انسحاب روسيا من خيرسون الأوكرانية.. صفعة أم خدعة؟

رنا أسامة

سحبت موسكو قواتها من مدينة أوكرانية مهمة، وسط غضب روسي وتشكيك أوكراني وتوقع أمريكي، فهل يغير ذلك من مسار الحرب؟


في نكسة جديدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سحبت موسكو قواتها من مدينة خيرسون المهمة الواقعة جنوبي أوكرانيا.

وأمر وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، أمس الأربعاء 9 نوفمبر 2022، قواته بالانسحاب كاملًا من مدينة خيرسون، وبناء خطوط دفاعية على الضفة المقابلة لنهر دنيبرو، حسب ما نشرت وكالة أنباء “رويترز”.

نقطة تحول

الانسحاب الروسي من خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها موسكو بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، يمثل أحد أهم الانتكاسات الروسية، ونقطة تحول محتملة في الحرب التي يوشك شهرها التاسع على الانتهاء، وفق “رويترز“.

وفي اجتماع غاب عنه بوتين ونقله التليفزيون الحكومي الروسي، أبلغ قائد العمليات الروسية في أوكرانيا، سيرجي سوروفيكين، وزير الدفاع الروسي بأنه لم يعد ممكنًا الاستمرار في إمداد خيرسون.

قرار بالغ الصعوبة

متحدثًا على منبر، أشار قائد العمليات الروسية إلى مواقع القوات الروسية على خريطة رمادية اللون، شارحًا لكبار ضباط الجيش الروسي أنه “بعد تقييم شامل للوضع الحالي، نقترح اتخاذ إجراءات دفاعية على طول الضفة اليسرى (الشرقية) لنهر دنيبرو”.

وتابع الجنرال الروسي: “أفهم أن هذا قرار بالغ الصعوبة، لكننا سنحافظ من خلاله على الشيء الأهم، أرواح جنودنا (الروس)، وكذلك الفعالية القتالية لتجمع القوات (الروسية)، الذي لا جدوى من بقائه على الضفة اليمنى في منطقة محدودة”، في إشارة إلى منطقة خيرسون، وفق رويترز.

وزير الدفاع الروسي وقائد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا

وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، وقائد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا سيرجي سوروفيكين

تقدم أوكراني وسباق روسي

قالت “رويترز” إن الانتكاسة الروسية الجديدة تأتي بعد أسابيع من التقدم الأوكراني نحو خيرسون، في وقت تسابق فيه روسيا لإجلاء أكثر من 100 ألف شخص من الضفة اليمنى إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، في حين نددت أوكرانيا بأعمال التهجير التي عدتها “ترحيلًا”.

وخيرسون، تلك المدينة الرئيسة في منطقة تحمل الاسم نفسه، هي إحدى 4 مناطق أوكرانية أعلن بوتين في سبتمبر الماضي ضمها إلى روسيا “إلى الأبد”، وقال الكرملين إنها الآن تحت المظلة النووية لموسكو، في وقت حذر فيه الدب الروسي من أن موسكو ستحمي “بالوسائل الممكنة” ما تعده أراضيها، ملوحًا باستخدام النووي.

 

جنود أوكرانيون وقت الانسحاب الروسي من خيرسون

تشكيك أوكراني

على الرغم من إعلان روسيا انسحابها، شككت أوكرانيا في أن يكون الأمر مجرد “خدعة”، لجر قواتها إلى فخ محتمل، لكن بحلول نهاية أمس الأربعاء، بات المسؤولون الأوكرانيون أكثر ثقة بأن الانسحاب حقيقي، خاصة بعد أن تمكن جنود أوكرانيون من دخول قرى على الخطوط الأمامية، كانت خاضعة لسيطرة الروس، حسب صحيفة “نيويورك تايمز“.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن العقيد بالجيش الأوكراني، رومان كوستينكو، قوله: “لدينا مؤشرات على انسحابهم (الروس)، بنقل المعدات الثقيلة أولًا ثم قوات المشاة”. وأضاف كوستينكو الذي يرأس لجنة الدفاع والاستخبارات بالبرلمان الأوكراني: “نراهم يغادرون تجمعات سكانية، لكنهم يتركون في بعض منها جنودًا لتغطية تحركاتهم”.

توقع أمريكي

في مؤتمر صحفي بالبيض الأبيض مساء أمس الأربعاء، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن الانسحاب من خيرسون دليل على أن الجيش الروسي يواجه “مشكلات حقيقية” في أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه كان يتوقع حدوث هذا “في وقت ما”.

وجاء تعليق بايدن غداة انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، التي تشير إلى أن حزبه الديمقراطي يفقد السيطرة على مجلس النواب الأمريكي لصالح الحزب الجمهوري المعارض، في حين لاحظ سيد البيت الأبيض أنه من “المثير للاهتمام” أن موسكو “انتظرت إلى ما بعد الانتخابات” لإعلان انسحابها، وفق ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

صورة مركبة لبوتين وبايدن 1

ترحيب روسي

فيما تجنب بوتين المشاركة في إعلان “الهزيمة المحرجة”، رحب اثنان من حلفائه الرئيسين، الذين كانوا ينتقدون أداء القوات الروسية في السابق، بالانسحاب، فقال الزعيم الشيشاني، رمضان قديروف، إن الجنرال سوروفكين تصرّف “كجنرال عسكري حقيقي لا يخشى النقد”.

وقال يفجيني بريجوزين، وثيق الصلة بالدب الروسي ومؤسس مجموعة “فاجنر” النظامية شبه العسكرية، إنه رغم أن الخطوة لا تنطوي على انتصار، “فإنه من المهم أن لا تتألم وأن لا تصاب بجنون العظمة، ولكن من الضروري استخلاص النتائج والعمل على تصحيح الأخطاء”، وفق “بي بي سي”.

انسحاب حتمي

في خطابه الليلي، أمس الأربعاء، قال الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، إن بلاده تنظر “بحذر شديد” إلى إعلان الانسحاب الروسي. وأضاف، في رسالته اليومية، إلى الأوكرانيين: “العدو لا يعطينا هدايا، عندما تقاتل عليك أن تفهم أن كل خطوة تكون دائمًا مقاومة من العدو”.

ورأى مستشار زيلينسكي، أوليكسي أريستوفيتش، أن الانسحاب الروسي كان حتميًّا في وقت قضمت فيه القوات الأوكرانية الدفاعات الروسية منهجيًّا، في حين قالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، هانا ماليار، إنه “من المستحيل تصديق كلام الروس، فمعهم يجب أن تكون دائمًا على استعداد لأي شيء”، وفق نيويورك تايمز.

قوات أوكرانية

صفحة سوداء

الانسحاب الروسي من خيرسون، الواقعة على حدود شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها موسكو في 2014، كان متوقعًا من طرف مدونات حربية مؤثرة في روسيا عدته “صفعة مريرة” لسيد الكرملين. وجاء في مدونة “وور جونزو”: “من الواضح أننا سنغادر المدينة (خيرسون)، رغم مرارة ألم الكتابة عن ذلك الآن”.

وتابعت المدونة، التي تضم أكثر من 1.3 مليون مشترك على موقع “تليجرام”: “بعبارات بسيطة، لا يمكن الحفاظ على خيرسون بيدين مجردتين، إنها صفحة سوداء في تاريخ الجيش الروسي والدولة الروسية، صفحة مأساوية”.

أخطر هزيمة عسكرية

مدون عسكري روسي آخر، يدعى يوري كوتيونوك، رأى أن الانسحاب الروسي من خيرسون “قرار صادم لآلاف وملايين الأشخاص”، ممن يؤمنون بروسيا ويقاتلون ويضحون بحياتهم من أجلها. وكذلك وصفه المحلل العسكري الروسي، بوريس روزين، بأنه “أخطر هزيمة عسكرية للاتحاد الروسي منذ تشكيله في عام 1991”.

وكتب روزين عبر “تليجرام”: “إذا لم (تحقق القوات الروسية) أي نجاحات مقبلة مع (استمرار انسحابها) من بلدات (أوكرانية) رئيسة، فإن سلسلة الانتكاسات العسكرية ستراكم استياءً داخليًّا أكبر بكثير من عواقبها”، حسب “نيويورك تايمز”.

خيرسون

براجماتية بوتين

المحللة السياسية الروسية، تاتيانا ستانوفايا، كان لها رأي آخر، في مقابلة عبر الهاتف مع “نيويورك تايمز”، قالت رئيسة شركة “آر بوليتيك” للتحليل، إن الانسحاب الروسي “يثبت مدى براجماتية بوتين، إنه ليس مجنونًا كما كنا نظن”.

ومن غير الواضح تداعيات ذلك الانسحاب على أي محادثات سلام محتملة، في وقت شدد فيه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وكبار مساعديه هذا الأسبوع، على أن إجراء مفاوضات مرهون بمغادرة القوات الروسية بالكامل، فضلًا عن دفع تعويضات لأوكرانيا.

قصف محتمل

حذر مسؤولون أوكرانيون من احتمالية قصف روسي محتمل لخيرسون، بعد الانسحاب منها، بالمدفعية عبر نهر دنيبرو، أو بفيضانات قد تنجم عن قصف صاروخي لسد “كاخوفكا” للطاقة الكهرومائية في جنوب أوكرانيا، الذي تبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بالتخطيط لمهاجمته، لا سيما أنه آخر طريق يربط الروس عبر النهر.

ومن شأن استعادة القوات الأوكرانية الضفة الغربية لنهر دنيبرو، تمكينهم من قطع المصدر الرئيس للمياه العذبة لشبه جزيرة القرم الخاضعة لسيطرة روسيا، وتحويله إلى قناة تربط نهر دنيبرو بشبه الجزيرة، وفق “نيويورك تايمز”.

ربما يعجبك أيضا