تقليم مخالب إيران .. «2020» عام من القتل والانتقام

يوسف بنده

رؤية

خلال العام 2020، لاحقت إيران أعمال أمنية ‘غامضة’ خلال الفترة الأخيرة وترتبط من دون شك بمحاولة ضرب أو تأخير البرنامجين النووي والصاروخي. وتأتي هذه الأحداث وكأنها استكمال لاستراتيجية ‘الضغط الأقصى’ التي تمارسها واشنطن ولعملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني. ومن الأرجح أن تكون إسرائيل وراء القيام بها بمشاركة أمريكية أو بعد ضوء أخضر أمريكي».

وتصاعدت حدة التوتر بين طهران وواشنطن منذ عام 2018، عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبرم في 2015، وأعاد فرض العقوبات التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل. وردا على ذلك، خرقت طهران تدريجيا القيود التي يفرضها الاتفاق على برنامجها النووي بتجاوز الحد المسموح به من اليورانيوم المخصب.

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة أقصى ضغط تجاه طهران؛ من أجل استخدام مزيد من العقوبات، ومنح الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بعمليات إغتيال، الهدف منها، هو تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وإحباط البرنامجين النووي والصاروخي في إيران.

وقد ابتدأ العام 2020 بمقتل قائد فيلق القدس فاسم سليماني، من أجل تحجيم وكبح التهديدات الإيرانية في الإقليم. وانتهى بمقتل محسن فخري زاده، رأس البرنامج النووي؛ من أجل إحباط طموحات إيران نحو القنبلة الذرية.

مقتل سليماني

بحلول العاشرة مساءً من يوم الثاني من كانون الثاني/يناير 2020؛ سُمع دوي انفجارات قرب مطار بغداد الدولي كما لُوحظَ تحليقٌ مكثفٌ للطيران في المنطقة. بعدها تبين أن المستهدف من الهجوم، هو قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأيضًا، أبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي في العراق.

وصوبت الاتهامات تجاه أمريكا وإسرائيل بالوقوف وراء هذه العملية. وأعلنت  وزارة الدفاع الأمريكية أن «الجيش وبناءً على تعليمات الرئيس قتل قاسم سليماني وذلك كإجراءٍ دفاعي حاسم لحماية الموظفين الأمريكيين بالخارج» مُحملًا فيلق القدس المسؤولية عن مقتلِ مئات من القوات الأمريكية وقوات التحالف؛ فيما قال البيت الأبيض «إنَّ سليماني كان يُخطط لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين والجيش الأمريكي بالعراق والمنطقة».

يذكر أن مقتل سليماني الذي تضررت جثته بشكل كبير حتى لم يتم التعرف عليها إلا من خلال خاتمه، بحسب ما أفاد مسؤولون عراقيون في حينه، أدى إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، وارتفاع حدة التهديدات بين البلدين.

ففي حين أكدت طهران أنها سترد بالشكل المناسب والقاسي أيضاً على مقتل القائد الإيراني، أكد الرئيس الأمريكي أن أي ضربة إيرانية جديدة تستهدف أميركيين ستواجه برد لم تره طهران من قبل.

الانتقام

في 8 يناير 2020، أطلق الحرس الثوري الإيراني، في عملية عسكرية سميت باسم «عملية الشهيد سليماني»، العديد من الصواريخ الباليستية على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار، غرب العراق، فضلاً عن قاعدة جوية أخرى في أربيل، كردستان العراق. وبينما قالت الولايات المتحدة في البداية إنه لم يصب أو يُقتل أي من أفراد القوات الأمريكية في الهجوم، لكن اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بإصابة 109 جنود أمريكيين بارتجاج في الدماغ جراء الضربات الإيرانية.

وجاء هذا الهجوم ردًا على اغتيال اللواء قاسم سليماني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في 3 يناير 2020،  وهو قائد لفيلق القدس وهي فرقة تابعة للحرس الثوري الإيراني والمسؤولة عن عمليات خارج الحدود الإقليمية.

نيران صديقة

تحطمت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار العاصمة الإيرانية طهران في الثامن من يناير/ كانون الثاني الحالي، ما أدى إلى مقتل طاقمها وجميع المسافرين على متنها والبالغ عددهم 176 شخصا. وجاء سقوط الطائرة وسط تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.

واعترفت إيران بأن طائرة البوينج الأوكرانية قد أُسقطت جراء خطأ بشري و«بغير قصد»، بعد أيام من إصرارها على نفي ضلوعها بإسقاط الطائرة وتكاثر الأدلة المؤيدة لهذه الفرضية.

رفع تخصيب اليورانيوم

في الخامس من يناير/كانون الثاني 2020، أعلنت إيران، أنها لم تعد مُلزمة بآخر قيود »عملياتية» في الاتفاق النووي بشأن تخصيب اليورانيوم، وذلك بموجب اتخاذها الخطوة الخامسة والأخيرة في تقليص التزامها بالاتفاق.

وحسب ما أوردته وكالة أنباء فارس شبه الرسمية، أكدت الحكومة الإيرانية، في بيان، أنها لم تعد مُلزمة بأي قيود في المجال العملياتي، التي تشمل مستوى تخصيب اليورانيوم ونسبة التخصيب وحجم المواد المخصبة والأبحاث والتنمية.

في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران تمتلك الآن أكثر من 12 ضعفا من كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها بموجب الاتفاق النووي، المبرم عام 2015 مع القوى العالمية. وأضافت الوكالة أن مخزون إيران من اليورانيوم، منخفض التخصيب، وصل إلى 2442.9 كيلوغرام هذا الشهر.  وقالت الوكالة أيضا إن تفسير إيران لوجود مواد نووية في موقع غير معلن »غير موثوق به».

وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن ممثل إیران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كاظم غريب آبادي، أن بلاده دخلت مرحلة جديدة من تخصيب اليورانيوم في محطة نطنز النووية. وأوضح غريب آبادي أن إيران بدأت ضخ غاز UF6 في أجهزة الطرد المركزي مؤخرا، في آخر مرحلة للتخصيب وفصل اليورانيوم 238 عن اليورانيوم 235. وأضاف: »سنبدأ بتخصيب اليورانيوم في 174 جهاز طرد مركزي جديدة IRM-2 بعد أن قمنا بضخ الغاز فيها».

انفجار المنشآت النووية

أكد المسؤولون الإيرانيون في 2 يوليو/تموز 2020 أن انفجارًا وقع في منشأة نطنز، لكنهم لم يدلوا آنذاك بمزيد من التفاصيل. وفي 23 أغسطس/آب 2020، أعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، أن انفجارا تخريبيا وقع في منشأة نطنز النووية. وكان »كمالوندي» قد صرح بأن الأضرار التي لحقت بموقع تخصيب اليورانيوم في نطنز »كبيرة».

وبحسب التقييم الأوّلي للخبراء، الذي تم بمطابقة الصور التي نشرتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مع صور الأقمار الصناعية من »جوجل»، فإن مكان »الحادث» هو مركز تجميع أجهزة الطرد المركزي في إيران.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نقلت عن مسؤول استخباري شرق أوسطي مطّلع، قوله إن إسرائيل هي المسؤولة عن الحادثة التي وقعت في منشأة نطنز النووية الإيرانية، عن طريق زرعها قنبلة في مبنى يتم فيه تطوير أجهزة طرد مركزي حديثة.

ونسبت الصحيفة إلى مسؤول في الحرس الثوري الإيراني قوله إن الحادثة جرت باستخدام مواد متفجرة.

وأظهرت صور أقمار صناعية أن إيران بدأت عمليات البناء في منشأة «نطنز» النووية، وفقاً لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية.  واعترفت الوكالة الدولية للطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة بأن طهران تبني محطة تجميع أجهزة طرد مركزي متطورة تحت الأرض بعد انفجار محطتها السابقة بهجوم جرى الإبلاغ عنه في يوليو/تموز الماضي.

مقتل فخري زاده

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقع العالم النووي الأرفع في إيران، و«رأس البرنامج النووي»، محسن فخري زاده في كمين أثناء سفره في سيارة نيسان تينا سوداء على طريق ريفي في أبسرد وهي مدينة بالقرب من طهران. كان يقود سيارة ضد الرصاص مع زوجته، وكان يرافقه موكب من العربات المُدرعة. بدأ الهجوم عُندما انفجرت شاحنة نيسان تحمل مُتفجرات مخبأة تحت حمولة من الخشب بالقرب من سيارة فخري زاده. ودُمرت مركبة ثانية بقنبلة أيضًا.

قدمت إيران بالفعل ردها الأولي. ففي غضون 72 ساعة من الهجوم، وافق برلمانها على «تسريع» برنامجها النووي المدني، مما يزيد من مستوى تخصيب اليورانيوم بما يتعارض مع الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2018.

ربما يعجبك أيضا