وسط تسونامي “كورونا”.. ترامب يستدعي شبح الحرب التجارية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

وسط رياح الفيروس التاجي التي تعصف ببلدان العالم وتضغط على حركة الاقتصاد العالمي، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحريك رحى الحرب الباردة مع الصين، على الرغم من الهدنة التجارية الموقعة في بداية العام الجاري، فتارة يتهمها بأنها مصدر “كورونا” وصانعته، وتارة أخرى يلوح بفرض رسوم تجارية جديدة على بضائعها، ليعيد إلى الأسواق شبح الحرب التجارية، في وقت تحتاج فيه إلى جرعة أدرينالين لتلتقط أنفاسها من خسائر كورونا.

باتت الولايات المتحدة أكثر البلدان تضررًا من جائحة كورونا، بعد أن تجاوزت فيها الإصابات سقف المليون إصابة متفوقة بذلك على الصين التي ظهر فيها المرض لأول مرة نهاية العام الماضي، الأمر الذي وضع إدارة ترامب في الزاوية وسدد إليها انتقادات عدة تتعلق برد فعلها “المتأخر” على الجائحة، حيث لم تبادر بفرض إغلاق شامل في البلاد إلا بعد أن بات الرئيس شخصيًا مهددًا بالإصابة في العاشر من مارس الماضي، ومع ارتفاع عدد الإصابات بشكل قياسي وتسجيل وفيات بأكثر من 68 ألف حالة، لم يجد الرئيس الأمريكي بدا من محاولة التهرب من المسؤولية عبر تسديد ضربات إلى بكين واتهامها بأنها خدعت العالم.

اتهامات “الفيروس الصيني”
قال ترامب أمس، في تصريحات نقلتها شبكة “فوكس نيوز”: إن فيروس كورونا جاء من الصين وكان ينبغي القضاء عليه لكن الصينيين لم يفعلوا ذلك، لافتًا إلى أنه يتوقع أن تخسر بلاده بسبب كورونا من 80 إلى 100 ألف شخص.

هذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الرئيس ترامب الصين بأنها أصل نشأة الفيروس التاجي، سبق أن قال: إنه لديه أدلة على أن الفيروس خرج للعالم من مختبر للأسلحة البيولوجية بـ”ووهان” – بؤرة التفشي الأولى للمرض- وإن الصين يجب أن تتحمل العواقب إذا ثبت أنها مسؤولة عن عمد عن الوباء.

خلال مارس الماضي، أشار ترامب مرارًا إلى “كورونا” بعبارة “الفيروس الصيني”، واتهم منظمة الصحة العالمية بالتحيز للصين، بعد أن رفضت هذه الاتهامات، وأكدت تعاون بكين معها، لينتهي الأمر بإعلان ترامب عن وقف المساعدات الأمريكية الخاصة بالمنظمة، في الوقت الذي بادرت فيه دول العالم للتبرع لصالحها للمساعدة في جهود احتواء الجائحة.

بالأمس تحدث وزير خارجيته مايك بومبيو – في تصريحات صحفية – عن عدد كبير من الأدلة لدى الإدارة الأمريكية يفيد بأن فيروس كورونا خرج من مختبر ووهان، وقال: أفضل الخبراء حتى الآن يعتقدون فيما يبدو أنه من صنع الإنسان.. ما من سبب لعدم تصديق ذلك في هذه المرحلة.

كانت تقارير صدرت قبل أسبوع عن الاستخبارات الأمريكية تعارض ما ذهب إليه ترامب وبومبيو، إذ ترى أن الفيروس ليس نتاج عمل بشري أو تم تعديله جينيًا.

مدير مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية يوان زيمينغ رفض الاتهامات الأمريكية بشدة، وقال في تصريحات للتلفيزيون الصيني نهاية الشهر الماضي: من المستحيل أن يكون “كورونا” قد نشأ من المختبر أو بداخله، والحديث عن ذلك افتراء، فالمختبر يحتوي على أعلى مستوى للسلامة الحيوية ولديه قواعد ولوائح صارمة في البحث العلمي.

السلطات الصينية رفضت هذه الاتهامات، واتهمت الإدارة الأمريكية بالتفوه بأكاذيب، وذهب متحدث باسم وزارة الخارجية لأبعد من ذلك عندما قال إن الجيش الأمريكي هو من جلب الفيروس إلى “ووهان”.  

اليوم كتبت صحيفة “غلوبال تايمز” التي تديرها صحيفة الشعب التابعة للحزب الشيوعي الصيني، في افتتاحيتها: إدارة ترامب تواصل خوض حرب دعاية غير مسبوقة أثناء محاولتها عرقلة الجهود العالمية لمكافحة الجائحة، وليس لديها أي دليل على أن الفيروس مصدره مختبر ووهان، وهي مدعوة إلى تقديم الأدلة إن كانت موجودة.

شبح الحرب التجارية وخيارات العقاب
خلال الفترة الأخيرة حدث تطور في وتيرة التصعيد الأمريكي ضد بكين، إذ لوح ترامب عدة مرات إلى فرض رسوم جديدة على الصين لتعمدها نشر فيروس كورونا، وقال: إن مخاوفه بشأن دور الصين في نشأة فيروس كورونا تحظى بأولوية في الوقت الحالي على جهوده للبناء على اتفاق تجاري أولي مع بكين.

وأكدت “رويترز” نقلا عن مسؤولين بالإدارة الأمريكية، أن نطاقًا من الخيارات ضد الصين يخضع للنقاش الأولي داخل الإدارة، وأن الأمر لم يرق بعد إلى مستوى القرار الرئاسي.

فرض عقوبات أو رسوم تجارية جديدة على الصين، أمر ليس بالهين على واشنطن، فمن جهة هي تعتمد على الصين كمصدر لمعدات الوقاية الشخصية في وقت تعاني فيه مؤسساتها الصحية من نقص حاد، ومن جهة أخرى يصعب عليها توجيه ضربة قاسمة للاتفاق التجاري الذي وصلت إليه منتصف يناير الماضي بعد عام ونصف من حرب شرسة، ليعالج الفجوة الهائلة في ميزانها التجاري مع بكين “420 مليار دولار”، إذ تتعهد بكين بموجبه بشراء سلع أمريكية إضافية بنحو 200 مليار دولار على مدى عامين، كما تعهدت بتحسين حماية حقوق الملكية الفكرية الأمريكية والحد من النقل القسري للتكنولوجيا، وفتح سوق الخدمات المالية لديها أمام الشركات الأمريكية.

مع عودة شبح الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين بالعالم، عاد إلى السطح الحديث عن خيار رفض واشنطن دفع مستحقات ديونها للصين – ثاني أكبر الحائزين للديون الأمريكية بواقع 1.1 تريليون دولار-  كوسيلة للعقاب على دورها في الجائحة،  لكن المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو نفى الأمر وقال لـ”رويترز”: الإيمان وجدارة الثقة الكاملة لالتزامات الدين الأمريكي أمر مقدس ويشكل أولوية.
 وبالأمس قال ترامب ردا على سؤال في هذا الصدد: يمكنني أن أقوم بالأمر بشكل مختلف، عبر فرض رسوم جمركية جديدة، لذا لست مضطرا للتوقف عن سداد مدفوعات الديون.

اشتعال حرب تجارية في الوقت الراهن بين أكبر اقتصادين أو مطالبة بكين بدفع تعويضات لواشنطن عن دورها في نشر الفيروس التاجي أو حتى تعليق مدفوعات الديون الأمريكية، هو آخر ما يحتاجه الاقتصاد العالمي في الوقت الذي يعاني فيه من تداعيات كورونا ويخشى الدخول في دائرة ركود سيكون الأسوأ منذ ثلاثة عقود، لكن الأمر المطمئن هنا هو أن خطوات مثل هذه لن تسدد ضربة لبكين وحدها، وهي التي بدأت تتعافى من الجائحة، لكن أيضًا ستضر بالاقتصاد الأمريكي وتعمق خسارته في وقت ما زالت سحابة الموت تغطي البلاد ولا يعرف متى ستعود الحياة إلى طبيعتها، لذا يذهب كثيرون إلى أن التصعيد الأمريكي غرضه فقط الاستهلاك المحلي للدفاع عن إدارة ترامب والاستعداد لانتخابات نوفمبر.

ربما يعجبك أيضا