يوم حزين في جزيرة المال.. ترامب يستهدف امتيازات هونج كونج

ولاء عدلان
كتبت – ولاء عدلان

مواصلًا التصعيد ضد بكين، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة الماضية، عن تحرك لإلغاء كافة الامتيازات الممنوحة لهونج كونج والإعفاءات التجارية التي تجعلها بعيدة تماما عن العقوبات الأمريكية التي تطال الصين منذ أكثر من عام ونصف.

جاءت خطوة ترامب بعد يوم وربما أقل من 24 ساعة من إقرار البرلمان الصيني لقانون الأمن القومي الخاص بهونج كونج، والذي عده الرئيس الأمريكي تحركًا للهيمنة على الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي منذ استعادتها من قبضة بريطانيا عام 1997.

وقال ترامب: هونج كونج لم تعد تحظى بحكم ذاتي بشكل كافٍ لتبرير المعاملة الخاصة التي كنا نمنحها لها منذ إعادتها إلى الصين، وبالتالي أطلب من إدارتي إطلاق عملية لإنهاء الإعفاءات الممنوحة لها.

وفي بيان مشترك أدانت بريطانيا وأستراليا وكندا إلى جانب أمريكا إقرار الصين لقانون الأمن القومي في هونج كونج، واعتبرته يتعارض مع أحكام إعلان الحكم الذاتي للمنطقة الذي وقعته بريطانيا والصين عام 1984.

من جانبه اعتبر الاتحاد الأوروبي، الخطوات التي اتخذتها الصين يوم 28 مايو لا تتسق مع التزاماتها الدولية والإعلان الصيني البريطاني المشترك والقانون الأساسي لهونج كونج، ومن شأنها تقويض الحكم الذاتي للمنطقة.

ردا على ذلك قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ: إن قانون الأمن القومي يهدف إلى تأمين الاستقرار والازدهار على المدى الطويل في هونج كونج.

ينص القانون المثير للجدل بشكل مباشر على السماح للصين بالتدخل في شؤون الجزيرة، لمنع وقمع أي تحرك يهدد الأمن القومي مثل النزعة الانفصالية والإعداد أو الوقوف وراء نشاطات إرهابية أو نشاطات لقوى أجنبية.

سيف ذو حدين

بعد ساعات من قرار الرئيس الأمريكي، قالت غرفة التجارة الأمريكية في هونج كونج: إنه يوم حزين للمركز المالي العالمي، هذه لحظة عاطفية للأمريكيين في الجزيرة وستستغرق الشركات والعائلات بعض الوقت لاستيعاب التداعيات، لدينا علاقات عميقة مع هذه المدينة، وسنواصل العمل للحفاظ على مكانتها كمركز مالي حيوي.

الرئيس الأمريكي لم يحدد جدولا زمنيا لإلغاء الامتيازات الممنوحة لهونج كونج، مما يترك الشركات الأمريكية هناك في حيرة من أمرها، لوضع خطة للخروج بأقل الخسائر أو الاستمرار رهن تطورات الضغط السياسي.

بحسب مركز “خدمة أبحاث الكونجرس” هناك نحو 300 شركة أمريكية تعمل داخل هونج كونج وتتخذ منها مقرا رئيسيا لأعمالها في قارة آسيا، هذا فضلا عن نحو 434 شركة أمريكية لديها مكاتب إقليمية بالجزيرة، ما يجعل أي تحرك ضدها هو تحرك ضد مصالح هذه الشركات.

حكومة هونج كونج حذرت من ذلك، وقالت: إن أي تحرك لسحب الامتيازات الممنوحة للجزيرة أو فرض عقوبات عليها سيكون بمثابة سيف ذي حدين لن يضر فقط بمصالح هونج كونج، ولكن أيضا بشكل كبير مصالح أمريكا.

يشار هنا إلى أن أمريكا تحقق في علاقاتها مع هونج كونج فائضا تجاريا هو الأكبر بين جميع الشركاء التجاريين، إذ بلغ إجماليه 297 مليار دولار خلال الفترة من 2009 إلى 2018.

مكانة هونج كونج
مركز “كابيتال إيكونوميكس” اعتبر أن التحرك الأمريكي من شأنه أن يسرع في تآكل مكانة هونج كونج كمركز تجاري عالمي.

نتيجة لتمتعها بالحكم الذاتي، تعاملت عدة دول مع هونج كونج على أنها منفصلة عن البر الصيني الرئيسي والذي يخضع لعقوبات من بعض الدول ويعتبر نظاما استبداديا من وجهة نظر البعض.

منذ عام 1997 بدأت الجزيرة في التحرك بخطى ثابتة لتصنع مكانتها عالميا كمركز مالي كما نيويورك أو لندن، وحاليا لديها رابع أكبر بورصة في العالم، وشركات متعددة الجنسيات تعمل على أرضها وزخم اقتصادي هائل تتمتع به، نتيجة ترتيبات مثل اتفاقات حرية الحركة المتبادلة بدون تأشيرات، وربط العملة بالدولار الأمريكي، وقوانين عدة تسهل الأعمال التجارية والحمايات الضريبية والقانونية.

أمام هذا يرى روبرت سبالدينغ الخبير في الشؤون الأمريكية والصينية في معهد هادسون في تصريحات لـ”مونت كارلو” أن واشنطن باستهدافها لهونج كونج تخاطر بجميع الروابط المالية للصين مع السوق الحرة، وما أن تغيب هذه الروابط فإن الأسهم والأوراق المالية والتحويلات على صعيد العام ستصبح مهددة.

هل ترامب محقا هذه المرة؟
أثارت أمريكا ودعمتها بريطانيا أيضا، مسألة هونج كونج في الأمم المتحدة، ودعت جميع الدول الأعضاء إلى الانضمام إليها في مطالبة جمهورية الصين الشعبية بعكس مسارها على الفور والوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية تجاه هونج كونج.

الصين -التي تمتلك حق الفيتو- نددت بالتحرك الأمريكي البريطاني، ووصفته بالتدخل في شؤون هونج كونج، وقال سفيرها لدى الأمم المتحدة تشانغ جون: إن قانون هونج كونج لا يندرج تحت تفويض مجلس  الأمن في الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، لذا ندعو واشنطن ولندن للتوقف فورا عن هذا التدخل.

اتفاقية التسليم الموقعة بين الصين وبريطانيا والمسجلة لدى الأمم المتحدة، تضمن الحكم الذاتي للجزيرة حتى العام 2047، وربما من السابق لأوانة الحديث عن نهاية الحكم الذاتي في هونج كونج، على الرغم من الحملة الصينية ضدها والتي لا يبدو أنها ستتراجع تحت الضغط الأمريكي أو غيره، ويرى البعض أنه على الرغم من القمع الصيني المتوقع أن نشهده للاحتجاجات التي عمت شوارع المدينة ضد قانون الأمن القومي، إلا أن هونج كونج ستظل أكثر حرية من البر الصيني.

كل ما تريده الصين هو تأمين هونج كونج كظهير اقتصادي لها، والتأكيد للعالم أن كل شيء تحت سيطرتها وأنها لم ترضخ للاحتجاجات التي بدأت منذ نهاية العام الماضي، لذا من المستبعد أن تذهب بعيدا في هيمنتها على الجزيرة بشكل كامل وإلغاء وضعية الحكم الذاتي.

وفي حال حدث ذلك، سيكون على بريطانيا تحديدا إلا تستسلم للأمر الواقع، حتى وإن كانت الاتفاقية الموقعة مع بكين لا تتضمن بنودا عقابية في حالة خرق أي من الجانبين للاتفاق، ويرى البعض أن لندن سيكون عليها فعل المزيد ضد بكين وألا يقتصر رد الفعل على الإدانة كما فعلت عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم عام 2014.

أما باقي دول العالم سيكون عليها توحيد ردة فعلها والتأكيد على عدم شرعية التحرك الصيني، في حال تم.

ربما يعجبك أيضا