لماذا تسرّع الهند جهود الاستقلال التكنولوجي.. وكيف ستحققه؟

آية سيد

على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية، أدركت الهند ضرورة تنويع شراكاتها التكنولوجية وتطوير قدراتها المحلية.


أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى فقدان الهند للثقة في المصادر الروسية والغربية للتكنولوجيا، وإلى الحذر من الاعتماد التكنولوجي على دولة واحدة.

وبحسب تقرير لمجلة ذا دبلومات، في 20 مايو 2022، يوجد إجماع داخلي في الهند على تحقيق الاستقلال الاستراتيجي التكنولوجي، رغم أن هذا قد يضر بنموها الاقتصادي على المدى القصير.

تأثير الحرب في العلاقات الهندية الروسية

حافظت الهند على شراكة وثيقة مع روسيا منذ سبعينات القرن الماضي، والتي أصبحت أكثر براجماتية مع مرور الوقت. وبحسب التقرير، يقوم تقدير الهند لروسيا على البراعة التكنولوجية العسكرية الروسية، وكذلك رغبتها في مشاركة وتبادل التكنولوجيات الحيوية الأخرى التي تحتاجها.

والآن مع مرور 3 أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية، تتعرض روسيا لضغوط متزايدة لإنتاج الأسلحة الثقيلة التي تحتاجها. وفي ظل تناقص واردات السلاح من روسيا، ونقص المكونات الأساسية للأسلحة الجديدة، واعتماد روسيا التكنولوجي المتزايد على الصين، تدرك الهند أن شريكتها الاستراتيجية ربما لن تصبح مصدرًا موثوقًا للتكنولوجيا العسكرية في المستقبل.

وعلاوة على هذا، أضرت خسائر روسيا العسكرية غير المتوقعة في الحرب بصورتها كمُنتِج للأسلحة المتطورة. يأتي هذا في الوقت الذي تدمج الهند منظومة صواريخ إس-400 كحجر زاوية في دفاعاتها الجوية.

الاعتماد الروسي على الصين

لفت التقرير إلى أن اعتماد روسيا التكنولوجي على بكين سيزداد بينما تتقرب روسيا من الصين. ومع خروج كبرى شركات الاتصالات والتكنولوجيا من السوق الروسية بداية هذا العام، تدخل الشركات الصينية السوق دون منافسة.

وبينما تميل البنية التحتية لبيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الملكية الصينية، تصبح روسيا مكانًا غير آمن للمعلومات السرية الهندية. هذا لأنه في بعض الحالات، مثل منظومة إس-400، تملك الحكومة الصينية إمكانية الوصول لكل المؤشرات التكنولوجية، لأنها اشترت المنظومة أيضًا من روسيا.

الخوف من العقوبات الغربية على الهند

أدت العقوبات الغربية على روسيا إلى تصاعد الأصوات الحمائية الهندية. ووفقًا للتقرير، يرى أصحاب النزعة الحمائية أن العقوبات على روسيا تؤكد المخاوف القديمة بأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيسلحون نظام التجارة العالمي لخدمة مصالحهم.

وفي 2018، عندما جرى منع إيران من استخدام نظام سويفت كجزء من العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ازداد قلق نيودلهي من أن البنية التحتية التكنولوجية للنظام المالي العالمي قد تُسلَّح ضد الهند أيضًا.

وبسبب النقد المتواصل الذي تتعرض له حكومة نيودلهي على حالة حقوق الأقليات في الهند، أصبح الاعتقاد الراسخ هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يفرضون عقوبات عليها في المستقبل.

بديل هندي لنظام سويفت

بعد إزالة روسيا من نظام سويفت، تسارع الاتجاه داخل الهند نحو تحقيق الاستقلال للبنية التحتية التكنولوجية. وأشار التقرير إلى أنه تقدم بالفعل العديد من حلول البحث والتطوير التي تهدف إلى تحصين نفسها وشركائها من العقوبات. على سبيل المثال، بنظام دفع “رو باي”، تمتلك الهند بديلًا لماستر كارد وفيزا بقاعدة عملاء تتجاوز 600 مليون هنديًّا. وجرى بالفعل تصدير نظام رو باي وتوطيده في بوتان، ونيبال، وسنغافورة، والإمارات.

وبحسب التقرير، تسرّع عقوبات سويفت المطالب داخل الهند بالاستفادة من “واجهة الدفع الموحدة” على الساحة الدولية. وواجهة الدفع الموحدة هي المنصة المصرفية الإلكترونية للهند، وهي تدمج حسابات في أكثر من 300 بنكًا هنديًّا، وتسمح للمستخدمين بنقل الأموال مباشرةً دون استخدام نظام سويفت.

وإضافة إلى هذا، أعادت العقوبات الغربية تنشيط فكرة التجارة بالروبية والروبل، والتي ستتجنب المعاملات باليورو والدولار الأمريكي. ومن المرجح أن تسعى الهند إلى تحقيق المزيد من السيادة الجيواقتصادية عن الدول الغربية.

خياران للسياسة الخارجية الهندية

لفت التقرير إلى أن السياسة الخارجية الهندية تمتلك خياران. الأول هو استثمار كل رأس المال السياسي في تطوير التكنولوجيا بالداخل. وعلى مدار العقدين الأخيرين، عززت الهند رواد الصناعة في القطاعات التكنولوجية الرئيسية.

وعن طريق أنظمة مثل واجهة الدفع الموحدة ونظام الهوية الإلكتروني “آدهار”، نجحت الدولة في ترسيخ التكنولوجيات ذات التمويل الحكومي، التي توفر الثقة في إقامة المزيد من المشروعات المماثلة.

والخيار الثاني هو التعاون التكنولوجي الوثيق مع القوى الوسطى. ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، كانت الهند تسعى إلى عقد اتفاقيات تجارية مع أستراليا، والإمارات، وبريطانيا. وتُظهر الهند اهتمامًا كبيرًا بتنويع شراكاتها التكنولوجية الثنائية مع أستراليا وفرنسا وإسرائيل واليابان وتايوان. وأشار التقرير إلى أن تركيز الهندي على دبلوماسية القوى الوسطى يعمل كآلية مفيدة لمنع ظهور قطبية ثنائية عالمية.

نمو قطاع التكنولوجيا في الهند

بحسب التقرير الصادر عن الرابطة الوطنية لشركات البرمجيات والخدمات الهندية “ناسكوم“، شهدت صناعة التكنولوجيا في الهند نموًّا غير مسبوق بنسبة 15.5% في السنة المالية 2022، ووصلت العائدات إلى 227 مليار دولار. وأضافت الهند 445 ألف موظفًا جديدًا إلى قوتها العاملة في هذا القطاع.

وقال رئيس ناسكوم، ديبجاني جوش: “في حين أن الصادرات لعبت دورًا كبيرًا في هذا النمو، فإن السوق المحلية ظهرت كدافع كبير، وقد مثلت ما يقرب من 50 مليار دولار بفضل التبني للتكنولوجيا عبر منصات رقمية مثل آدهار، وواجهة الدفع الموحدة، والشبكة الذكية للقاحات كوفيد التي لعبت دورًا كبيرًا في توصيل الخدمات للمواطنين”.

ربما يعجبك أيضا