وسط دخان “بيروتشيما”.. خيارات ضيقة لرئاسة الحكومة اللبنانية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في العاشر من أغسطس الجاري وعلى خلفية الكارثة التي هزت مرفأ بيروت وسقط  ضحيتها أكثر من 172 قتيلا و6000 جريح، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب استقالته، ليطل مجددا شبح الفراغ السياسي في سماء بلاد الأرز، وحتى اليوم لم يعلن الرئيس ميشيل عون عن اسم رئيس الوزراء المكلف، فيما تدور استشارات ضيقة على مستوى المطبخ السياسي للتوافق على الاسم الذي سيتولى دفة الأمور في هذا التوقيت الحساس.

يمكنا القول: إن الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة “محلك سر” بلا موعد رسمي، وفي أغلب الظن الأمر سيطول، فالفرقاء مختلفون حتى داخل التيار والفريق الواحد هناك خلافات وآراء متضاربة، هذا على الرغم من الزخم الدولي الذي عاد إلى الساحة اللبنانية بعيد الكارثة، فالآن العالم كله وتحديدا الدول المانحة ولنكن أكثر تحديدا فرنسا تطالب بتشكيل حكومة تحظى بتأييد شعبي وقادرة على المضي قدما في الإصلاحات.. فمن يكون رئيسها؟

سعد الحريري 
عندما يتعلق الأمر برجل “مرضي عنه” داخليا وخارجيا لديه قاعدة شعبية يشد بها ظهره، يأتي اسم زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في المقدمة دون منازع، الحريري  يتمتع بتأييد واسع بين أبناء الطائفة السنية، ولديه حلفاء سياسيون يدعمونه كما أنه وجه معروف ومقبول في الأوساط الدولية. 

سبق للحريري أن تولى رئاسة الحكومة لثلاث مرات وسبق له أيضا الاستقالة تحت الضغط الشعبي، خلال أعوام 2009، و2017، و2019، لكن هذا ليس معيارا في لبنان، الأمر دائما يسير بالتوافق بين زعماء الطوائف لا علاقة لكلمة الشعب، فحتى هذا الشعب يمكن أن تشعله حادثة هنا أو هناك وتقلب الود الموصول بين ألوانه الطائفية المتعددة في لحظة. 

التقارير الإعلامية اللبنانية جميعها تتفق على أن المشاورات الجارية بين الزعامات السياسية تضمنت طرح اسم الحريري ضمن قائمة محدودة جدا من الأسماء، وتؤكد أن الحريري هو الاسم الأكثر ترجيحا، حتى وإن كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أبدى اعتراضه، إلا أن في النهاية وإن تطلب الأمر “سيمون” عون على الصهر بكل تأكيد. 

بالنسبة للثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله، فلا مانع بحسب الدوائر المقربة منهم من إعادة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، على صعيد حلفاء الحريري خرج زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع منذ يومين قائلا: نحن مع حكومة جديدة ومستقلة تماما، وحيادية تماماً، ولسنا مع طرح حكومات الوحدة الوطنية، وهو ما اعتبره البعض رفضا ضمنا للحريري. 

فيما يتعلق بالحزب التقدمي الاشتراكي وزعيمه المتأرجح وليد جنبلاط، فحتى اللحظة لم يعط إشارة تضمن تأييده للحريري، وبناء على مواقفه السابقة وتحديدا خلال الاستشارات التي سبقت تكليف دياب فهو يرجح كفة شخص أخر، سنأتي لذكره بعد قليل.

تيار المستقبل من جانبه لم يبدِ هو الآخر، موقفا واضحا من ترشيح الحريري إلا أنه بالطبع لن يرشح غيره في الاستشارات النيابية، وبالنسبة للحريري فمبادرته للنزول إلى الشارع عقب انفجار المرفأ والتواصل مع الدول المانحة تؤكد أنه عائد للمشهد بقوة، ومن جهة أخرى يرهن تياره عودته إلى السراي الحكومي بجملة شروط كان قد أعلن عنها سابقا.

تتلخص شروط الحريري في تشكيل حكومة تكنوقراط بمفرده ودون تدخل من أي طرف، والحصول على ضمانات داخلية وخارجية بعدم عرقلة عمل الحكومة وأن تنحصر مهمتها في الإصلاح الاقتصادي، ومقابل موافقة الجميع على هذه الشروط أبدى الحريري استعداده لعدم خوض الانتخابات المقبلة ضمن تسوية تسمع له قيادة الحكومة بحرية، كما أبدى استعداده للتوافق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على آلية لعمل وتعاون الحكومة مع المجلس.

وأمام حجم الكارثة يمكن لفريق عون، وكذلك حزب الله أن يقبلا بشروط الحريري، لاسيما وأنها تضمن لهم غسل أيديهما من أي فشل قد يحدث في المستقبل القريب.

تبقى مشكلة أكبر أمام تسمية الحريري، هي رفض الشارع، الذي يعتبره أيضا شريكا في جريمة المرفأ فشحنة نترات الأمونيوم المميتة يعود تاريخ وجودها في الميناء إلى عهد حكومته السابقة، ما يعني أن أي حكومة برئاسته ستكون مهددة من قبل الشارع في حال حافظ الأخير على زخمه وتمكن من تكرار الكرة.

نواف سلام

السفير السابق لدى الأمم المتحدة والقاضي بمحكمة العدل الدولية نواف سلام، تداولت الأوساط اللبنانية اسمه بقوة خلال الأيام الماضية، واعتبره البعض الأوفر حظا، في تشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بتأييد الشارع وبعيده عن الزعامات التي خرج ضدها الشارع اللبناني العام الماضي تحت عنوان “كلكن يعني كلكن” بما فيهم الحريري وبري ونصر الله.

سلام رجل قانون وسليل عائلة سياسية لها تاريخ وحضور في لبنان، هو أيضا وجه معروف للساحة الدولية، وكان ممثل لبنان لدى الأمم المتحدة لسنوات وتميز بدفاعه الشرس عن السيادة اللبنانية، ومن أبرز مؤيدي تسميته لرئاسة الحكومة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اتهم حلفائه في “المستقبل” و”القوات” بالخذلان عندما لم يطرحوا اسم نواف سلام في الاستشارات النيابية التي سبقت تكليف حسان دياب.

المشكلة في نواف سلام هو رفض تيار 8 آذار له وتحديدا حزب الله، الذي يرفضه جملة وتفصيلا، ما يعني أنه لن يحظى بالإجماع السياسي المطلوب والذي يتمتع به الحريري، فهناك توجه في لبنان ومطالبات من الخارج بتشكيل حكومة وحدة وطنية.

بحسب مصادر وكالة الأنباء اللبنانية المركزية، الرئيس عون، وباسيل، لا يمانعا في تسمية سلام لرئاسة الحكومة، والعقدة لدى حزب الله، الذي لم يفهم حتى اللحظة بأن الشارع اللبناني سئم أسلوبه في إدارة الأزمات بقوة السلاح وبات يعرف جيدا أنه السبب وراء عزلة لبنان الدولية.

محمد بعاصيري
من الطبيعي في ظل الأزمة الاقتصادية الشرسة التي تعصف بلبنان أن يطرح اسم شخصية كمحمد بعاصيري المصرفي رجل الأعمال ونائب حاكم مصرف لبنان خلال الفترة “2009-2019″، والرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة تبييض الأموال، وعمل أيضا كمستشار مقيم لـ”صندوق النقد الدولي” لدى المصرف المركزي في سلطنة عُمان لمدة عام، وهو أيضا شخصية معروفة على الصعيد الدولي ويتمتع بتأييد أمريكي وفرنسي كما هو الحال بالنسبة لسلام. 

بعاصيري عمل في القطاع الخاص في مجالات استثمارية مختلفة، وكمدقق خارجي في شركات تدقيق عالمية في لبنان ونيويورك، وهو أحد مؤسسي وعضو في نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، وكذلك عضو في المعهد الأمريكي لخبراء المحاسبة المجازين.

بعاصيري لعب دورا أثناء رئاسته لجنة التنسيق الوطنية لمكافحة تبييض الأموال في شطب اسم لبنان من لائحة البلدان والأقاليم غير المتعاونة التي تعدّها “فاتف” مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال.

يبدو الرجل من الوهلة الأولى مثاليا لتولي دفة الحكومة اللبنانية الآن، إلا أن ذات العقبة التي تقف بوجه سلام تقف أمامه، إلا وهي حزب الله الذي سبق وأن أبدى اعتراضه عليه وعلى كافة الأشخاص التكنوقراط تقريبا، كما أن الرجل لا يحظي بدعم سياسي محلي حتى اللحظة على الأقل.

جدير بالذكر هنا، أن اسم رئيس الوزراء ليس العقبة الوحيدة في طريق تشكيل الحكومة الجديدة، فهناك الإجماع الشعبي المطلوب لتأمين فترة عمل مريحة للحكومة دون احتجاجات وقطع طرق، وهناك أيضا التوافق السياسي المطلوب بشأن هوية هذه الحكومة وشكلها، فهل ستكون حكومة سياسية كما يريدها التيار العوني و8 آذار، أم حكومة تكنوقراط حيادية كما يريدها الحريري والفرنسيون أيضا، أو حكومة طوارئ كما يريدها جنبلاط ولمح إليها حسن نصر الله؟

ربما يعجبك أيضا