هل ستنطلق حملة احتجاج إسرائيلية لوقف الحرب؟

رؤية
احتجاجات في إسرائيل

تتراكم أثمان الحرب بشكل متسارع، تتقدم إسرائيل عسكريًا وفقا لتصريحاتها، في حين يتعاظم الثمن البشري، وبينما يؤكد وزير الأمن جالنت وقادة الجيش وجود مؤشرات لانكسار حماس ولحسم المعركة وليس لنهايتها. تظهر ولأول مرة وبشكل صادم للمجتمع الإسرائيلي حقيقة الإفصاح عن حجم الخسائر البشرية المتمثلة بعدد الجرحى من الجنود ودرجات الإصابات.

تتصدر هذه المسألة جدول الأعمال الإسرائيلي بالتزامن مع ما رشح عن مصادر أمريكية رفيعة أكدتها وكالة أكسيوس السبت الماضي عن توجيه أمريكي لإسرائيل بوقف الحرب بنهاية العام الجاري وبأن نتنياهو سيجمع الحكومة للبحث في احتمالية وقف إطلاق النار.

أرقام صادمة

نشر موقع واينت وصحيفة يديعوت أحرونوت السبت، أرقامًا صادمة بشأن عدد الإصابات بين الجنود وقوات الأمن الإسرائيلية والذي بلغ 5 آلاف، ووفقًا لرئيسة قسم تأهيل المصابين في وزارة الأمن فإن “58% من الجنود الجرحى الذين يُحولوا للعلاج في هذا القسم يعانون من إصابات بالغة في الأيدي والارجل، بمن فيهم من ستبتر أطرافهم. مقابل 12% من الإصابات الداخلية في الطحال والكليتين وتمزق أوعية داخلية في حين 7% من الإصابات نفسية.

وفقًا لذات المصدر فإن 2000 جندي وشرطي ومن قوات الأمن، تم الاعتراف بهم رسميًا كمعاقي قوات الأمن، وقد بلغ المعدل اليومي لعدد المصابين المستوعبين 60 مجندًا، بحسب تقرير تحليلي نشره مركز تقدم للسياسات.

مطالبات بصفقة تبادلية

تظاهر مساء السبت عشرات الآلاف من أنصار حملة إعادة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة، داعين إلى إطلاق سراحهم ضمن صفقة تبادل فورية، معتبرين أن الحكومة قد فضلت تعميق الحرب البرية في غزة وعلى حساب المخاطرة المباشرة بحياة المحتجزين الإسرائيليين، والذين نشرت صحف نهاية الأسبوع اعترافات وشهادات ممن تحرروا في صفقات التبادل الأخيرة، أكدوا فيها أن حياتهم كانت في خطر داهم تحت وابل القصف الإسرائيلي.

بموازاة العائلات والحراك الشعبي المساند فقد صرّح عدد من كبار القادة العسكريين والأمنيين السابقين عن تقديراتهم للقناة 12 الإسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية قد حسمت أمرها لصالح الاتجاه الذي يدفع به وزير الأمن جالنت والذي قرر إعطاء الأولوية لتعميق الحرب وتوسيعها في غزة، على حساب تراجع أولوية إعادة الاسرى والمحتجزين من غزة. فقد حذر الجنرال عاموس جلعاد رئيس الدائرة الأمنية في وزارة الأمن سابقًا، من مساعي تحرير الأسرى بالقوة العسكرية العملياتية، ويؤكد: “لسنا في عنتيبي” (في إشارة الى مطار العاصمة الأوغندية حيث تمت عملية تحرير رهائن من طائرة مخطوفة في العام 1976) وقد تتعقد الأمور في هكذا عمليات.

الرهائن والأسرى

في حين قال قائد المنطقة الجنوبية سابقًا، دان هارئيل، إن قضية الرهائن والأسرى تراجعت إلى مستوى متدن في الأولويات، مضيفًا أن كل التصريحات الإسرائيلية قائمة على اللاءات لما لا تريده إسرائيل، ولا توجد استراتيجية “ماذا نريد”، في حين يضغط البيت الأبيض لاستشراف الوضع لليوم التالي للحرب.

بينما اعتبر رئيس الموساد السابق تمير باردو بأن من واجب الحكومة أن تحسم بأن أولويتها هي تحرير الأسرى والرهائن ولا يمكن إلا بصفقة تبادل. واعتبر باردو أنه لا يمكن الجمع بين هدفين متنافرين وهما استمرار الحرب وتعميقها من أجل تقويض حماس وتحرير الأسرى.

صفقة تبادلية

اقترح باردو، أن تقر الحكومة أن مسؤوليتها هي التوجه إلى حماس ومن خلال الأطراف العربية والدولية وتعرض صفقة شاملة لتبادل الأسرى وحتى ولو كان الثمن وقف الحرب. فالهدف وفقًا لباردو هو إعادة المحتجزين الـ138 إحياء وإعادة سكان البلدات الحدودية جنوبًا وشمالًا والذين نزحوا بأمر حكومي، وبالإمكان لاحقًا تصفية الحساب مع حماس. وحذر من تراجع قدرة الولايات المتحدة على المناورة مطولًا بحيث باتت هي الدولة الوحيدة مع إسرائيل والمدانة في جلسة مجلس الأمن حتى ولو غير رسميًا، بينما غيرت معظم الدول الغربية من سياساتها.

بدأت الحكومة في مساعيها لإعادة استيعاب العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية والبالغ عددهم نحو 130 ألفًا في المرافق التشغيلية في مجالي البناء والزراعة اللذين كانا من الأكثر تضررًا خلال الحرب.

الحكومة الإسرائيلية في مأزق

رغم أن التوافق الإسرائيلي على الحرب على غزة لم يكن يومًا متماسكًا، فإنه يواجه تراجعًا وتصدعات تجعل الموقف من الحكومة قائمًا على نزع الثقة الشعبية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وإدارة الحرب، والغضب الشعبي الهائل بشأن الأسرى المحتجزين في غزة، والذين باتت قضيتهم مهمشة على جدول أعمال الحكومة باستثناء موقف حزب المعسكر الرسمي.

دخلت إسرائيل في مرحلة تشكيك ذاتي في القدرة على حسم الحرب وفي عدم توافق بشأن أهدافها وبشأن اليوم التالي للحرب. ويمكن القول إن الاحتجاج الشعبي بشأن الأسرى المحتجزين قد خرج عن سيطرة الحكومة والشرطة وإجراءات الطوارئ، نظرًا لحالة اليأس الشعبي من تقدم الحكومة في هذه المسألة.

الثمن باهظ

كما الحال بالنسبة لرفض السكان العودة إلى البلدات الحدودية في الجبهتين الجنوبية والشمالية، فإن قضية الأسرى المحتجزين هي أبعد من مسألة تبادل أسرى عادية، بل ونتيجة لإخفاق 7 أكتوبر فقد باتت عاملًا في التفتيت المجتمعي وتفكك “العقد الاجتماعي”، أي تفكك في أركان المشروع والقيم الصهيونية القائمة في هذا السياق على أن الاستيطان على المناطق الحدودية هو الضمانة للحدود الأمنية لإسرائيل وبأن إسرائيل لم تعد البيت الآمن لليهود أينما تواجدوا.

لم تظهر حتى الآن أية حركة احتجاج شعبي إسرائيلي على استمرار الحرب، إلا أن الثمن الباهظ بشريًا واقتصاديًا واجتماعيًا بدأ يلقي بظلاله، ومن شأنه أن يجد في الجدل الأمريكي بشأن تقلص المهلة الزمنية أمام حكومة نتنياهو إلى الانطلاق الشعبي من حالة غضب إلى حالة احتجاج شعبي سياسي ومن دون اكتراث حاليًا بمصير قضية فلسطين.

ربما يعجبك أيضا