ماذا ينتظر اقتصاد السودان المتداعي بعد الأزمة الراهنة؟

ولاء عدلان
أزمة المياه في السودان

يرزح الاقتصاد السوداني منذ عامين تحت ركود تضخمي، فخلال 2022 ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 154%، وفي يناير الماضي بلغ التضخم السنوي نحو 83%.


يشهد السودان حالة من الكر والفر بين الجيش وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها 56 قتيلًا من المدنيين على الأقل، في حصيلة أولية.

وتعد الاشتباكات المستمرة منذ أمس السبت 15 إبريل 2023، أحدث انتكاسة تشهدها بلاد النيلين منذ سقوط نظام عمر البشير في 2019، وما تبعه من اضطرابات سياسية وعسكرية، دفعت الاقتصاد السوداني نحو ركود تضخمي قاسٍ.

تحذير أممي

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أمس السبت، القيادات السودانية إلى وقف الأعمال العدائية واستعادة الهدوء وإطلاق حوار لحل الأزمة الراهنة، وقال في بيان إن أي تصعيد سيخلف أثرًا كارثيًّا على المدنيين وسيفاقم الوضع الإنساني الصعب في السودان.

وأعرب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن جريفيثس، عن قلقه بشأن تداعيات اشتباكات السودان، موضحًا أن نحو 16 مليون شخص، أي ثلث عدد السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن أي تصعيد للعنف لن يؤدي إلا إلى تدهور أوضاعهم أكثر.

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، إن آخر ما يحتاج إليه الشعب السوداني هو المزيد من انعدام الاستقرار في بلد يزداد فيه الجوع كل عام. وتوقعت الأمم المتحدة في فبراير الماضي زيادة عدد السودانيين الذين يفتقرون إلى الأمن الغذائي بنحو حاد خلال 2023، للعام الثالث على التوالي.

 

السودان.. بلد الأزمات

يشهد السودان منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، وشملت حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين، اضطرابات سياسية فاقمت تداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية المحلية الضاربة بجذورها لعقود مضت، وفق صحيفة فايننشال تايمز.

وخلال فترة حكم عمر البشير (1989 – 2019) واجه السودان عقوبات دولية وتدهورًا في مستويات المعيشة والبنية التحتية، وأيضًا صراعات أهلية انتهت باتفاقية السلام في 2005، وبانفصال الجنوب في 2011 الذي مثل ضربة قاسية لاقتصاد الشمال، لأنه حرمه نحو 75% من عائدات النفط، التي كانت تمثل أكثر من نصف إيرادات الخرطوم و95% من صادراتها.

المربع صفر

بعد الإطاحة بالبشير، نجح السودان في الخروج من عزلته الدولية، وحصل على وعود بمساعدات وبإسقاط ديونه التي تتجاوز 189% من ناتجه المحلي، إلا أن أحداث 25 أكتوبر 2021 أعادته إلى المربع صفر.

اقرأ أيضًا: مؤتمر باريس.. خطوة دولية لكسر عزلة السودان ودعم اقتصاده

ففي نوفمبر 2021 قرر البنك الدولي تعليق مساعدات بنحو 500 مليون دولار لدعم ميزانية السودان، كجزء من تعهد بمنح قدرها ملياري دولار. وكذلك أوقف صندوق النقد الدلي تمويلًا بنحو 150 مليون دولار، بعد أن وافق في يونيو 2021 على برنامج قروض بـ2.5 مليار دولار. وعلقت واشنطن أيضًا مساعدات بقرابة 700 مليون دولار.

أعمدة الدخان تغطي سماء السودان إثر اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

أعمدة الدخان تغطي سماء السودان إثر اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع

اقتصاد متداعٍ

يعدّ السودان من الدول الأشد فقرًا، في مفارقة واضحة مع حقيقة كونه ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، لكن إنتاجه من المعدن الأصفر يعتمد على قطاع التعدين الأهلي بنحو 80% وهذا القطاع غالبًا ما يهرّب أكثر من 70% من إنتاجه للحصول على أسعار أعلى من الأسعار الحكومية، وفق تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.

اقرأ أيضًا: في السودان.. بورصة الذهب ضرورة اقتصادية عاجلة

واعتمدت ميزانية السودان بنحو 60% على عائدات الضرائب والرسوم مع توقف المساعدات الدولية لعقود، لكن هذه العائدات باتت مهددة أيضًا وسط توقعات بمزيد من الركود الاقتصادي، بعد انكماش بنحو 0.3% خلال العام الماضي، وتوقعات بتراجع الأنشطة الصناعية والزراعية بأكثر من 30%، وفق شبكة سكاي نيوز.

ضعف الميزان التجاري

يعتمد السودان على الخارج لتغطية معظم احتياجاته من النفط والغذاء. وفي ظل تدهور قيمة عملته وارتفاع الأسعار عالميًّا، سجل السودان خلال 2022 أعلى عجز في ميزانه التجاري منذ 2012.

ويساوي الدولار الواحد في المتوسط نحو 447 جنيهًا سودانيًّا، وفق بيانات البنك المركزي السوداني، مقابل متوسط بين 18 إلى 47 جنيهًا للدولار الواحد في 2018.

وخلال 2022 استورد السودان منتجات بترولية بنحو 2.9 مليار دولار، أي أعلى من وارداته من القمح البالغة 1.13 مليار دولار، وأيضًا وارداته من المواد الغذائية البالغة 645.8 مليون دولار. وفي المقابل بلغت صادراته من الذهب نحو 2.2 مليار دولار، وصدر ماشية ولحوم بنحو 550.6 مليون دولار، وفق بيانات المركزي السوداني، ما يكشف عن ضعف ميزانه التجاري.

آفاق ضبابية

يرزح الاقتصاد السوداني منذ عامين تحت ركود تضخمي. فخلال 2022 ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 154%، وفي يناير الماضي بلغ التضخم السنوي نحو 83% وسط توقعات حكومية بتراجعه إلى 25% على مدار العام الحالي، وتقديرات لصندوق النقد بتسجيله مستوى 76.9%، لكن هذه الأرقام كانت قبل الأزمة الراهنة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتسببت أحداث أكتوبر 2021 في تراجع قيمة الجنيه السوداني بنحو 40% خلال 5 أشهر فقط، وفي خسارة استثمارات خارجية بأكثر من 35 مليار دولار في مجالات مثل الصناعة والزراعة، فضلًا عن تجميد مساعدات دولية بمليارات الدولارات، كان آخرها تعليق مجموعة نادي باريس في يونيو الماضي، لقرارها بإعفاء السودان من ديونه المقدرة بنحو 64 مليار دولار، وفق وكالة أنباء رويترز.

توقعات للأسوأ

هذه الأمور قد تتكرر خلال الأيام المقبلة حال استمرار التصعيد المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فمؤسسات التمويل الدولية لن تفرج عن أي مساعدات قبل التأكد من عودة السودان إلى المسار الانتقالي المدني، حسب رويترز.

وفي ديسمبر الماضي، توقعت الأمم المتحدة أن يحقق الاقتصاد السوداني نموًّا متواضعًا في الأجل القريب، وسط تراجع القدرة الشرائية وارتفاع التضخم وارتفاع مستويات الديون الخارجية وغياب الاستثمارات الأجنبية، وبالطبع هذه التقديرات حال تفاقم الأزمة الراهنة ستكون أسوأ.

ربما يعجبك أيضا