إذا ما حاولت واشنطن فرضها.


العقوبات الأمريكية السلاح الدبلوماسي المفضل للولايات المتحدة ضد خصومها والدول “المارقة”، وتسعى لحشد الحكومات الأخرى، لتنفيذ العقوبات.

وتعد العقوبات أداة يستخدمها السياسيون الأمريكيون، ليوازنوا بها بين المساعي الدبلوماسية والتدخلات العسكرية، إلا أن “العصر الذهبي” لعقوباتها سينتهي قريبًا، وفق ما تراه مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية.

ثلاثة أحداث

قالت المجلة، في تقرير نشرته يوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2022، إن اعتماد واشنطن المتزايد على العقوبات دفع العديد من الدول إلى تقوية اقتصاداتها، لمواجهة هذه التدابير، ودفعتها إلى هذه الخطوة 3 أحداث خلال العقد الماضي.

وكان أولها عام 2012، عندما عزلت واشنطن إيران عن نظام “سويفت” العالمي، الذي يكون من خلاله جميع المدفوعات الدولية، في محاولة لعزل البلاد ماليًّا. وفي عام 2014، فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا، ما دفع موسكو إلى جعل الاستقلال الاقتصادي أولويتها القصوى.

مقاومة العقوبات

ذكرت المجلة أن واشنطن، في عام 2017، شنت حربًا تجارية على بكين، سرعان ما امتدت إلى القطاع التكنولوجي، ومن خلال تقييد تصدير التكنولوجيا الأمريكية ذات الصلة بأشباه الموصلات، أرسلت الولايات المتحدة إلى خصومها إشارات بإمكانية قطع التكنولوجيا الحيوية عنهم.

وأضافت أن هذه الأحداث أدت إلى بروز ظاهرة جديدة، وهي “مقاومة العقوبات”، فواشنطن تستمد سلطتها في فرض العقوبات من قوة الدولار، وإشرافها على القنوات المالية، فسعى خصومها لابتكارات مالية تحد من قوة العقوبات، واكتشفوا بدائل مثل اتفاقيات التبادل بالعملات المحلية، وبدائل لنظام “سويفت”، والعملات الرقمية.

الإفراط في استخدام العقوبات

أوضحت المجلة أن التحذيرات من الآثار السلبية للإفراط في استخدام العقوبات، لم تكن جديدة، ففي عام 1998، أعرب الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون، عن أسفه لأن أمريكا أصبحت “سعيدة بالعقوبات”، وأعرب عن قلقه من أن البلاد “في خطر أن تبدو وكأننا نريد معاقبة كل من يختلف معنا”.

ولفتت إلى أنه في ذلك الوقت كانت هذه المخاوف مبالغًا فيها، فالولايات المتحدة كانت قوة اقتصادية لا مثيل لها، وكانت العقوبات لا تزال في بعض الأحيان أداة فاعلة، مشيرة إلى أن وتيرة استخدام العقوبات زادت بقدر كبير، ورد خصوم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات وقائية للالتفاف على العقوبات المحتملة.

التبادلات الثنائية

أوضحت المجلة أن إحدى الطرائق التي حصّنت بعض الدول بها نفسها، لتكون أكثر مقاومة للعقوبات، التبادلات الثنائية بالعملات المحلية، والتي سمحت لها بتجاوز الدولار الأمريكي، وتربط صفقات مبادلة العملات البنوك المركزية مباشرة ببعضها البعض، ما يلغي الحاجة إلى استخدام عملة ثالثة للتداول.

وأضافت أن الصين تبنت هذه الأداة، فوقّعت اتفاقيات لمبادلة العملات مع أكثر من 60 دولة، بما في ذلك الأرجنتين وباكستان وروسيا وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا، بقيمة إجمالية تقارب 500 مليار دولار.

وفي مارس 2020، أعطت “منظمة شنجهاي للتعاون”، الأولوية لتطوير المدفوعات بالعملات المحلية، للابتعاد عن الدولار الأمريكي.

الهند تتحايل أيضًا

قالت المجلة إن حلفاء الولايات المتحدة أيضًا يبرمون صفقات للتبادل بالعملات المحلية، فعلى سبيل المثال، اشترت الهند، في عام 2019، صواريخ الدفاع الجوي “إس 400” من روسيا، وكان من المفترض أن تؤدي هذه الصفقة، البالغة قيمتها 5 مليارات دولار، إلى فرض عقوبات أمريكية.

إلا أن الهند وروسيا أحيتا اتفاقية مبادلة العملات، التي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفيتية، واشترت الهند الصواريخ باستخدام مزيج من الروبل الروسي والروبية الهندية، بالتالي تجنبت العقوبات الأمريكية، التي كان من الممكن استخدامها لوقف البيع. وحذرت المجلة من أن استمرار الدول في استخدام القنوات المالية الغربية، يعرضها لخطر العقوبات.

البديل الصيني

قالت المجلة إن البديل الصيني، المعروف باسم “نظام الدفع العابر للحدود بين البنوك” (CIPS)، ليس بنفس قوة “سويفت”. وفي عام 2021، أجرى هذا النظام معاملات بقيمة 12 تريليون دولار فقط، ويركز على المدفوعات بالعملة الصينية، التي تمثل أقل من 10% من المعاملات المالية العالمية.

وأضافت أن مجرد وجود نظام CIPS في حد ذاته هو انتصار لموسكو وبكين، فهدفهما هو الحصول على بديل عملي لـ”سويفت”، وليس إنشاء نظام دفع أكبر، وأن ما يهم روسيا والصين هو أن نحو 1300 بنك في أكثر من 100 دولة انضمت إلى إطار العمل الجديد.

 العملة الرقمية

الأداة الثالثة، التي يستخدمها خصوم الولايات المتحدة للتخلص من العقوبات، هي العملة الرقمية، فنحو 300 مليون صيني يستخدمون بالفعل اليوان الرقمي في أكثر من 20 مدينة، بما في ذلك بكين وشنجهاي، ويصدر البنك المركزي الصيني هذه العملة الرقمية، وتُخزَّن على الهواتف المحمولة للصينيين.

وأضافت أن دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية لعام 2022 في بكين كانت بمثابة ساحة اختبار للعملة الجديدة، ففي المواقع الأوليمبية، كان لا بد من إجراء المدفوعات باستخدام بطاقة فيزا أو اليوان الرقمي، وتنمو هذه الآلية سريعًا، فالتوقعات تشير إلى أن مليار شخص سيستخدمون اليوان الرقمي بحلول عام 2030.

نقطة عمياء

أفادت المجلة أن اتفاقيات مبادلة العملات وأنظمة الدفع البديلة والعملات الرقمية لن يكون لها تأثير كبير في فاعلية العقوبات الأمريكية، لكن هذه المحاولات مجتمعة تمنح الدول القدرة على إجراء معاملاتها عبر قنوات أخرى، وأن هذا الاتجاه لا رجعة فيه، لأنه يوجد مؤشر على تحسن العلاقات بين واشنطن، وكل من بكين أو موسكو.

والسيناريو الأكثر ترجيحًا، هو أن الأمور تزداد سوءًا، ما يدفع بكين وموسكو لمضاعفة جهودهما في حماية أنفسهما من العقوبات، كذلك فإن ظهور قنوات مالية مقاومة للعقوبات، يعني وجود “نقطة عمياء” لدى الولايات المتحدة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالكشف عن الأنشطة العالمية غير المشروعة.

عقوبات متعددة الأطراف

طرحت المجلة بديلًا قالت إنه الأفضل للعقوبات الأمريكية، يتمثل في مجموعة تدابير متعددة الأطراف، تدعمها اليابان والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وغيرها من القوى ذات التفكير المماثل.

وأضافت أن هذه العقوبات تعد أكثر صعوبة في صياغتها، وسيكون من الصعب على الدول المستهدفة التحايل عليها، فالصين لن تتحمل فقدان القدرة على الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية واليابانية في الوقت نفسه، وفي أفضل السيناريوهات، سيعزز وضع عقوبات متعددة الأطراف إنشاء إطار عالمي لتحسين فعاليتها.

ربما يعجبك أيضا