مصنع آزوفستال.. ماذا يحدث داخل رمز المقاومة الأوكرانية في ماريوبول؟

رنا أسامة

أُجلي 101 مدني من مصنع آزوفستال بموجب اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة لكن لا يزال مئات المدنيين والمقاتلين الأوكرانيين مُحاصرين داخل أحد أكبر مصانع التعدين في أوروبا.


يتواصل إجلاء المدنيين من مصنع آزوفستال للصلب، بعد حصارهم شهرين داخل آخر جيب للمقاومة الأوكرانية في مدينة ماريوبول الساحلية.

ولا يزال مئات عالقين، مع تجدد القصف الروسي منذ أسابيع. وتخضع ماريوبول للسيطرة الروسية بالكامل تقريبًا، لكن جنودًا أوكرانيين يواصلون الدفاع عن أحد أكبر مصانع التعدين في أوروبا الذي كان يضخ أكثر من 4 ملايين طن من الصلب الخام سنويًّا.. فماذا يحدث داخل آزوفستال؟

مصنع آزوفستال.. رمز المقاومة الأوكرانية في ماريوبول

قالت نائبة رئيس الوزراء في أوكرانيا، إيرينا فيريشوك، إن “الوضع أصبح علامة على كارثة إنسانية فعلية”. وقد دمّرت القوات الروسية مصنع آزوفستال للصلب، عمره 90 عامًا تقريبًا، في إطار حصارها وقصفها مدينة ماريوبول الساحلية جنوب شرق أوكرانيا. بحسب موقع ياهو الأمريكي، عُرف المصنع منذ ذلك الحين، بأنه رمز المقاومة الأوكرانية بماريوبول وآخر معاقلها.

وتشير التقديرات إلى أن ألفيّ جندي وألف مدني يحتمون بمخابئ نووية تحت هذا المصنع. وفي إبريل الماضي، أصدر الحرس الوطني الأوكراني لقطات فيديو، لما قال إنهم نساء وأطفال يحتمون منذ نحو شهرين بأنفاق تحت الأرض بالمصنع. وقالت سيدة في الفيديو: “نريد أن نرى سماء هادئة، ونستنشق هواءً نقيًّا. ببساطة ليس لديك فكرة عما يعنيه لنا أن نأكل ونشرب الشاي المحلى. إنها سعادة حقيقية”.

مصنع آزوفيستال للصلب

الوضع داخل المصنع

أفاد مسؤولون عسكريون أن الوضع داخل مصنع آزوفستال لا يزال مترديًا. وفي مقطع فيديو سابق نشرته قوات أوكرانية، ظهرت فتاة صغيرة تقول إنها لم تر الشمس منذ 27 فبراير الماضي، وظهر جندي يوزع حلوى على الأطفال. ومن غير الواضح مقدار الطعام والمياه والإمدادات الأخرى التي تركها الناجون من المصنع.

وفي رسالة استغاثة بالفيديو، مدتها دقيقة واحدة، قال قائد اللواء 36 لمشاة البحرية الأوكرانية بماريوبول، سيرهي فولينا: “نشهد إصابات، ولدينا عدد كبير للغاية من الجرحى، بعضهم يموتون. والوضع يتدهور بسرعة، لأن القصف لا يزال مستمرًّا، والذي يصاب داخل المخبأ لا يستطيع الخروج للعلاج، ما قد يودي بحياته”.

ما أهمية المصنع لروسيا؟

مصنع آزوفستال لا يُعد هدفًا مهمًّا في حد ذاته لروسيا، لكن ماريوبول كانت أحد الأهداف الرئيسة لموسكو. فالاستيلاء عليها من شأنه أن يمنح موسكو أكبر انتصار لها، خاصة مع فشلها في تطويق العاصمة الأوكرانية كييف. وسوف يساعدها على إنشاء جسر بري من شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو قبل 8 أعوام، لجمهوريات أوكرانيا المنشقة التي يسيطر عليها فعليًّا انفصاليون مدعومون من روسيا.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية في إبريل، إن “إن قرار روسيا محاصرة مصنع آزوفستال للصلب بدلًا من مهاجمته يعني أن وحدات روسية عديدة لا تزال ثابتة في المدينة ولا يمكن إعادة نشرها”، مُشيرة إلى أن “دفاع أوكرانيا عن ماريوبول استنفد أيضًا وحدات روسية عديدة وقلّل فعاليتها القتالية”.

صراعات سابقة

شهد مصنع أزوف ستال صراعات سابقة، قبل عقود من الحرب الروسية الأوكرانية. فقد بدأ الإنتاج في الموقع عام 1933، لكن بعد أقل من عقد من الزمان اجتاحت قوات ألمانية ماريوبول، خلال الحرب العالمية الثانية، وتوقفت الأعمال وسط نزوح جماعي كبير للمواطنين من المدينة.

وبحلول عام 1944، أي بعد عام واحد فقط من انتهاء الاحتلال، بدأ العمل لإعادة بناء المصنع الذي سرعان ما أصبح مركزًا مُنتجًا ومُربحًا لصناعة الصلب السوفييتي. بعد 70 عامًا تقريبًا، نظّم عمال الصلب في أزوف ستال حركة لاستعادة السيطرة على مدينة ماريوبول بالقوة من الانفصاليين الموالين لروسيا في عام 2014، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

إجلاء مدنيين من مصنع آزوفيستال

عمليات الإجلاء

حتى أمس الأربعاء 4 مايو 2022، وصل 101 مدنيًا إلى بر الأمان بعد بدء عمليات الإجلاء من مصنع آزوفستال، بموجب اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة، للسماح بمرور آمن للمدنيين المُحاصرين داخل مخابئ المصنع. والأسبوع الماضي، زار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش العاصمة الروسية موسكو، وأجرى “مناقشة صريحة” مع قادة روس وضغط عليهم للسماح بالإجلاء.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أعطى موافقته “مبدئيًّا” على عملية الإجلاء، التي حظيت بدعم من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر التي نظمت قافلة رسمية، ذلك أنه لا ينبغي أن يستمر الوضع أكثر من ذلك، فحياة اللائذين به والمختبئين فيه في خطر يزداد يومًا بعد الآخر.

مَن المُجلَون من آزوفستال؟

لم يكشف مسؤولون إنسانيون كثيرًا عن الأشخاص المُجلين، كي لا يعرضوا سلامتهم وقافلات الإجلاء للخطر. ومع ذلك أظهرت صور أن معظمهم نساء وأطفال وكبار سن. لم يُجلَ جميع المدنيين، ولا يزال مئات مُحاصرين في مخابئ تحت الأرض بالمنشأة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية.

وأعرب مُجلون من المصنع عن مخاوفهم من انهياره. وقالت ناتاليا عثمانوفا، 37 عامًا، إنها كانت خائفة للغاية، لدرجة أنها اعتقدت أن قلبها سوف يتوقف حين أمطرت القنابل الروسية ماريوبول. وقالت لوكالة رويترز: “عندما بدأ المخبأ يهتز، كنت في حالة هستيرية، وكنت قلقة للغاية من أن ينهار المخبأ”.

جانب من عمليات الإجلاء من مصنع آزوفيستال

كيف خرجوا؟

أظهر مقطع فيديو، نشرته القوات الأوكرانية على الإنترنت، مُسنّات وأمهات برفقة صغار، مُرتديات ملابس شتوية، يتلقون المساعدة في أثناء صعودهم كومة شديدة الانحدار من الأنقاض من مصنع آزوفستال للفولاذ مترامي الأطراف، ويستقلون حافلة في نهاية المطاف.

وشوهد بعض المُجلَين يجلبون حيواناتهم الأليفة وحقائب أمتعتهم، قبل أن يستقلّوا حافلات روسية وأخرى تابعة للصليب الأحمر، لإخراجهم من منطقة النزاع. وقال نائب قائد كتيبة آزوف التي توفر الحماية للمصنع، سفياتوسلاف بالامار، إن الوصول إلى بعض الجرحى داخل آزوفستال كان صعبًا، حسب ما أوردت شبكة إيه بي سي الأسترالية.

 إلى أين سيذهبون؟

أشاد الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، بعملية إجلاء المُحاصرين الذين وصل بعضهم إلى مدينة زابوريجيه التي تسيطر عليها أوكرانيا.، في حين أن آخرين وصلوا إلى قرية بيزيميني التي تسيطر عليها روسيا، على بُعد نحو 30 كيلو مترًا شرقي مدينة ماريوبول.

وسيتلقى هؤلاء المدنيون المُجلون دعمًا إنسانيًّا فوريًّا، بما في ذلك خدمات نفسية، وفقًا للمتحدث الإنساني للأمم المتحدة، سافيانو أبرو. ومن غير الواضح ما إذا كان مسؤولو الصليب الأحمر والأمم المتحدة سيعودون إلى المصنع لإجراء جولة أخرى من عمليات الإجلاء، وفق “إيه بي سي”.

ماذا بعدُ؟

قال القائد في الحرس الوطني، دينيس شليجا، للتليفزيون الأوكراني من آزوفستال، في مقابلة مُتلفزة ليلة 2 مايو، إن مئات المدنيين ما زالوا محاصرين، إلى جانب قُرابة 500 جندي جريح  وعديد من الجثث التي قتلت من جراء القصف الروسي المستمر للمصنع بمن فيه من المدنيين أنفسهم.

وأضاف: “لا يزال عشرات الأطفال الصغار في مخابئ تحت المصنع. ونحتاج إلى جولة أو جولتين أخريين من عمليات الإجلاء”. وتابع: “لا يوجد ماء كافٍ، والهواء تفوح منه رائحة أجسام متحللة، ما ينذر بكارثة إنسانية”، قائلًا: “السبيل الأفضل هو إجلاؤنا. هل يعقل الاستمرار في هذه المجزرة؟”.

ربما يعجبك أيضا