وسط استمرار اشتباكات الخرطوم.. ما مصير الجنيه السوداني؟

ولاء عدلان
أوراق من العملة السودانية الجنيه

بين يناير 2020 وسبتمبر 2022 تراجع الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي بنحو 84.8%.


تواصلت الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم الأربعاء 19 إبريل 2023، بين قوات الجيش والدعم السريع، رغم إعلان هدنة إنسانية أمس.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن 270 شخصًا على الأقل قتلوا خلال الاشتباكات، وسط مخاوف دولية من انزلاق البلاد إلى منحى أكثر عنفًا، من شأنه أن يعقد الأوضاع داخل أحد أشد بلدان العالم فقرًا ولديها عملة مصنفة ضمن الأسوأ بالقارة.

الجنيه السوداني في تراجع مستمر

عندما اندلعت اشتباكات السودان، السبت الماضي، كان سعر صرف الجنيه السوداني في السوق السوداء عند مستويات 607 جنيهات للدولار الواحد، وتراوح بين 592 و598 جنيهًا للدولار في البنوك التجارية، وحسب بيانات بنك السودان المركزي، يساوي الدولار الواحد في المتوسط نحو 447 جنيهًا، هذه الأرقام جميعها مرشحة لمزيد من التراجع، تحت ضغط تدهور الأوضاع السياسية والأمنية.

وفي 2018، كان متوسط سعر صرف الجنيه بين 18 و47 جنيهًا للدولار الواحد، لكن العملة الوطنية واجهت مسارًا هبوطيًّا خلال السنوات الماضية، نتيجة لنشاط السوق السوداء ووجود سيولة هائلة تتداول خارج خزائن البنوك وضعف السياسات المالية.

بين يناير 2020 وسبتمبر 2022، تراجع الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي بنحو 84.8%، ليأتي في المركز الثاني إفريقيًّا بين أسوأ العملات أداء، خلال المدة المذكورة، ومنذ يناير 2022 حتى 24 مارس الماضي تراجع بنحو 25.4% إلى مستوى 606 جنيهات للدولار، وفق موقع بيزنس إنسايدر وقائمة هانكي لأسوأ العملات.

حركة الجنيه السوداني منذ 2013

حركة الجنيه السوداني منذ 2013

أزمات اقتصادية قاسية

واجه اقتصاد السودان أزمات قاسية، على مدار العقود الماضية، أبرزها العقوبات الدولية خلال فترة حكم عمر البشير (1989 – 2019) والصراعات الأهلية التي انتهت باتفاقية السلام في 2005، وانفصال الجنوب في 2011، الذي مثّل ضربة لميزانية الخرطوم مع حرمانها من 75% من عائدات النفط، التي كانت تمثل 95% من صادراتها ومصدرًا رئيسًا للحصول على العملات الأجنبية.

وبعد الإطاحة بنظام البشير، نجح السودان في الخروج من عزلته الدولية، وحصل على وعود بمساعدات وبإسقاط ديونه، التي تتجاوز 189% من ناتجه المحلي، في المقابل ونتيجة نضوب احتياطيات البنك المركزي، لجأت السلطات المالية إلى زيادة المعروض النقدي في الأسواق وطباعة النقود، وهي أمور شكلت ضغوطًا هائلة على قيمة الجنيه، وفق ما ذكرته هيئة الأذاعة البريطانية «بي بي سي».

ونتيجة لتدهور قيمة الجنيه في السوق السوداء، وتداوله في نطاق من 350 إلى 400 جنيه للدولار في 2021، قررت الحكومة توحيد سعر الصرف في السوقين الرسمي والموازي عند 375 جنيهًا، بعد أن كان السعر الرسمي في حدود 55 جنيهًا فقط، لتشهد العملة الوطنية استقرارًا نسبيًّا، خلال الفترة من فبراير إلى أكتوبر 2021، وفق تقرير لاتحاد المصارف العربية.

صورة لبيان المركزي السوداني بشأن تحرير سعر الصرف

صورة لبيان البنك المركزي السوداني بشأن تحرير سعر الصرف

اقرأ أيضًا| آثار كارثية.. الصراعات السياسية في السودان تبدد بريق الذهب

أحداث أكتوبر تعمق أزمة الجنيه

عقب الإجراءات، التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، وشملت حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين، تراجعت قيمة الجنيه بنحو 40% خلال 5 أشهر فقط، وجمد البنك الدولي في نوفمبر 2021 مساعدات بنحو 500 مليون دولار لدعم ميزانية السودان، كجزء من تعهد أوسع بمنح قدرها ملياري دولار، وفق صحيفة الإندبندنت البريطانية.

كذلك أوقف صندوق النقد الدلي تمويلًا بنحو 150 مليون دولار، بعد أن وافق في يونيو 2021 على برنامج قروض بـ2.5 مليار دولار، وعلقت واشنطن أيضًا مساعدات بقرابة 700 مليون دولار، الأمر الذي فاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، ودفع الجنيه لمزيد من التدهور لينهي 2022 عند متوسط 580 جنيهًا للدولار في السوق الموازية.

عقبة السوق الموازية

تعد السوق الموازية واقتصاد الظل سببًا رئيسًا في تدهور قيمة الجنيه السوداني، فاقتصاد الظل يقدر حجمه بأكثر من 65% وفي المقابل تقدر الكتلة النقدية المقيدة والمدارة داخل البنوك الرسمية بأقل من 20%، ما يغذي السوق الموازية والأعمال غير الرسمية، التي لا تتقيّد بدفع ضرائب، في الوقت الذي تعتمد فيه ميزانية الدولة على الضرائب والرسوم بنحو 60%، وسط توقف المساعدات الدولية.

وتشكل الساحة السودانية، مع ما تشهده حاليًّا من صراع محتدم، بيئة خصبة لاقتصاد الظل والسوق الموازية، ما يعني أن الأمور تتجه للأسوأ بالنسبة لقيمة الجنيه.

اقرأ أيضًا| ماذا ينتظر اقتصاد السودان المتداعي بعد الأزمة الراهنة؟

ماذا ينتظر الجنيه السوداني؟

خلال الربع الحالي كان من المتوقع أن يتداول عند 584.6 جنيه للدولار الواحد، على أن يواصل تراجعه لينهي العام عند نحو 647 جنيهًا للدولار، وفق توقعات موقع تريدنج إيكونومي.

وهذه الأرقام كانت قبل اندلاع الصراع الحالي، ما يعني أن قيمة الجنيه مرشحة لمزيد من التدهور، وفي أحسن الأحوال لتراجع إضافي بنحو 40%، على غرار ما حدث في أعقاب أحداث أكتوبر 2021.

وفي مفارقة صارخة يرأس اللجنة المنوط بها اتخاذ خطوات حاسمة لتحسين قيمة الجنيه، التي جرى تشكيلها في مارس 2022، أحد أطراف الصراع الدائر الآن، وهو قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، ما يعني بالتبعية أن هذه اللجنة سيجري تجميد عملها إلى حين حل الأزمة.

ربما يعجبك أيضا