«وول ستريت جورنال»: طموحات الرئيس الصيني تدخل الاقتصاد نفقًا مظلمًا

رنا أسامة

الطموحات الأيديولوجية للرئيس الصيني، شي جين بينج، أثرت سلبًا في اقتصاد الصين.. كيف؟


وضع الرئيس الصيني، شي جين بينج، خططًا طموحة، قبل عامين، لتوسيع ثروة بلاده ومضاعفة حجم اقتصادها بحلول العام 2035.

ويتطلب هذا الهدف أن ينمو الاقتصاد الصيني بمعدل 5% تقريبًا سنويًّا على مدار 15 عامًا، ولكن يستبعد خبراء اقتصاد داخل الصين وخارجها بلوغ تلك النسبة، ليس هذا العام فقط، بل على المدى الطويل أيضًا.

التحدي الرئيس أمام “خطة شي”

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في تقرير مطول نشرته، أمس الاثنين 17 أكتوبر 2022، إن الأجندة السياسية للزعيم الصيني تمثل تحديًّا رئيسًا أمام تحقيق خطته الاقتصادية.

وأوضحت أنه منذ صعود شي إلى سدة الحكم في 2012، حرص على وضع النزاهة الأيديولوجية والأمن القومي وسيطرة الحزب الشيوعي في قلب السياسة الصينية. وكذلك فرض مزيدًا من السيطرة على الاقتصاد، في نهج يرى خبراء اقتصاد عديدون أنه جاء على حساب القطاع الخاص الديناميكي، الذي دفع النمو الاستثنائي للصين، وفق الصحيفة.

تقديرات بشأن نمو الصين

نقلت الصحيفة توقعات خبراء اقتصاد من القطاع الخاص والبنك الدولي ومؤسسات أخرى، انتعاش نمو الصين إلى قرابة 4.5%، خلال العام المقبل، بعد نمو يقدر بـ3% أو نحو ذلك في العام 2022، وذلك بافتراض أن بكين ستخفف في نهاية المطاف من سياسة “صفر كوفيد”.

في حين تشير الصحيفة إلى أن اقتصاديين آخرين يرجحون أن يظل النمو الصيني أضعف مما كان عليه قبل وباء كوفيد-19، وسط تقلص القوى العاملة، وارتفاع مستويات الديون.

سياسات احتواء صارمة

التباطؤ الأخير في نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين يعود إلى سياسات شي الصارمة لاحتواء كوفيد، التي أصر من خلالها على تعزيز عمليات الإغلاق، حتى في حالات التفشي البسيطة، انسجامًا مع وجهة نظره بأن نظام السيطرة المركزية في الصين، أفضل مما هو عليه لدى الغرب.

وأبقى شي على أرقام الحالات المبلغ عنها منخفضة، مع استمرار إغلاق الشركات، ما أفضى إلى ارتفاع نسب البطالة بين الشباب في الصين.

عاملة صحية في كشك اختبار كوفيد بشارع في شنجهاي الشهر الفائت

إشارات قليلة

بينما يستعد شي لتمديد فترة ولايته، زعيمًا للصين، لـ5 سنوات أخرى، خلال مؤتمر الحزب الشيوعي، الذي انطلقت أعمال دورته الـ20، هذا الأسبوع، قالت “وول ستريت جورنال” إنه لم يبعث سوى بإشارات قليلة عن احتمالية تغيير مسار أولوياته.

وأشارت في تقريرها إلى أن شي دافع في خطابه بالمؤتمر عن سياسته “صفر كوفيد” المثيرة للجدل، مدعيًا أنها تحمي حياة الصينيين وصحتهم إلى أقصى حد ممكن. ولكن وفي خطوة مفاجئة، أمس الاثنين، أرجأت الصين إصدار بيانات الربع الثالث عن ناتجها المحلي الإجمالي، الذي كان مقررًا طرحه، اليوم الثلاثاء، دون إبداء أي أسباب.

شاغل اقتصادي طويل المدى

أحد الشواغل الاقتصادية طويلة المدى في الصين، يتلخص في منح الأولوية للشركات المملوكة للدولة، في مقابل الضغط على القطاع الخاص، في تحول لافت عن المسار الذي سلكه الزعيم الصيني السابق، دينج شياو بينج، منذ بدء فترة “الإصلاح والانفتاح” في 1978.

وفي هذا الإطار، سخر شي سلطات الدولة لتحييد أقطاب القطاع الخاص البارزين. وفي خضم التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة، كثّف جهوده لتقليل اعتماد الصين على التكنولوجيا الأجنبية، موجهًا مزيدًا من رأس المال إلى الصناعات التي تعدُّها بكين مهمة استراتيجيًّا، مثل الذكاء الاصطناعي، ورقائق أشباه الموصلات.

نمو الصين

تباطؤ وهشاشة

التحول، الذي أحدثه شي، تسبب في تباطوء الإنتاجية ونمو الأجور، بجانب هشاشة الأسواق المالية الصينية، وزيادة تردد الشركات الغربية، أو ضعف رغبتها في الاستثمار ببكين.

وفي خضم ذلك، يتوقع أن تكافح الصين للحفاظ على نمو يزيد على 3% سنويًا، بحلول منتصف هذا العقد، ما لم تُجر الحكومة تعديلات لمواجهة تقلص عدد السكان، وضعف الإنتاجية، حسبما خلصت دراسة حديثة أجراها مركز “جيو إيكونوميكس” التابع للمجلس الأطلسي، وهو مركز بحثي بواشنطن، بالتعاون مع مجموعة “روديوم”، في إطار شراكة بحثية اقتصادية يقع مقرها في نيويورك.

إمكانيات النمو

يوجد دلائل أيضًا تشير إلى مشكلات تتعلق بإمكانيات النمو في الصين. ويقدر تحليل لصندوق النقد الدولي بأن متوسط ​​النمو في الإنتاجية بالصين بلغ 0.6% فقط، في أغلب العقد الماضي، تحت مظلة شي، وهو انخفاض حاد من متوسط ​​3.5% في الـ5 سنوات المنقضية.

ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن إنتاجية الشركات الحكومية بالصين لا تتجاوز 80% من إنتاجية الشركات الخاصة، وعادة ما تكون أقل ربحية. ولدى شركة “بتروتشاينا” المملوكة للدولة، المشاركة في الجهود الصينية لتقليل الاعتماد على الطاقة الأجنبية، أكثر من 400 ألف موظف، وهو 6 أضعاف عدد موظفي “إكسون موبيل” الأمريكية.

مخاوف داخلية

بالتوازي، قالت “وول ستريت جورنال” إن النهج السياسي القمعي القائم على فرض السيطرة، الذي يتبعه شي، أزعج قادة كبار داخل الصين، يرون أن البلاد يجب أن تكمل المسار الذي حدده الزعيم الصيني الأسبق، دينج، وفق مسؤولون مشاركون في صنع السياسات الصينية.

وفي تلك الأثناء، يبدو أن الرجل الثاني بعد شي، ورئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانج، كان يستغل أحيانًا المخاوف داخل صفوف الحزب الشيوعي بشأن نمو الصين المتعثر.

لي كه تشيانج

لي كه تشيانج

“حرق بقعة دماء”

بعد وقت قصير من اجتماع لقادة الحزب الشيوعي في بلدة بيداهي الساحلية، أغسطس الماضي، أجرى رئيس الوزراء الصيني رحلة إلى مدينة شنجن، مهد التحول الاقتصادي. وفي لفتة رمزية، وضع إكليل زهور على تمثال كبير لدينج.

وقال لي، أمام حشد من أنصاره، إن “الإصلاح والانفتاح يجب أن يمضيا قدمًا”، وفق مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع عبر شبكات اجتماعية صينية، مشبهًا عملية تحرير الاقتصاد الصيني بـ “حرق بقعة دماء”.

حلم الصين

أسس شي نهجًا مختلفًا، فور توليه منصبه في العام 2012. وحرصًا على تعزيز مستويات المعيشة، في إطار خطته المسماة “حلم الصين”، من أجل النهوض بالأمة الصينية، دعا الشركات الحكومية إلى العمل، مثل الشركات التجارية، والمدن والمقاطعات إلى إصلاح مواردها المالية، والحكومة إلى تعزيز ريادة الأعمال.

وبمرور الوقت، ساورت شي شكوكًا حيال قوى السوق، والطريقة التي قد تهدد بها استقراره السياسي، لا سيما بعد اضطراب سوق الأسهم الصينية في عام 2015، حسبما قال أشخاص وصفتهم “وول ستريت جورنال” بأنهم مطلعون.

قوة اشتراكية حديثة

في الوقت نفسه، أضحى شي أكثر يقظة بشأن تهديدات من المحتمل أن تمس سيادة الحزب الشيوعي، من أباطرة القطاع الخاص الصينيين، أمثال المؤسس المشارك لمجموعة “علي بابا” للتجارة الإلكترونية في بكين، جاك ما، فضلًا عن الموقف الأمريكي المتشدد على نحو متزايد تجاه الصين.

وأفسحت التغييرات الموجهة نحو السوق الصينية الطريق لمبادرات تهدف إلى تعزيز سيطرة الحزب وجعل الصين، على حد تعبير شي، “قوة اشتراكية حديثة”. وتهدف السياسات الاقتصادية التي تقودها الدولة إلى تقليل اعتماد بكين على واردات غربية، وجعلها رائدة في التقنيات الجديدة، توازيًا مع انتزاع الديون من النظام المالي وإعادة توزيع الثروة.

الحزب الشيوعي الصيني

حملة قمع شبه شاملة

شنت بكين حملة قمع شبه شاملة على عمالقة التكنولوجيا الخاصة، الذين ينظر إليهم على أنهم يتحدون حكم شي الاستبدادي، بالأخص في القطاعات التي غامرت في مجالات تمس أيديولوجية الحزب، مثل الدروس الخصوصية والترفيه.

وأبرزت الصحيفة، في هذا الصدد قصة، رجل أعمال نال الدكتوراه في تكنولوجيا التعليم بالولايات المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمان، واستثمر في بناء منصة لتعلم الإنجليزية بالصين، لخدمة أكثر من 15 مليون طالب. لكنه ترك الشركة، العام الماضي، بعد انخفاض عدد عملائها 80% في حملة بكين على شركات التعليم الخاص، التي يخشى شي أن تكلف الآباء، وتصبح في الواقع نظامًا تعليميًّا بديلًا.

«كأنك تربي طفلًا ثم يرحل فجأة»

رجل الأعمال، الذي لم تسمه “وول ستريت جورنال”، شبه الأمر بالقول: “كأنك تربي طفلًا لـ 15 عامًا، ثم يرحل فجأة”، مشيرًا إلى أنه بدأ منذ ذلك الحين يجري أبحاثه من مختبر ممول من الحكومة في علم الأحياء الحاسوبي، ذلك المجال الذي يمثل أولوية استراتيجية للصين، في حين يفكر في العودة إلى الولايات المتحدة.

رجل أعمال آخر يدعى روك صن، روى أنه غادر الصين خلال الصيف، بعد أن حظرت الحكومة المعاملات ذات الصلة بالعملات المشفرة، وذلك على وقع مخاوف من تقويض تلك العملات اللامركزية مجهولة الهوية لسيطرة الدولة على النظام المالي.

تصويب مسار

بالنظر إلى تراجع شي عن سياسات أبعدت الصين عن اقتصاد السوق، بما في ذلك حملة “الرخاء المشترك” التي دعت رواد الأعمال إلى تقاسم ثرواتهم، فمن غير الواضح ما إذا كانت التنمية الاقتصادية ستظل مهمة مركزية في صدارة أولويات الحزب الشيوعي أم لا.

وفي منتدى اقتصادي استضافته بكين في يونيو المنقضي، دعا رئيس ومؤسس شركة الائتمان الصينية “تشانجشين”، ماو تشن هوا، إلى تصويب للمسار لإعادة الاقتصاد الصيني إلى مساره الصحيح.

ربما يعجبك أيضا