حرب اللا نهاية.. لماذا يتكرر الصراع الليبي؟

أحمد ليثي

فقدت الأمم المتحدة مصداقيتها عند المواطنين والنخب الليبية التي من المفترض أن تتوسط بينهم، لكن يبدو أن التعيين المحتمل لعبدالله باتيلي كممثل خاص للأمم المتحدة في ليبيا سيعمق الانقسامات داخل البلاد وبين القوى الأجنبية التي لها مصالح هناك.


بعد أقل من 3 سنوات على انتهاء الحرب الأهلية الليبية المروعة، تعرضت طرابلس للهجوم مرة أخرى، إثر صراع سياسي محموم انعكست تداعياته إلى الشارع الليبي.

وبحسب الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، طارق المجريسي، في مقال له نُشر 2 سبتمبر 2022، فإن المواجهة كانت واقعة حتمًا منذ منذ وقت طويل، وعلى الرغم من أنه كان يمكن تجنبها، فإن البلاد قد غرقت في صراع واسع النطاق أكثر دموية مما مضى.

ماذا يحدث في ليبيا؟

يقول المجريسي إن ليبيا محشورة بين رجلين، أحدهما يزعم أنه رئيس وزراء، يحاول الاستيلاء على السلطة من منافس له اعتراف دولي، ولكنْ ليس له أثر في ليبيا سوى سجله الطويل من الفساد، ويجري القتال بين مجموعات الرجلين التي تلعب على انعدام الأمن وعدم الشرعية أو كفاءة السياسيين في تقوية المؤسسات الديمقراطية.

وعلى هذا النهج، تدور ليبيا من الحرب إلى وقف إطلاق النار، واستكمال العملية السياسية التي تؤدي إلى تفشي الفساد، ثم تعود إلى الحرب مرة أخرى، ولكن، مع كل دورة، تتدهور الخدمات والبنية التحتية من الإهمال، وتقل جودة حياة المواطنين، وتكتسب الجهات الأجنبية الخبيثة تأثيرًا أكبر، ويضعف الأمل في الخلاص.

إجراء أول عملية سياسية

اكتسبت ليبيا الزخم اللازم لإجراء عملية سياسية في أعقاب الحرب الأهلية التي جرت منذ عقد، وكانت يمكن أن تحدث تغييرًا حقيقيًّا، وكانت الأمم المتحدة قد وعدت باستكمال عملية سياسية ديمقراطية، معلنة التوسط بين الفاعلين الدوليين الذي يحاولون استغلال دولة محاصرة وإدارة الجوانب الفنية اللازمة لإحداث تغيير بناء.

ولكن الأمم المتحدة لم تستطع تحقيق أي من هذه الأشياء، فسرعان ما أبرمت المنظمة صفقة شيطانية، تضمنت مقايضات مستمرة بين النزاهة والنفعية، ويئست من الوضع الليبي، لدرجة أنها قد تجاهلت التحذيرات بالتوقف وتغيير أساليبها حتى مع انهيار العملية الانتخابية.

آثار الفوضى في ليبيا

يشدد المجريسي على أن الفوضى في ليبيا ستمتد تأثيرها إلى حد زعزعة استقرار مجموعة متزايدة من الدول من حولها، ما سيواصل تأجيج الأزمات الجيوسياسية التي تتراوح من انهيار الديمقراطية في تونس إلى المواجهة متعددة الجنسيات في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وقد يكون للانهيار المستمر في ليبيا تأثير مماثل في الانتخابات الإيطالية المقبلة، فقد أدت الفوضى في ليبيا إلى جعلها مركزًا جذابًا للمقاتلين ومهربي الأسلحة وعصابات المخدرات التي تعمل في جميع أنحاء إفريقيا، فضلًا عن أنها أصبحت رأس جسر لروسيا في حملتها لكسب النفوذ في القارة، ما سمح لموسكو بالسيطرة.

الأمم المتحدة تفقد مصداقيتها

بحسب المقال، فقد فقدت الأمم المتحدة مصداقيتها عند المواطنين والنخب الليبية التي من المفترض أن تتوسط بينهم، لكن يبدو أن التعيين المحتمل لعبدالله باتيلي كممثل خاص للأمم المتحدة في ليبيا، سيعمق الانقسامات داخل البلاد وبين القوى الأجنبية التي لها مصالح هناك.

ومن جهته، قدّم السفير الليبي لدى الأمم المتحدة اعتراضًا رسميًّا على تعيين باتيلي، قائلًا إنه من المفترض أن تعين الأمم المتحدة شخصًا ذا جودة أعلى، وهو بيان يعكس القلق العميق في طرابلس، من أن باتيلي سيكرر نفس الأخطاء الكارثية التي وقع فيها سلفه من قبل.

مشكلة مستعصية على الحل

يبدو أن ليبيا تمثل مشكلة دبلوماسية مستعصية، لكن الدول الغربية التي تشعر بالقلق إزاء عواقب انهيارها يمكن أن تتعلم من إخفاقات الأمم المتحدة، لأن ليبيا لديها أدوات السياسة والقواعد التي يحتاجون إليها لإعادة بدء العملية الانتخابية، خاصة مع انقسام البلاد بين حكومتين لا تحصلان على الدعم الشعبي.

ويقترح المجريسي اشتراك مجموعة اتصال تتكون من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، للاتفاق على خطة للمساعدة في استئناف الانتخابات وكسب دعم العملية من حلفائها الإقليميين، وفصل النخب الليبية عن الانتخابات، عن طريق تمكين الخبراء القانونيين والدستوريين الليبيين من صياغة قانون انتخابي.

دور الأمم المتحدة

يشدد المجريسي على أنه يجب على الأمم المتحدة أن تضغط على القادة السياسيين الليبيين الحاليين، للتوصل إلى اتفاق يلتزمون فيه بتنفيذ هذه الإجراءات القانونية مقابل ترتيب تقاسم السلطة بعد الانتخابات، ما يعني استخدام المأزق الحالي لإنهاء عدم الاستقرار وفشل الوضع الحالي في ليبيا.

ولا يزال بإمكان الأوروبيين تجنب العودة إلى الصراع الوطني في ليبيا، ولتحقيق ذلك، فإنهم لن يحتاجوا فقط إلى تمكين الشعب الليبي لتحديد أولويات الحكومة المقبلة، ولكنهم في حاجة أيضًا  إلى دفع النخب السياسية والحزبية نحو السماح للنظام السياسي الليبي بالتطور.

ربما يعجبك أيضا