4 أعوام على انقلاب “مدبر مسبقًا”.. تركيا رهينة أردوغان!

كتب – حسام عيد

4 أعوام مرت على انقلاب تركيا المدبر من قبل رجب طيب أردوغان وحاشيته، وأحوال وأوضاع الأتراك ودولتهم تتبدل إلى الأسوأ فقط، بل وتزداد تأزمًا، فالرئيس أردوغان أخذ من تلك المحاولة التي صنعها بنفسه وأفشلها أيضا بنفسه، فزاعة لقمع كل ما هو معارض له، ولسياساته الداخلية عبر بسط نفوذه وقبضته على كافة مفاصل البلاد، ولسياساته الخارجية عبر مغامراته العدوانية على سيادة الأراضي العربية، كسوريا والعراق، وآخرها ليبيا، الطامح لنهب ثرواته النفطية، وهو ما اعترف به وأكده.

قمع للحريات والإعلام واعتقالات للمواطنين وتسريح للموظفين وجنود الجيش وسيطرة واسعة على ثروات الشعب وتبديد لأموال اقتصاد يعاني عامًا تلو الآخر، هكذا يمكننا وصف حال تركيا بحلول الذكرى الرابعة لمحاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016.

ويحمل الرئيس التركي رجب أردوغان حركة الخدمة مسؤولية تدبير انقلاب عام 2016 إلا أن اتهامه يفتقر إلى أدلة ملموسة، ومنذ محاولة الانقلاب، أطلقت تركيا حملة “تطهير” شملت كافة القطاعات العامة وأسفرت عن اعتقال نحو 80 ألف شخص في انتظار المحاكمة، وعزل أو إيقاف حوالي 150 ألفًا من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة وغيرهم عن العمل.

انقلاب مفبرك ومدبر

لا تزال أدلة فبركة الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا في 15 يوليو 2016 تتوالى، فقبل يومين من الذكرى السنوية الرابعة له، نشر موقع “نورديك مونيتور” السويدي فيديو ملتقطًا من جلسة محاكمة العسكري التركي برتبة رقيب أول دوغوش أكتاش، المتهم بالمشاركة في الانقلاب، كشف فيه المؤامرة المنصوبة للجنود الذين أرسلو إلى مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون “تي آر تي”.

وفيما يشير إلى خديعتهم وتوريطهم، قال الرقيب الأول دوغوش أكتاش في جلسة محاكمته: “قالوا لنا: سيحدث هجوم إرهابي من قبل داعش.. سيداهم عناصر داعش هيئة الإذاعة والتليفزيون من أجل نشر بث ولو 5 دقائق. بالتأكيد يجب علينا أن لا نسمح لهم بذلك أبدًا!”.

وأكد أكتاش في الجلسة أن طائرات مروحية عسكرية أطلقت النيران على الجنود في ليلة الانقلاب، وأضاف قائلاً: “كان من الواضح أن هناك شيئًا مغلوطًا، حيث لم يأتِ لمساعدتا أي من الجنود ولا الشرطة. ولم نكن نعلم أن هناك شرطيين مدنيين اختفوا خلف المواطنين. لقد أرسلوا ثلاثة جنود ليرافقوني في المهمة، لكني لم أكن أعرف أيًّا منهم، لم أرهم لا في وحدتنا ولا في طابورنا ولا في فوجنا”.

وتعزز شهادة الرقيب وصف المعارضة للانقلاب الفاشل الذي تمر ذكراه الرابعه هذا الأسبوع، بأنه انقلاب مدبر من قبل الرئيس التركي رجب أردوغان وكبار قادة الجيش.

وزير الدفاع الحالي أدار الانقلاب

وبدوره، كشف الصحفي والكاتب التركي المخضرم أحمد عزيز نسين تفاصيل مثيرة للاهتمام حول الانقلاب الفاشل الذي قاده جنرالات من الجيش التركي في 15 تموز من العام 2016.

وقال الصحفي “نسين” إن رئيس هيئة الأركان العامة -آنذاك- خلوصي آكار “وزير الدفاع الحالي”، وضابط المخابرات التركية “عادل أوكسوز” أدارا محاولة الانقلاب في 15 تموز من نفس الغرفة.

وأشار إلى أن “خلوصي أكار” ومستشار الاستخبارات التركية “هاكان فيدان” لم يجريا أي اتصال مع الرئيس أردوغان بشأن الانقلاب الذي أدى إلى مقتل أكثر من 250 عسكريًا وإلى خروج أغلبية القواعد الجوية عن السيطرة.

إحكام قبضة أردوغان على مفاصل الدولة

بينما وجه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كيليجدار أوغلو، انتقادات لاذعة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، واتهمه بمعرفته المسبقة بالانقلاب، وتساءل عن نتائج تحقيق حول الانقلاب أعدته لجنة من البرلمان.

وقال كيليجدار أوغلو، إن الحكومة التركية بقيادة أردوغان، تفرق بين ضحايا المحاولة الانقلابية عام 2016.

وفي كلمة لكتلة حزبه البرلمانية أكد زعيم المعارضة التركية أن “هناك فرقًا بين جدول أعمال الشعب وجدول أعمال الحكومة، مثل الفرق بين اللونين الأبيض والأسود، فهو يمضي أيام الصيف في قصر، والشتاء في قصر آخر، ويطير في طائرة تشبه القصر أيضاً، لكن ذلك لا يكفيه، فهل يعرف ما هو الجوع، وما هو الفقر؟ إنهم لا يعرفون هذا أبداً، هل يعرفون مشكلات المزارعين والحرفيين؟ إنهم لا يعرفون أبدًا”.

كما علق كيليجدار أوغلو على لجنة التحقيقات التي جرى تدشينها بالبرلمان التركي عقب محاولة الانقلاب 2016، قائلًا “أود مخاطبة أولئك الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية، أردوغان منع شخصين من المثول أمام اللجنة، هذان الشخصان مهمان للغاية، أحدهما وكيل وزراة الزراعة والتجارة والآخر رئيس أركان، كلاهما يعرف تفاصيل ما حصل، لماذا منع أردوغان هذين الاسمين”، وأضاف “تقرير لجنة التحقيقات التي تشكلت عقب محاولة الانقلاب في 15 يوليو، لم ينشر منذ 4 سنوات. لماذا؟ لماذا هم خائفون؟ إنهم لا ينشرونه حتى لا يرى الناس الحقائق”.

وتساءل رئيس حزب الشعب الجمهوري “لماذا يذهب أردوغان للاختباء في مدينة مرماريس ليلة الانقلاب؟ كان مساعدوه المتهمون بالانتماء لتنظيم الخدمة يعرفون مكانه، فلماذا اختبأت (أردوغان) في مرماريس؟ لأنك تعلم بوجود انقلاب”.

وتابع زعيم المعارضة التركية أن “كل ما يفكر فيه أردوغان هو مقعده كرئيس للجمهورية فقط، ولا يوجد شيء لا يمكنه التضحية به من أجل حفاظه على هذا المنصب”.

وتقول تركيا إن أنصار فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ 1999 مسؤولون عن محاولة الانقلاب. وينفي غولن ضلوعه في المحاولة.

إغلاق 53 صحيفة و6 وكالات و16 قناة منذ 2016

وفي اعتراف ضمني من السلطات التركية بممارسات القمع وتكميم الأفواه في البلاد، بدعوى تهديدها للأمن القومي، كشفت الرئاسة التركية عن حصيلة القمع الذي تعرضت له وسائل الإعلام التركية منذ مسرحية الانقلاب المزعومة في 2016.

ففي يونيو الماضي، أعلن نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، أنه بعد انقلاب 2016 ، أُغلقت أنقرة 53 صحيفة، و6 وكالات أنباء، و20 مجلة، و16 قناة تليفزيونية، و24 محطة إذاعة راديو.

وجاءت تصريحات أقطاي، ردًا على طلب الإحاطة الذي قدمه نائب حزب الشعوب الديمقراطية الكردي المعارض في البرلمان، معزز أورهان إيشيك، في مطلع عام 2020 الجاري، بشأن أوضاع الصحفيين.

وقال أقطاي إن وسائل الإعلام المذكورة تم إغلاقها بموجب مراسيم الطوارئ الصادرة عن رئيس الجمهورية، زاعمًا أن الإغلاق جاء “بسبب صلتها أو تمويلها للعناصر الإرهابية أو الجماعات أو الكيانات أو التشكيلات التي ثبت تهديدهم للأمن القومي في أعقاب محاولة انقلاب 15 يوليو 2016”.

وتحذر منظمات وهيئات دولية وأوروبية من أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استخدمت مسرحية انقلاب 2016، كذريعة للتخلص من المعارضة التركية وإغلاق العديد من وسائل الإعلام غير الموالية لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ومن بينها صحيفة “زمان” ووكالة “جيهان”، إضافة إلى اعتقال مئات الصحفيين، لتصبح تركيا أكبر سجن للصحفيين في العالم، على حد وصف المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان.

القضاء أداة لقمع المعارضة

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أدلى ببيان في مطار أتاتورك بإسطنبول ليلة 15 يوليو 2016، عندما وقعت محاولة الانقلاب. وقال: “هذا الانقلاب الذي تم الآن، هو لطف من الله، حيث سيكون وسيلة لتطهير جهاز القوات المسلحة التركية”.

وبعد ذلك التصريح منذ 4 سنوات، والنظام التركي يصعّد من مخططه الرامي لقمع المعارضة، بحجة الانقلاب الفاشل لسنة 2016، والذي تحوّل إلى شماعة لتركيز الاستبداد، واستغلال السلطة القضائية لتصفية الحسابات السياسية.

ومنذ المحاولة الانقلابية فتح القضاء 289 قضية، والحكم على 4 آلاف و130 متهما في 275 منها، وذلك في إطار أكبر عملية قضائية ممنهجة وموجهة في تاريخ تركيا الحديث.

ولا تزال 15 من الدعاوى القضائية المرفوعة بعد محاولة الانقلاب مستمرة، يتم فيها محاكمة 1369 متهما، 605 منهم قيد الاعتقال.
ومن بين 4 آلاف و130 شخصًا حكم عليهم، تم الحكم على 1315 بالسجن المؤبد المشدد و1217 بالسجن المؤبد.

وتصعد الحكومة التركية من مخططها في قمع المعارضة بحجة الانقلاب الفاشل لسنة 2016 والذي تحول الى شماعة لتركيز الاستبداد واستغلال السلطة القضائية لتصفية الحسابات السياسية.

وفي هذا الاطار أصدرت محكمة تركية في 26 يونيو 2020 أحكاما بالسجن مدى الحياة على 121 شخصا لمشاركتهم في محاولة الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان في صيف العام 2016.

المحكمة حكمت على 86 مشتبها بالسجن “المشدد” مدى الحياة لإدانتهم بتهم “محاولة انتهاك الدستور”، فيما عاقبت 35 شخصا بالسجن مدى الحياة بنفس التهم. وتنطوي عقوبة السجن المؤبد “المشدد” على شروط سجن أكثر صرامة، وتم إدخالها كبديل لعقوبة الإعدام التي ألغتها تركيا عام 2004 في إطار مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وتأتي الأحكام في إطار محاكمة 245 مشتبها في القضية المرتبطة بالأحداث التي شهدتها قيادة الدرك التركية ليل 15 يوليو 2016 في أنقرة.

الترويج لمسرحية انقلاب جديد

أردوغان المأزوم بأزماته الداخلية مثل فشله في التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد، وانهيار الاقتصاد في السنوات الأخيرة من حكمه، حتى إن تركيا أصبحت على حافة الإفلاس، فضلًا عن ارتفاع نسبة البطالة، ومنظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400 التي كلفت الدولة ملياري دولار، وكذلك هروب المستثمرين من السوق التركية بسبب الخلافات المتصاعدة بين أنقرة وواشنطن، فضلًا عن الغضب الشعبي نتيجة سياسة القمع وتكميم الأفواه، بالإضافة إلى توتر العلاقات الخارجية مع دول الجوار، بسبب سياسته العدوانية التي أحالت المحيط الإقليمي لأنقرة لكتلة من لهب ستحرق البلاد في أي وقت، كل ذلك أدى لتراجع حاد في شعبيته وفي حال حدوث انتخابات حرة ونزيهة حتمًا سيسقط عرشه، وأكبر دليل على ذلك هزيمة حزب العدالة والتنمية في انتخابات المحليات التي أجريت العام الماضي؛ حيث خسر الحزب رئاسات أهم البلديات الكبرى، وعلى رأسها العاصمة أنقرة وإسطنبول وأنطاليا وإزمير، ما يجعله يبحث عن طوق نجاة.

وهذا ما جعل الرئيس التركي مسكونًا بفكرة الانقلاب على حكمه، وصار الحديث عن مسرحية الانقلاب المزعوم الجديدة شائعًا على ألسنة قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم، والقيادات الإعلامية والدينية، المقربة من النظام، سواء كان هذا الحديث في صيغة التحذير أو التذكير.

هذا التتابع السريع غير المعهود في الحديث التركي العلني عن الانقلاب يؤكد أن أردوغان يحاول استخدام موضوع الانقلاب، لتغيير جدول الأعمال في البلاد: تشديد الخناق وحشد ناخبيه، كما دبر انقلابًا على حكومته في 2016 لتقديم نفسه ضحية، ورص صفوف مؤيديه في مواجهة الانفصالات الجماعية، من أجل إعلان حكم عرفي تمهيدًا لوضع الشكل النهائي لنظامه الاستبدادي.

ربما يعجبك أيضا