وداعًا “صباح الأحمد”.. رحل قلب السلام النابض وأمير الإنسانية

كتب – حسام عيد

بعد 66 عامًا من العمل الدبلوماسي، والعطاء الوفير الذي لا ينضب للكويت والعالم، الإنسانية تودع أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

ويعد الشيخ صباح الأحمد طرازًا فريدًا من قادة العالم المتميزين الذين خلدوا أسماءهم باقتدار من خلال جهوده السياسية التي ساهمت في تحقيق السلام والاستقرار في العالم وأعماله الإنسانية التي أفادت بالخير كثيرًا من الدول والشعوب المنكوبة.

لقد رحل أمير الكويت الخامس عشر، عميد الدبلوماسية، الذي أصبحت الكويت معه واحة آمنة في منطقة مضطربة، تحاول تهدئة الجوار وكبح ما يطرأ من توترات، وحل الإشكالات بحنكة لا تضاهي.

وعانى الأمير الراحل في السنوات الأخيرة من المرض، وقضى في عام 2019 أسابيع للعلاج في الولايات المتحدة، وعاد إلى هناك في 23 يوليو الماضي لاستكمال العلاج بعد جراحة خضع لها في الكويت، إلى أن وافته المنية عن عمر ناهز 91 عامًا يوم الثلاثاء الموافق 29 سبتمبر 2020.

في التقرير التالي، نرصد محطات بارزة في حياة أمير الكويت الراحل، والتي كانت أيضًا فارقة في تاريخ الكويت، والأمتين العربية والإسلامية، فهو كان قلبًا نابضًا مفعم بالسلام والخير.

مسيرة مضيئة بأروقة السياسة

الأمير صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح هو الابن الرابع للحاكم العاشر للكويت الشيخ الراحل أحمد الجابر المبارك الصباح، والدته الراحلة مُنيرة العيار، وهو الأخ غير الشقيق للأمير الثالث عشر لدولة الكويت الشيخ الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح.

ولد الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح في 16 يونيو 1929، وتزوج من الشيخة الراحلة فتوح السلمان الحمود الصباح، ولهما ثلاثة أبناء، وبنت واحدة، وهم الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح وزير الديوان الأميري، والشيخ حمد صباح الأحمد الصباح وهو رجل أعمال، والشيخ أحمد صباح الأحمد الصباح وتوفي في سن مُبكرة، والشيخة سلوى صباح الأحمد الصباح والتي تُوفيت عام 2002.

وحفلت مسيرة الأمير الراحل بالعديد من المسؤوليات وكانت البداية مع والده عندما رافقه في مهمات قيادية، وعُين في 19 يوليو عام 1954 عضوا في اللجنة التنفيذية العُليا التي عهد إليها بمهمة تنظيم مصالح ودوائر الحكومة الرئيسية ووضع خُطط عملها ومتابعة تنفيذ تلك الخطط، وهو لم يتجاوز وقتها 25 عاماً.

وفي عام 1955 تولي منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبعد استقلال دولة الكويت عام 1961 عُين الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عضوًا في المجلس التأسيسي الذي عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد، ثم عُين في أول تشكيل وزاري عام 1962 وزيراً للإرشاد والأنباء، والتي أصبحت فيما بعد وزارة الإعلام، ليكون أول وزير لها في تاريخ الكويت.

وفي 28 يناير 1963 عُين وزيرًا للخارجية، وقضى على رأسها  40 عامًا، ليتوج بلقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين في العالم.

وفي الفترة من 2 فبراير 1971 وحتى 3 فبراير 1975 عُين وزيرا للإعلام بالوكالة. وفي 16 فبراير 1978 عُين نائباً لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، ثم في 4 مارس 1981 تسلَّم حقيبة الإعلام بالوكالة، إضافة إلى وزارة الخارجية حتى 9 فبراير 1982.

وكان صباح الأحمد قد أدى دورًا بارزًا أثناء المحنة الكبيرة التي مرت بها الكويت عام 1990، باحتلال الجيش العراقي لها، من خلال جهوده الدبلوماسية في حشد الدعم الدولي لقضية بلاده حينها بخبرته الواسعة في العمل الدبلوماسي والسياسي، وبالفعل وقف العالم أجمع مناصرا للحق الكويتي في وجه العدوان العراقي وصدور قرار مجلس الامن رقم 678 في 29 نوفمبر من العام ذاته وأجاز استخدام جميع الوسائل بما فيها العسكرية ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت.

ويوم 3 مارس 1985 عُين نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للخارجية حتى 18 أكتوبر 1992.

وفي 14 فبراير 2001 أسندت إليه مُهمة تشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بسبب ظروفه الصحية.

في 13 يوليو 2003، صدر مرسوم أميري بتعيين الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رئيساً لمجلس الوزراء.

وفي 29 يناير 2006 أدى اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة ليكون أميرًا للبلاد.

وتلقى الأمير الراحل، تعليمه في مدرسة المباركية بالكويت، وتوسَّم فيه والده الفطنة والذكاء منذ صغر سنه، ثم استكمل دراسته في إحدى الدول الأجنبية.

حاكم استثنائي وقائد التنمية

29 يناير 2006، لم يكن تاريخًا عاديا لجميع الكويتيين، ففي هذا التاريخ تولي الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مسند الإمارة بمبايعة شعبية تامة إثر اختياره من قبل أعضاء السلطتين أميرا للبلاد.

فحتى اليوم يستذكر الكويتيون لحظات تاريخية فارقة مر بها الوطن حين وقف الشيخ صباح الأحمد تحت قبة البرلمان ليؤدي اليمين الدستورية أميرًا للبلاد إيذانا ببدء مسيرة جديدة من العمل والعطاء واستكمالاً لما بدأه أسلافه من حكام الكويت.

وعلى مدى 14 عامًا من تولي الأمير الراحل مقاليد الحكم شهدت البلاد نهضة تنموية شاملة تركزت على مجموعة من المشاريع الضخمة أبرزها مدينة (صباح الأحمد البحرية) التي تعد أول مدينة ينفذها القطاع الخاص كاملا في دلالة واضحة على تشجيعه للقطاع الخاص ومنحه دورا كبيرا في المساهمة في تنمية الكويت وتنشيط عجلة الاقتصاد.

وفي عام 2018 افتتح الشيخ صباح الأحمد عددًا من المشاريع المهمة في البلاد أبرزها مركز (عبدالله السالم الثقافي) و(مدينة الكويت لرياضة المحركات) و(مدينة الجهراء الطبية) ومبنى الركاب الجديد رقم (4) في مطار الكويت الدولي و(مستشفى جابر الأحمد).

وفي عام 2019 افتتح (جسر الشيخ جابر) الذي يعد من أبرز المشاريع العملاقة في البلاد ورابع أطول جسر بحري على مستوى العالم كما تم افتتاح مركز (جابر الأحمد الثقافي) وغيره الكثير من المرافق على المستوى العالمي.

قلب نابض بقضايا الأمة العربية

وعلى صعيد توطيد العلاقات ودفع الجهود الدبلوماسية لما فيه مصلحة الكويت والمنطقة قام الأمير الراحل في يونيو 2019 بزيارة رسمية إلى العراق تُعد الأولى من نوعها لمسؤول كويتي رفيع المستوى إلى بغداد منذ عام 1990 وأحداث الغزو العراقي ودشن خلال هذه الزيارة عهدًا جديدًا في مسيرة العلاقات على مختلف المستويات بين البلدين.

وعلى الصعيد الخارجي أيضا كانت دبلوماسية الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح دائما ما تصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة بأسرها فهو عميد الدبلوماسية وصاحب الدور الفيصل في الوساطة لحل الخلافات والنزاعات وخفض التوترات في المنطقة وبالأخص حرصه على الحفاظ على وحدة البيت الخليجي.

وحرص الأمير الراحل، أيضًا، على وحدة الصف العربي أيضًا؛ إذ أكد في كلمته المهمة أمام القادة العرب في القمة العربية الطارئة التي عقدت في مكة المكرمة في 31 مايو 2019 أن الأمة العربية تعاني أوضاعًا صعبة وتراجعًا حادًا في أمنها واستقرارها انعكس على قدرتها على تفعيل العمل العربي المشترك داعيًا إلى تغليب الحكمة والاحتكام إلى الحوار.

وعندما كان وزيرًا للخارجية، سعى الأمير الراحل بدأب إلى لم شمل الأشقاء وحل الخلافات عندما شارك في الستينيات باللقاء الذي نظمته الأحزاب المتنافسة في اليمن مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الأهلية اليمنية حيث استأنفت اجتماعاتها في الكويت في أغسطس 1966 وعندما تدهورت العلاقات حينها بين اليمنين (الجنوبي والشمالي) قام بزيارة إليهما حينها في أكتوبر 1972 والتي أثمرت عن توقيع اتفاقية سلام بينهما.

كما قام في عام 1980 بوساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية حينها نتج عنها توقيع اتفاقية خاصة بإعلان المبادئ ثم وجه الدعوة لوزيري خارجيتيهما لزيارة الكويت عام 1984 حيث اجتمع الطرفان على مائدة الحوار وتوصلا إلى إعلان انتهاء الحرب الإعلامية بينهما واحترام حسن الجوار وإقامة علاقات دبلوماسية.

أمير الإنسانية

واستحدث أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مفهومًا دبلوماسيًا جديدًا على مستوى العالم عُرف بـ(الدبلوماسية الإنسانية) القائمة على تولي الكويت زمام المبادرات في العمل الخيري الإنساني لتتبوأ مركزًا مرموقًا بين دول العالم خلال السنوات العشر الماضية استحقت معها تكريمها في سبتمبر عام 2014 من الأمم المتحدة في احتفالية غير مسبوقة بتسميتها (مركزًا للعمل الإنساني) وتسمية الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (قائدا للعمل الإنساني).

كما استضافت الكويت المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا لثلاث دورات متتالية على أرضها معلنة تبرعها السخي بمئات الملايين لإغاثة اللاجئين السوريين في دول الجوار لسوريا.

وشهد الأمير الراحل في فبراير 2018 افتتاح (مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق) عقب تحرير مدن العراق من براثن ما يسمى بتنظيم (داعش) الإرهابي حيث وصلت التعهدات الدولية خلال المؤتمر الى 30 مليار دولار.

ومجمل ذلك غيض من فيض جهود الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وعمله الدؤوب لخدمة الكويت ورفعة شأنه والحفاظ على استقراره وتحقيق الرفاه لمواطنيه والعمل على ضمان أمن واستقرار أشقائه في دول مجلس التعاون والأمة العربية.

ربما يعجبك أيضا