السياسة الخارجية للهند في مفترق طرق

آية سيد

أثار موقف الهند من الحرب الروسية الأوكرانية الكثير من التساؤلات حول سياستها الخارجية وسبب عدم إنضمامها للغرب في الإدانة الضريحة لموسكو.


بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، حاولت الهند الحفاظ على توازن استراتيجي بين علاقاتها مع الغرب وشراكتها الدفاعية مع موسكو.

في هذا الإطار، أوردت مجلة ذا دبلومات، المهتمة بمنطقة المحيطين الهندي-الهادئ، تقريرًا في 14 مارس الحالي 2022، رأت فيه أن الأزمة الحالية في أوكرانيا والانقسامات العميقة التي خلقتها في المجتمع الدولي تثير أسئلة جديدة حول السياسة الخارجية للهند.

السعي وراء الاستقلال الاستراتيجي

ذكر التقرير أن مسعى الهند الأساسي كان ممارسة الاستقلال الاستراتيجي لحماية وتعزيز مصالحها الاقتصادية وسط الجيوسياسة العالمية العاصفة، واليوم أصبحت الهند أكثر طموحًا في البحث عن مكانها الصحيح داخل النظام الدولي، وهذا ما جعل مواقفها من القضايا ذات الاهتمام الدولي تُراقَب بمزيد من التدقيق.

ولفت التقرير إلى أنه في الصراعات التي لا تمتلك الهند نفوذًا لتحديد النتائج فيها، تكون أولويتها هي إجلاء مواطنيها. ولذلك فإنها حيال الحرب الروسية الأوكرانية، ركزت الحكومة الهندية على إعادة الطلاب الهنود العالقين في الصراع. حرصًا منها على أرواح مواطنيها وخروجا بهم من دائرة الصراع.

شراكات استراتيجية مُعقدة

أفاد التقرير أن امتناع الهند عن التصويت في الأمم المتحدة يحمل منطقًا جيوسياسيًّا أعمق. وأشار التقرير إلى أن شراكات الهند الاستراتيجية مع أمريكا والكثير من حلفائها في منطقة الهندي-الهادئ ازدادت عمقًا وتوسعًا في السنوات الأخيرة. إلا أن شراكة الهند الدفاعية مع روسيا تواصل كونها مكونًا رئيسًا في الجاهزية العسكرية للهند، ولا توافُق بين نيودلهي وواشنطن في عدِّ روسيا تهديدًا متصورًا.

وبينما ينفذ جيش الهند تدريبات متطورة على قابلية التشغيل المتبادل ويوقع اتفاقيات تأسيسية مع واشنطن، تظل المشتريات والإنتاج المشترك في مجال الدفاع مع موسكو دعامة للمعدات العسكرية الهندية. وفقًا للتقرير. وما يجعل هذه الهندسة للسياسة الخارجية الهندية أكثر تعقيدًا هو التحالف الاستراتيجي المتنامي بين الصين وروسيا. في وقت يشهد ديناميكيات أمنية هشة بين الهند والصين.

لماذا تميل الهند إلى ممارسة الاستقلال الاستراتيجي؟

ذكر التقرير أن ميل الهند للاستقلال الاستراتيجي متأصل في تاريخ علاقاتها الدولية، حتى على حساب أن يُطلق عليها لاعبًا احتياطيًّا، فالهند، رغم كونها أكثر دولة بارزة في جنوب آسيا، فإن عليها التعامل مع منطقة جوار تضم قوتين نوويتين عدائيتين، هما الصين وباكستان. وبالإضافة إلى هذا فقد شهدت البيئة القارية والبحرية في جنوب آسيا وجودًا صينيًّا جليًا في المجالات الأمنية والاقتصادية.

وفي مثل هذه البيئة تتجنب نيودلهي الانضمام مباشرة إلى الغرب في شجب سلوك روسيا في المنابر الدولية. بحسب التقرير. هذا بالإضافة إلى أن قواعد لعب السياسة الواقعية ترشد نيودلهي إلى البقاء على مسافة واحدة من صراع جذوره التاريخية والجيوسياسية عميقة في الأعمال غير المنتهية للنظام الأمني الأوروبي لما بعد الحرب الباردة والمواجهة المستمرة بين توجه الناتو شرقًا وانعدام أمن روسيا.

السياسة الخارجية في مفترق طرق

لفت التقرير إلى أن السياسة الخارجية للهند في مفترق طرق، في ضوء علاقاتها المتنامية مع الغرب ومفهومها عن التعامل مع التهديدات الأمنية المتصورة في منطقة جوارها المباشرة والممتدة. وذكر التقرير أيضًا أن التيارات الجيوسياسية الجديدة، لا سيما الناتجة عن صعود الصين العسكري والاقتصادي، قرّبت نيودلهي من واشنطن وحلفائها.

لكن المنافسة بين الصين وأمريكا وتدهور العلاقات الروسية-الأمريكية نتج عنهما تقارب استراتيجي بين بكين وموسكو. وفي الوقت نفسه، تلعب باكستان مناورة استراتيجية جديدة، بالإضافة إلى تحالفها الاستراتيجي مع الصين وعلاقاتها المعقدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تواصلها الجديد مع روسيا.

إلى أي مدى تختبر أوكرانيا السياسة الخارجية للهند؟

أفاد تقرير لموقع ﭬوكس الأمريكي، في 18 مارس الحالي 2022، أن الحرب الروسية الأوكرانية قد تتحدى العلاقة بين الهند وروسيا بطرق غير متوقعة. وفقًا للتقرير، تظل بكين الشاغل الأكبر للهند، خاصة في الهيمالايا، ذلك أن النزاع الحدودي الممتد يبقى لعقود مصدرًا خطيرًا للتوتر، والذي اشتعل في 2020 وأدى إلى مقتل 20 جنديًّا هنديًّا. وبحسب التقرير، فقد تقاربت موسكو من بكين في الفترة الأخيرة.

والعزلة الاقتصادية لروسيا بسبب العقوبات الغربية قد تدفعها إلى التقارب أكثر، لأن موسكو تبحث عن أي سوق لبضائعها، كما يُقال إن موسكو طلبت المساعدة العسكرية والاقتصادية لحربها من الصين، على الرغم من نفي الكرملين ذلك. وذكر التقرير أن الهند لا تزال تعتبر روسيا شريكًا محتملًا في المنطقة، لكن كلما زاد نفوذ الصين على روسيا فلن يكون ذلك في صالح الهند.

هل تستطيع الهند إنهاء الحرب؟

لفت التقرير إلى أن التقارب بين الصين وروسيا سيزيد أهمية أمريكا الاستراتيجية للهند، لكن الهند قد تشعر بالقلق من أن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تعيد تركيز واشنطن والغرب إلى أوروبا في المستقبل القريب، ما يجعل الحوار الأمني الرباعي يضعف ويترك الهند بمفردها. لكن يبدو أن واشنطن تعقد توازنًا خاصًّا بها، والذي يقوم على تنبيه الهند خلف الكواليس وعدم الضغط عليها علنًا.

وأضاف التقرير أن الهند تستطيع تقديم ما لا تقدر عليه الكثير من الدول الأخرى، وهو امتلاكها علاقات جيدة مع واشنطن وموسكو. وقال نائب مدير مركز ويلسون الدولي والباحث في شؤون جنوب آسيا، مايكل كوجلمان “تريد أمريكا استخدام الهند لعلاقتها الوثيقة مع روسيا بطريقة تخدم أهداف واشنطن الآن، ما يعني أن الولايات المتحدة تريد من الهند فعل كل ما في وسعها لإقناع بوتين بإنهاء هذه الحرب”.

 

ربما يعجبك أيضا