أسلحة روسيا الفضائية ونيكل إندونيسيا وعقوبات النفط.. جولة في المراكز البحثية

آية سيد

بعد مواجهة مقاومة أوكرانية شرسة هل تلجأ روسيا إلى الفضاء؟ ولماذا حظرت إندونيسيا صادرات النيكل؟ وهل ينجح فرض عقوبات كاملة على قطاع الطاقة الروسي؟


دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثاني، ولا تزال تداعياتها تؤثر في جميع أنحاء العالم، خاصة مع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من دول الغرب.

وتناولت أهم المراكز البحثية عددًا من تداعيات الحرب، أبرزها مدى احتمال أن تتجه روسيا إلى استخدام أسلحة الفضاء للتفوق في الحرب، والفوائد المنتظرة لإندونيسيا بعد حظرها صادرات النيكل الروسي، وآثار عقوبات الطاقة الكاملة في الاقتصاد العالمي.

أسلحة الفضاء الروسية قد تصبح الجبهة التالية في الصراع

نشر المجلس الأطلسي تحليلًا للمقدم في القوات الجوية الأمريكية والزميل في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، كريستوفر مولدر، في 26 مارس 2022، رأى فيه أن شراسة المقاومة الأوكرانية تحبط الجيش الروسي الذي غزا أوكرانيا عن طريق البر والبحر والجو، ومن الضروري أن يفهم الغرب المجال الرابع الذي قد يلجأ إليه الكرملين لكسب التفوق ألا وهو الفضاء.

ولفت مولدر إلى أن هذا ضروري على نحو خاص، نظرًا لأن القدرات الفضائية تُمكّن أيضًا البنية التحتية النووية لموسكو. وذكر أن أصول الفضاء مثل إشارات نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس” مهمة للطائرات المسيرة الأوكرانية، ضمن أشياء أخرى يمكن استخدامها لضرب المدفعية الروسية.

التشويش والتجسس من الفضاء

ذكر مولدر أن روسيا حوّلت تركيزها مؤخرًا إلى القدرات التي تسمح لها بالتشويش على الأصول الفضائية للدول الأخرى أو التداخل معها، وتشير بعض التقارير إلى أن روسيا حاولت بالفعل التشويش على إشارات “جي بي إس” وتزوير الإحداثيات الجغرافية في أوكرانيا، وهذا قد يُضعف عمليات الطائرات المسيرة المهمة ويضعف استخدام الأسلحة من طرف أوكرانيا، بينما يُخفي تحركات القوات الروسية.

وأعلن أنه إذا صعّدت روسيا استخدامها لهذه الاستراتيجيات فيمكن للناتو وشركات الفضاء الخاصة الرد بتوفير المعلومات الاستخباراتية أو الاتصالات أو القدرات الملاحية لأوكرانيا، مثلما فعلت شركة “سبيس إكس” عندما أرسلت أقمار “ستارلينك” للإنترنت إلى أوكرانيا.

وكشف أن أقمار “ريبي” الصناعية الروسية تجمع معلومات استخباراتية، وأشار إلى أن الغرب يملك بنية تحتية في مجال الفضاء، ومن المرجح أن يستخدمها لمواجهة أي تجسس فضائي روسي أثناء الحرب في أوكرانيا.

تهديد الصواريخ والاستيلاء على البنية التحتية

بيّن مولدر أن روسيا قد تُصعد الحرب باستخدام سلاح مضاد للأقمار الصناعية لخلق حقول من الحطام الفضائي التي ستتداخل مع قدرات الأقمار الصناعية لأوكرانيا أو مزودي الصور من الأقمار الصناعية التجارية. لكن من المستبعد أن تستخدم روسيا هذا السلاح في هذه الحرب إلا إذا استشعرت تهديدًا وجوديًّا.

وقال إن قوات الفضاء الأمريكية تستثمر في القطاع الخاص لتطوير القدرة على إزالة الحطام الفضائي الذي تخلقه دول مثل روسيا عن عمد. وإن قطاع الفضاء الأوكراني القوي قد يجذب الكرملين لاستغلال أبحاث الفضاء الأوكرانية لمصالحه الاستراتيجية، بالاستيلاء على البنية التحتية الهندسية والفضائية الأوكرانية للمساعدة في توسيع طموحات موسكو الفضائية.

وللحد من هذا التهديد أوضح مولدر أنه يجب على الغرب التفكير في المزيد من العقوبات المالية لإجهاد اقتصاد روسيا وردعها عن توسيع عدوانها إلى مجال الفضاء.

حظر إندونيسيا لصادرات النيكل

في تحليل نشرته مؤسسة هيرتيج الأمريكية، في 24 مارس 2022، رأى الباحثان، جوردان ماك جيليس، وأنتوني كيم، أنه بعد فرض عقوبات على روسيا ومنع صادرات النيكل، تمتلك إندونيسيا فرصة لتحقيق أرباح كبيرة من هذا المعدن النادر، لكونها صاحبة أكبر احتياطيات من النيكل، وأكبر منتج له في العالم. وحظرت الحكومة الإندونيسية تصدير النيكل.

وذكر التحليل أن سعر النيكل ارتفع مؤخرًا ليصل إلى أكثر من 100 ألف دولار للطن في 8 مارس الحالي، ما دفع بورصة لندن للمعادن إلى وقف التداول على النيكل لمدة أسبوع، ويدخل النيكل في صناعة الصلب وبدائل الطاقة الأحفورية، مثل بطاريات أيونات الليثيوم.

وارتفع استهلاك النيكل العالمي من أقل من 1.3 مليون طن في 2009 إلى أكثر من 2.4 مليون طن في 2020، وفقًا لأحدث تقرير سنوي لشركة نورنيكل الروسية.

جذب الاستثمارات في النيكل

أشار التحليل إلى أن الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، يريد أن تعالج الشركات النيكل في إندونيسيا وليس فقط استخراج الخام وشحنه لصاحب أعلى سعر. وتعقيبًا على هذا، رأت المحللة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إيزابيل هوبر أن هذه قد تكون استراتيجية رابحة لإندونيسيا، لأنها على المدى القصير ستوفر عائدات للحكومة وفرص عمل. وتراهن إندونيسيا أيضًا على أنها ستجذب الاستثمارات في معالجة النيكل.

وأوضحت هوبر أن حظر الصادرات سيضع إندونيسيا على “الطريق الصحيح” لتطوير سلسلة إمداد متكاملة لبطاريات السيارات الكهربائية، مستشهدة باستثمارات شركات صينية في معالجة النيكل بقيمة 30 مليار دولار. ولفت التحليل إلى أن إندونيسيا تخطط الآن لحظر تصدير الذهب والنحاس والبوكسيت.

استراتيجية معيبة

رأى التحليل أن هذه الاستراتيجية معيبة، لأن اقتصاد النيكل الإندونيسي، الذي بات الآن مرتبطًا بمجموعة من الشركات الصينية، أصبح منعزلًا عن العملاء المحتملين بسبب حظر الصادرات.

وأفاد أن مجموعة فرعية صغيرة فقط من مشتري النيكل العالميين كانوا مستعدين للاستثمار داخل إندونيسيا، وأن الشركة الأكثر استعدادًا للمساهمة في إندونيسيا هي مجموعة تسينجشان القابضة الصينية، التي تقع في قلب مبادرة الحزام والطريق في المنطقة والمستفيد الرئيسي من وقف التداول في بورصة لندن للمعادن.

وحذر من أن الاعتماد على الشركات الصينية سيجعل إندونيسيا ضعيفة جيوسياسيًا في الوقت الذي تهدد فيه الصين سيادتها الإقليمية في البحر.

تأثير العقوبات في النفط الروسي

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تحليلًا للباحث في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ، بن كاهيل، في 25 مارس 2022، رأى فيه أن حجم العقوبات غير المسبوق على روسيا يُظهر مركزية النظام المالي الأمريكي، والدور الجوهري للدولار كعملة الاحتياطي العالمي.

لكن العقوبات الكاملة على صادرات الطاقة الروسية لها قيود، وأن عقوبات الطاقة عادة ما تفشل في تحقيق الأهداف السياسية وأن استمرارها لشهور قد يحدث صدمة مستدامة في أسعار النفط، وعواقب اقتصادية كبرى على العالم.

الشركات الروسية تتكيف مع العقوبات تدريجيًّا

أوضح التحليل أنه رغم العقوبات وانخفاض إنتاج النفط الروسي، فإن التجارة مع معظم الكيانات الروسية لا تزال قانونية، وستتكيف الشركات تدريجيًّا مع العقوبات، وستشتري مصافي التكرير في الهند والصين والأسواق الأخرى النفط الروسي المخفض بشدة، وسيخزن تجار السلع النفط ويبيعونه لأطراف أخرى.

وستتجه بعض تجارة النفط الروسي إلى المعاملات غير المشروعة، ما يزيد الضغط لفرض عقوبات كاملة على صادرات الطاقة الروسية، في عملية مرحلية تسمح باستثناءات لبعض المستوردين الأوروبيين الكبار، ما يرفع الأسعار أكثر، وذكر التحليل أن الآثار المحتملة تشمل القضاء على الطلب وإعادة ترتيب تدفقات الخام والمنتجات وجهود سياسية كبرى في أوروبا وغيرها من الأماكن لتقليل الطلب على النفط.

ربما يعجبك أيضا