«ناشيونال إنترست»: الاقتصاد العالمي دخل حقبة جديدة للأعمال التجارية

آية سيد
حقبة جديدة للأعمال التجارية

في هذه الحقبة الجديدة، تحتاج سلاسل الإمداد العالمية إلى المرونة أكثر من حاجتها إلى الكفاءة.


منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مر الاقتصاد العالمي بمرحلتين، ودخل الآن ثالثة تحتاج فيها سلاسل الإمداد إلى المرونة أكثر من الكفاءة.

لكن المسؤول الاقتصادي السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، ديفيد نيلسون، نوّه في مقال بمجلة “ناشيونال إنترست“، بأن على الشركات إدراك تحديات هذه المرحلة، وتقييم المخاطر والفرص التي تقدمها، والعمل بناءً عليها.

ملامح المرحلة الأولى

ذكر نيلسون في مقاله المنشور السبت الماضي 8 أكتوبر 2022، أن المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرةً، اتسمت بعالم منقسم تعاونت فيه دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجاريًّا واستثمرت معًا، وفي المقابل كانت الصين والكتلة السوفيتية خارج نطاق الأعمال الغربية.

وبالمثل كانت دول “العالم الثالث” النامية مكانًا صعبًا للتجارة والاستثمار بالنسبة إلى أمريكا وأوروبا. لكن التجارة بين الشمال والجنوب بدأت تنمو بعدما خففت اتفاقية (الجات) الرسوم الجمركية، وعززت قواعد التجارة تدريجيًّا، مع إجراء الدول تحسينات تدريجية على سيادة القانون.

المرحلة الثانية أنهاها ترامب

بحسب نيلسون، بدأت المرحلة الثانية للاقتصاد العالمي عام 1989، مع انهيار جدار برلين واختفاء الكتلة السوفيتية وتسارع التحرر الاقتصادي في الصين. وبشرت اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية المتعددة، وإطلاق منظمة التجارة العالمية، بعالم يشهد المزيد من الحرية لحركة رأس المال.

ومع كل هذا، اتجهت الشركات إلى بناء سلاسل إمداد عالمية للاستفادة من المنتجين الأكثر كفاءة لكل مكون. وكانت الولايات المتحدة ركيزة أساسية لهذا النظام. لكن كل هذا انتهى عندما انسحب الرئيس السابق، دونالد ترامب، من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، وكاد ينسحب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا).

وفرض ترامب رسومًا جمركية ضخمة على أكبر شريك تجاري لأمريكا، ورسومًا جمركية على كل من يصدر الصلب والألومنيوم للولايات المتحدة، لأسباب مضللة متعلقة بـ”الأمن القومي”، وكذلك عمد إلى إضعاف آلية تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية، وفقًا للمقال.

تحديات الحقبة الجديدة

أشار نيلسون إلى عدة عوامل، بجانب غياب القيادة الأمريكية، تشكل المرحلة الثالثة لفترة ما بعد الحرب، بانتقال العالم من “التكتلات” إلى “العولمة”، والآن إلى “الانقسام”، وعلى الشركات أن تفهم مخاطر هذه الحقبة، وأن تضع استراتيجيات للتخفيف منها أو التكيف معها.

وأشار نيلسون إلى الطموحات الإمبريالية لدول، مثل روسيا والصين، وقال إن التأثير بعيد المدى للعقوبات الاقتصادية على روسيا يتجاوز الضرر المباشر الذي سببته الحرب من المنظور التجاري، ما يؤثر في أحد أكبر دول العالم إنتاجًا للسلع، محذرًا من تكرار الأمر نفسه مع تايوان، التي تهدد الصين بغزوها.

الرقابة على الصادرات والاستثمار

تعزز الولايات المتحدة وحكومات أوروبية جهودها لضمان ألا توفر التجارة والاستثمار منافع “أمن قومي” لدول معينة، خاصةً الصين، بحسب نيلسون، الذي أشار إلى توسيع القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا إلى الصين، وتعزيز الإشراف على الاستثمارات الصينية، وعادةً ما ترد بكين بفرض قيود مماثلة.

وفي ما يتعلق بالتجارة الحرة، ذكر نيلسون أنه تحت حكم ترامب، أصبح الحزب الجمهوري مناهضًا للتجارة، في محاولة لجذب أصوات عمال المصانع. واستبعد الكاتب أن تقود الولايات المتحدة في الوقت الحالي اتفاقيات تجارة حرة كبيرة، مرجحًا أن تسعى للاتفاقيات التي تحقق الأهداف الاجتماعية والسياسية.

حقوق الإنسان وتغير المناخ

قال نيلسون إن الحكومات الغربية تستخدم العقوبات التجارية لمعالجة قضايا حقوق الإنسان. وكثفت الولايات المتحدة استخدامها لأوامر حجب الإفراج، التي تمكّن الجمارك الأمريكية من منع دخول المنتجات التي تعتقد أن إنتاجها اعتمد على عمالة قسرية. ويطور الاتحاد الأوروبي أدوات مشابهة، لكن كيف تثبت الشركات أن سلاسل إمدادها خالية من تلك المشكلات؟

ورأى الكاتب أن على كل الشركات تقريبًا التعامل مع التحديات البيئية المتزايدة، لكنه أشار إلى أن الأمر معقد بنحو خاص للشركات المشاركة في سلاسل إمداد عابرة للحدود. وذكر نيلسون أن بعض القضايا البيئية مدمجة في الكثير من اتفاقيات التجارة، لكن الدول تتطلع إلى فرض قيود تجارية جديدة كأداة لمعالجة تغير المناخ.

الجوائح سمة العالم الجديد

يُظهر تعطل سلاسل الإمداد العالمية الذي سببته جائحة كوفيد-19، المخاطر الإنتاجية والسياسية لبعض سلاسل الإمداد العالمية. ومن منظور سياسي، تأثر الكثير من سلاسل الإمداد بنوع من “قومية الموارد” المرتكز على المعدات والمستلزمات الطبية. فخلال الجائحة، سعت الدول لضمان تأمين احتياجاتها من المنتجات المتعلقة بالجائحة على حساب الدول الأخرى.

وبحسب نيسلون، خلق هذا موقفًا معقدًا للشركات ذات الموردين العالميين، مثل الشركات الأمريكية التي تمتلك مصانع في المكسيك أو الصين. ويشير الخبراء إلى أن الجوائح ستصبح سمة مستمرة في عالمنا، لذلك ينبغي على الشركات أن تضع ذلك في الحسبان وهي تطور سلاسل إمدادها أو تجددها.

إعادة تشكيل سلاسل الإمداد

تسعى الحكومة الأمريكية للضغط على الشركات الأمريكية، لإعادة تشكيل سلاسل إمدادها، جزئيًّا بسبب القضايا الموضحة أعلاه، وجزئيًّا بسبب الحماية التجارية التقليدية. ولهذا، تدعو الحكومة الأمريكية الشركات للخروج من الصين لأسباب متعلقة بالأمن القومي والمخاوف الجيوسياسية، وحقوق الإنسان، وتنويع الإمداد.

ويمكن تحقيق ذلك عبر تطوير سلاسل إمداد في دول موثوقة سياسيًّا، أو عبر نقل الإنتاج إلى دول مجاورة، أو عبر نقل الاستثمار والوظائف إلى الولايات المتحدة، الذي يبدو الهدف المثالي للكثير من القادة السياسيين الأمريكيين، وفقًا لمقال نيلسون.

سيادة القانون

كتب نيلسون أن سيادة القانون على الصعيد الداخلي أصبحت غير قابلة للتنبؤ بنحو متزايد، بسبب القرارات الاستبدادية والتعسفية لبعض الحكومات. لذلك تحتاج الشركات إلى تقييم المخاطر التي تواجهها سلاسل الإمداد، بسبب الإجراءات الحكومية التعسفية المحتملة في الكثير من البلاد.

وختم نيلسون بأن سلاسل الإمداد المرنة ستساعد الشركات للنجاة من الأحداث السلبية، لكنها ستأتي بتكلفة أكبر في الأوقات العادية. وعلى مستوى الشركات الفردية، ستحتاج كل شركة إلى إيجاد التوازن المناسب بين التكلفة والكفاءة. لكن على مستوى الاقتصاد الكلي، سيسبب التحول إلى المرونة ارتفاعًا في التكلفة، وقد يؤدي إلى مزيج من التضخم المرتفع، والأرباح المنخفضة، والنمو البطيء في الأجور.

ربما يعجبك أيضا