«فورين أفيرز»: مؤشرات على اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في 2023

شروق صبري

كان عام 2022 هو الأكثر دموية منذ الانتفاضة الثانية، إذ قتلت إسرائيل 151 فلسطينيًّا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، و53 في غزة.


توقع محلل سياسي أمريكي أن يشهد العام الحالي 2023 انتفاضة فلسطينية ثالثة، بعد انتفاضتي عامي 1987 و2000.

ويتزامن هذا التوقع مع تحذير الأمم المتحدة من أن العنف المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وصل إلى مراحل متقدمة ومقلقة من التصعيد، تعززه التحركات الاستيطانية من جهة، وتنامي الحركات المسلحة الفلسطينية من جهة أخرى.

التوقعات في 2023 غير مبشرة

نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، يوم 7 فبراير 2023، مقالًا للزميل في مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز، دانيال بيمان، أشار فيه إلى أن التطورات الخطيرة على الصعيد الإسرائيلي والفلسطيني تتصاعد، وأن التوقعات لعام 2023 تبدو غير مبشرة.

ويدلل بيمان على توقعاته بأنه في 26 يناير 2023، شنت إسرائيل غارة على مخيم للاجئين في جنين، أسفرت عن مقتل 9 فلسطينيين، أعقبه هجوم فلسطيني على معبد يهودي في القدس، أسفر عن مقتل 7 إسرائيليين.

جانب من اجتماع أمني إسرائيلي بحضور نتنياهو

جانب من اجتماع أمني إسرائيلي بحضور نتنياهو

مؤشرات دموية لعام 2022

حسب بيمان، كان عام 2022 هو الأكثر دموية منذ الانتفاضة الثانية، إذ قتلت إسرائيل 151 فلسطينيًّا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وقتلت في غزة 53 فلسطينيًّا خلال اشتباكات مع حركة الجهاد الإسلامي، وهو ما يقرب من ضعف العدد عام 2021.

ويرى بيمان أن إسرائيل أيضًا عانت زيادة عدد قتلاها عام 2022، إذ قتلت الهجمات الفلسطينية 31 إسرائيليًّا. ويزعم الجيش الإسرائيلي أن فلسطينيين أطلقوا النار على القوات الإسرائيلية قرابة 300 مرة، مقابل 61 في عام 2021، وارتفعت كذلك حوادث رشق الحجارة وعبوات المولوتوف والقنابل الحارقة.

وسبقت توقعات بيمان بشأن مستقبل الصراع في عام 2023، تحذيرات من الأمم المتحدة في نوفمبر 2022، من أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وصل مرة أخرى إلى نقطة الغليان.

أكبر تحدٍّ لإسرائيل في عام 2023

نقلت “فورين أفيرز” عن أحد كبار مسؤولي المخابرات الإسرائيلية أميت سار، أن العنف في الضفة الغربية وفي غزة سيمثل ثاني أكبر تحدٍّ لإسرائيل في عام 2023، وهو أقل بقليل من التهديد الدائم من إيران.

ويرى سار أن الحكومة الإسرائيلية السابقة، برئاسة رئيسي الوزراء المتناوبين نفتالي بينيت ويائير لابيد، لم تكن أفضل من الحكومات السابقة، فرغم أنها عملت على تحسين الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصدرت عددًا من التصاريح لعمال غزة، وألغت مستوطنة مخططة في القدس الشرقية، سقط في حكمها أكثر 9 آلاف مصاب فلسطيني، ولقي 151 مقتلهم، بينهم 30 طفلًا برصاص إسرائيلي.

ووفقًا للمجلة الأمريكية، حذر سار من العنف المتزايد وفشل التعامل معه، ومن انهيار قدرة الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية، وهيئة الحكم في الضفة الغربية وعلاقتها بإسرائيل، مع عدم وجود عملية سياسية تبشر بالاستقلال الفلسطيني.

علامات انتفاضة ثالثة

يعتقد دانيال بيمان، حسب مقاله، أن الأمر الذي ينذر بالخطر هو وجود غضب فلسطيني من الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، والأكثر خطورة أنه في ديسمبر 2022 أنشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حكومة جديدة وضعت المستوطنين والمتطرفين السياسيين والعنصريين في مناصب رئيسة تشرف على الضفة الغربية.

ويرجح بيمان أن تستفز الحكومة الإسرائيلية الحالية الفلسطينيين، وتضم سياسيين يسعون لتوسيع وجود المستوطنين والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. وكل هذا يقود إلى استنتاج حتمي، هو اندلاع انتفاضة ثالثة أخطر مما كانت عليه منذ سنوات.

ظهور جماعات جديدة

يشير بيمان إلى خطر آخر، هو ظهور مجموعات فلسطينية مسلحة جديدة في الضفة الغربية، منها “كتائب جنين” عام 2021، وهي تتلقى الدعم من حركة الجهاد الإسلامي، وانضم إليها شباب من حركتي فتح وحماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى ظهور مجموعات “عرين الأسود” عام 2022.

وحسب بيمان، تتمتع هذه الفصائل الجديدة بمتابعات كبيرة على الإنترنت، وتستخدم “تيك توك” ومنصات أخرى للوصول إلى الشباب الفلسطيني، ورغم أنها ضعيفة التنظيم، وتفتقر إلى مهارة وحجم حركة فتح أو حماس، تتبنى فكرة العنف غير المنظم واسع النطاق، والهجمات المنفردة.

الكنسيت يصادق على حكومة نتنياهو اليمينية

الكنسيت يصادق على حكومة نتنياهو اليمينية

الاستياء من السلطة الفلسطينية

يوضح بيمان أن هذا الانقسام يعكس مشكلة واجهتها إسرائيل في الانتفاضة الثانية، عندما فقدت إمكانية الوثوق بشريكها الفلسطيني لأن السلطة الفلسطينية لم تستطيع قمع العنف، منوهًا بأنه إذا كان عدد كبير من أعضاء حركة فتح الشباب يدعم العنف اليوم، فقد يقدم هؤلاء على تهميش الفصيل السلمي والضغط على التنظيم ليكون أكثر تشددًا.

وحسب بيمان، ازداد الاستياء بشدة من السلطة الفلسطينية التي تهتز شرعيتها أمام العمليات العسكرية الإسرائيلية واستفزازات المستوطنين، وتظهر أمام المواطنين على أنها هشة. ويشير نمو المستوطنات إلى أن السلطة الفلسطينية “متواطئة أو على الأقل ليست لديها وسيلة لمعارضة سيطرة إسرائيل المتزايدة على الضفة الغربية”.

أسباب الانتفاضة الثانية

أشعل زعيم المعارضة الإسرائيلية أرييل شارون، الانتفاضة الثانية عام 2000، بزيارة استفزازية لساحات المسجد الأقصى، أثارت غضب الفلسطينيين، وأدت إلى مزيد من الاحتجاجات، ما أدى إلى حملة إسرائيلية أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين.

ووقتها أصاب الفلسطينيين الإحباط من عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، التي رفعت آمال الاستقلال في البداية، ولكنها توقفت.

توقف المفاوضات

أدت المفاوضات إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، التي ترأسها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وتتألف إلى حد كبير من مسؤولين من حركة فتح، وهي المنظمة التي شارك في تأسيسها.

وفي التسعينات، اعتقد الفلسطينيون أن إسرائيل تتباطأ في المفاوضات، وترفض تقديم تنازلات، وتؤخر نقل الأراضي، وتسببت في خراب الاقتصاد الفلسطيني من خلال القيود على الحدود والسفر.

واستغلت حماس والفصائل داخل فتح هذا الشعور، ومع توقف مفاوضات السلام في التسعينات، أقدمت جماعات فلسطينية، بمعرفة عرفات، على التسلح من أجل صراع قادم. وعندما فشلت محادثات كامب ديفيد في عام 2000، اغتنمت تلك الجماعات اللحظة.

خدعة السلام

حسب بيمان، اعتقدت الجماعات الفلسطينية أن استخدام العنف هو أفضل وسيلة للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات، ولطردها من الضفة الغربية وغزة بالكامل، حيث هاجمتها بدعم من دول عربية وإسلامية.

وفي ظل تصاعد المقاومة، زعم الإسرائيليون أن المفاوضات خدعة، وأن عرفات لم يكن راغبًا في السلام، وأن الفلسطينيين عمومًا مصرون على الصراع، رغم التنازلات التي قدمتها إسرائيل في كامب ديفيد.

وتوصل الفلسطينيون إلى نتيجة مماثلة في الاتجاه المعاكس، ورأوا في عملية السلام سبيلاً لإسرائيل إلى تعزيز احتلالها للأراضي الفلسطينية.


نهاية الانتفاضة

يوضح بيمان أنه بعد عدة سنوات، تلاشت الانتفاضة الثانية، وأعلنت الجماعات الفلسطينية المسلحة الرئيسة، بما فيها حماس، وقف إطلاق النار في عام 2005، وتراجع القتال في السنوات التي تلت ذلك، ووافقت كتائب شهداء الأقصى على وقف إطلاق النار أيضًا، لكن المفاوضات لم تضع حدًّا للعنف.

وكانت آخر مرة فيها لدى الإسرائيليين والفلسطينيين أمل حقيقي للسلام في أواخر التسعينات، ومنذ ذلك الحين تزايدت شكوك الجانبين، إذ يشير الفلسطينيون إلى احتلال مكثف وتوسيع المستوطنات باستمرار، كدليل على أن إسرائيل لا ترغب في مغادرة الضفة الغربية.

ويرى الإسرائيليون في المقابل عنف الانتفاضة الثانية وتولي حماس السلطة بعد الانسحاب من غزة دليلًا على أن التنازلات، بما فيها مغادرة منطقة ما، سيقابلها الفلسطينيون بالعنف، وكذلك يعتقد معظم الإسرائيليين أنهم “سيعيشون دائمًا بالسيف”.

لا سلام

وفقًا لدراسة أجراها معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، وصل دعم السلام عن طريق التفاوض في عام 2022، إلى أدنى مستوى له منذ بدء المؤشر في عام 2003.

وحسب الدراسة، عزز عام 2022 حقيقة أنه لا توجد عملية سياسية على الإطلاق، مع تراجع دعم محادثات السلام وسط تصعيد الصراع، وهو ما يقلل الدعم الشعبي لمحادثات السلام بين الجانبين.

ربما يعجبك أيضا