دعم باكستان لـ«طالبان».. عندما ينقلب السحر على الساحر

آية سيد

دعم الإسلامويون الباكستانيون طالبان بسبب معتقداتهم المشتركة. ورأى جيش باكستان تمرد طالبان ضمانًا ضد الوفاق الهندي-الأفغاني تحت حكم القادة الأفغان العلمانيين.


على مدار العقدين الأخيرين، كانت الحكمة السائدة في باكستان، هي أن حكم طالبان لأفغانستان سيكون بمثابة هدية لأمن باكستان.

وبعد عودة طالبان إلى الحكم، في أغسطس 2021، أصبحت باكستان أقل أمنًا، ما يكشف ضرورة أنْ تراجع إسلام آباد نهجها تجاه طالبان، بحسب سفير باكستان السابق لأمريكا ومدير برنامج جنوب آسيا وآسيا الوسطى في معهد هدسون، حسين حقاني، في مقال لفورين أفيرز.

لماذا تدعم باكستان “طالبان”؟

ذكر حقاني، وفقًا لفورين أفيرز، في 23 مايو 2022، أن باكستان كانت تدعم طالبان على أساس أن المسلحين قد يساعدون في منع الهند، التي يراها المسؤولون الباكستانيون تهديدًا وجوديًّا، من امتلاك أي نفوذ في أفغانستان، فمنذ تأسيس الدولة في 1947، أصَّلت باكستان سياساتها الأمنية على فكرة أن الهند تسعى إلى حلها. وكان قادة باكستان قلقين من أفغانستان الواقعة إلى الشمال الغربي.

وسبب هذا القلق أنها رفضت قبول الحدود بين أفغانستان وباكستان التي وضعها الاستعمار في 1896، بالإضافة إلى أن خوف باكستان من تحالف الهند وأفغانستان دفعها إلى تولي دور كبير في أفغانستان منذ الثمانينات، فدعمت حرب أمريكا بالوكالة ضد الاتحاد السوفييتي. ورأت إسلام آباد، الجماعات الإسلاموية أكثر طريقة فاعلة لنشر نفوذها، وهي سياسة أدت إلى ظهور حركة طالبان في التسعينات.

القومية البشتونية

عزز الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001 العناصر العلمانية والبشتونية في المجتمع الأفغاني، والذين رآهم القادة الباكستانيون مقربين من الهند أو وكلاء لها، وفقًا لحقاني. وما فاقم مخاوف باكستان هو دعوة القوميين البشتون الباكستانيين إلى وحدة البشتون. ولذلك سعت باكستان إلى قمع القومية البشتونية بالأيديولوجية الإسلاموية.

وعلى ذلك دعم الإسلامويون الباكستانيون طالبان بسبب معتقداتهم المشتركة. ورأى جيش باكستان التمرد الطالباني ضمانًا ضد الوفاق الهندي – الأفغاني تحت حكم القادة الأفغان العلمانيين. ورغم النفي الرسمي، فإن باكستان قد وفرت ملاذًا آمنًا لمتمردي طالبان الأفغانية، وسمحت لقيادة الحركة بالعمل من باكستان على مدار العقدين الأخيرين.

حركة طالبان باكستان

أشار حقاني إلى أن نجاح الحركة في أفغانستان حفّز حركة طالبان باكستان. وشنت هذه الجماعة المسلحة أكثر من 124 هجومًا إرهابيًّا في باكستان، منذ عودة طالبان إلى الحكم من قواعد في أفغانستان. ولفت حقاني إلى أن نشاط هذه الجماعة أدى إلى توترات بين إسلام آباد وكابول.

وفي هذا الإطار، أثارت الضربات الجوية الانتقامية التي نفذتها القوات الجوية الباكستانية، ردًّا على هجمات الجماعات المسلحة، احتجاجَ سلطات حركة في أفغانستان. وتحدى حرس الحدود التابع للحركة الأفغانية الجهود الباكستانية لتسييج الحدود بين دولتي باكستان وأفغانستان.

الدعم يأتي بنتائج عكسية

لفت حقاني إلى أن دعم باكستان لطالبان انقلب عليها، فجهود إسلام آباد الحثيثة لتأمين الاعتراف الدولي والمساعدات الاقتصادية لنظام طالبان لم تحقق نجاحًا يُذكر، لأن المجتمع الدولي أوضح أنه لن يعترف بطالبان ما لم تغير سلوكها. وعلى الجانب الآخر، رفضت طالبان التخلي عن مواقفها المتشددة من قضايا مثل حقوق المرأة وتعليم الفتيات.

وهذا جعل إصرار باكستان على أن طالبان تغيرت يبدو مضللًا، وجعل أفغانستان دولة منبوذة. ولذلك تواجه الحكومة الباكستانية الجديدة احتمال الاضطرار إلى دعم حليف مثير للمشكلات في كابول وسكان الدولة المجاورة المفتقرين إلى المال، في وقت يواجه اقتصادها معاناة. وهكذا فإن سنوات الدعم الباكستاني لطالبان لم تساعد باكستان بأي قدر من الدعم.

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

بحسب حقاني، فقد تجاهلت واشنطن طوال سنوات، تدخلها العسكري في أفغانستان الاقتراحات بأن دعم باكستان للحركة الأفغانية قد تكون له دوافع أيديولوجية أعمق. ولقد وجد الدبلوماسيون الأمريكيون فكرة التهديد الهندي لباكستان عبر أفغانستان غريبة، وافترضوا أن بإمكانهم إقناع باكستان بتغيير حساباتها الاستراتيجية.

وعلى الجانب الآخر، وصفت باكستان للدبلوماسيين الغربيين علاقتها مع طالبان كاستراتيجية تحوّط للتعامل مع عواقب الانسحاب الأمريكي، إلا أن باكستان لم تتوقع أن يكون الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان نهاية اهتمام واشنطن بالمنطقة، فلقد أملت في أن تتولى دورًا بارزًا في أفغانستان، وتلعب دور الوسيط الرئيس بين طالبان والولايات المتحدة وحلفائها.

هل تبدأ باكستان صفحة جديدة؟

تولت حكومة مدنية جديدة السلطة في باكستان في إبريل الماضي، بعد الإطاحة بعمران خان. ومن المتوقع لهذه الحكومة الجديدة، بقيادة شهباز شريف، أن تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة عبر نبذ خطاب خان التحريضي ضد الغرب، إلا أنه من المستبعد أن تغير الحكومة سياسة باكستان تجاه أفغانستان، التي تظل ضمن اختصاص الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية.

ولكن بحسب حقاني، أصبح الوقت مناسبًا لإعادة تقييم العلاقات، فوضع باكستان الاقتصادي المزري يستلزم التطلع إلى دعم أمريكا، مقابل موافقة قادة باكستان على الإصلاح السياسي والاقتصادي الجاد، وأوضح حقاني أن تعطيل البنية التحتية الجهادية في باكستان، يُعد شرطًا أساسيًّا لبدء صفحة جديدة مع باكستان، ويجب أن يكون شرطًا مسبقًا لبدء علاقة جديدة بين الولايات المتحدة وباكستان.

ربما يعجبك أيضا