«فاجنر» والذهب.. ماذا وراء زيارة وزير الخارجية الروسي إلى السودان؟

شروق صبري

في حين يفرض الغرب عقوبات اقتصادية كبيرة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، تتجه موسكو لفك الحصار بالتوسع في إفريقيا.


في تحدٍ للعقوبات الغربية، وصل وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى العاصمة السودانية، الخرطوم، ضمن جولة إفريقية شملت مالي وموريتانيا.

وتعد تلك ثاني زيارة لرئيس الدبلوماسية الروسية إلى إفريقيا، هذا العام، وكان محورها تصوير موسكو كقوة مناهضة للإمبريالية، مستغلة الاستياء من الاستعمار الغربي والقمع في القارة السمراء، وكذلك فشل المقاربة الأوروبية في مكافحة الإرهاب ونشاط الجماعات المسلحة.

عزل موسكو

سلطت صحيفة الإندبندنت البريطانية الضوء على زيارة لافروف، وأشارت إلى تصريح الوزير الروسي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوداني، علي الصادق، بأن موسكو تقدر اهتمام الخرطوم بالاستثمارات الروسية، وأن الشركات الروسية تدرس المزيد من الفرص لتنفيذها.

وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة أكبر دبلوماسي روسي إلى إفريقيا تسعى لتعزيز العلاقات وتوسيع النفوذ، في وقت يسعى فيه الغرب لعزل موسكو، بفرض عقوبات عليها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

زيارة وزير الخارجية الروسي للسودان

شركات جديدة وقاعدة بحرية

في مستهل زيارته للسودان، أجرى لافروف محادثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبدالفتاح البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو، الذي قالت الإندبندنت إنه يرأس قوة شبه عسكرية قوية في إشارة إلى “قوات الدعم السريع”،

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الاجتماعات ركزت على تحسين التعاون بين البلدين، مشيرة إلى أن لافروف أقر، خلال مؤتمر صحفي في السودان، بوجود شركات تعدين روسية في البلاد، قال إنها تعمل أساسًا في مجال تطوير قاعدة الموارد المعدنية.

ونقلت وكالة “بلومبيرج” الأمريكية عن لافروف قوله إن “بلاده تنتظر الموافقة التشريعية من السودان على قاعدة بحرية مزمعة على البحر الأحمر”، مضيفًا أن الاتفاق الموقع بالفعل يحتاج إلى تصديق، لتعزيز التحالفات في الدولة الواقعة شمال إفريقيا.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في السودان 1675960336 0

«فاجنر» تسيطر على مناجم الذهب في السودان

وفق تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، فإن مجموعة فاجنر المسلحة، المقربة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لها وجود قوي في المقاطعات النائية بالسودان.

ونقلت الوكالة الأمريكية عن مسؤولين سودانيين قولهم إن القادة العسكريين سمحوا لفاجنر بالسيطرة على مناجم الذهب المختلفة، مقابل أن توفر لهم التدريب العسكري والاستخباراتي.

النفوذ الروسي في إفريقيا

تطرقت وكالة بلومبيرج لتصريحات لافروف، التي قال فيها إن روسيا تفضل “عدم التدخل” في الشؤون الداخلية للسودان، متهمًا الغرب بـ”مطاردة” روسيا، خصوصًا أن زيارته للسودان تتزامن مع زيارة مبعوثين أمريكيين وأوروبيين لها.

وعلقت الإندبندنت على هذه التصريحات بالقول: “إذا كان الغرب يلاحق روسيا، فلا يمكن إنكار أن النفوذ الروسي المتزايد في إفريقيا، الذي بدا واضحًا في بوركينا فاسو، في يناير 2023، حين لوّح المتظاهرون الذين أدانوا فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بالأعلام الروسية في شوارع العاصمة واجادوجو.”

دعم الحكومات العسكرية

علقت أستاذة العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الإفريقية، هبة البشبيشي، على الوجود الروسي في إفريقيا في تصريح لشبكة رؤية الإخبارية، موضحة أن مجموعات فاجنر العسكرية لها وجود منذ فترة في ليبيا وتشاد ومالي ونيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال ومنطقة غرب إفريقيا”.

وترى خبيرة الشؤون الإفريقية أن النفوذ العسكري الروسي، من خلال مجموعة فاجنر، مكّن المجموعات العسكرية في الدول الإفريقية من السيطرة على الدولة، كما حدث في مالي وجمهوريات وسط إفريقيا.

حلفاء غير تقليديين

قالت البشبيشي إن الأمر المستجد حاليًّا، هو الوجود الدبلوماسي الروسي الصريح، ودعمها للحكومات الانتقالية، كما هو الحال في السودان، موضحة أن روسيا تبحث عن حلفاء غير تقليديين في العالم، بعدما تخلت عنها القارة الأوروبية، وبات ينظر لها على أنها دولة منبوذة سيئة السمعة.

هبة البشبيشي
وأوضحت أنه في الوقت الحالي، تبحث روسيا عن دعم خارجي، وعلاقات بعيدة عن الدائرة الأوروبية والأمريكية ودول أمريكا اللاتينية، وبدأت البحث عن حلفاء جدد، مثل إيران والصين، وبعض الدولة الإفريقية، التي ساندت موقفها في الحرب الروسية الأوكرانية، وسط حالة من حالات الاستقطاب، التي تكشف عن تقسيم العالم بصورة جديدة.

المقايضة مقابل الذهب

علقت خبيرة الشؤون الإفريقية أيضًا على سيطرة جماعة فاجنر على مناجم الذهب في السودان، بأنه أهم معدن على مستوى العالم، ويقيّم به أي سلعة في الوقت الحالي، ومقايضة السلاح الروسي بالذهب هي الأفضل حاليًّا، لأن موسكو بحاجة لسلاح من إيران والصين ومنطقة شرق آسيا، وبالتالي تقايض عليه بالذهب، الذي تسيطر عليه مجموعات فاجنر من السودان وبعض الدول الإفريقية.

وتعتقد البشبيشي أنه في ظل تخلي الدول عن التعامل بالدولار الأمريكي، تتجه روسيا للمقايضة أيضًا على الحبوب في الدول الإفريقية والصناعات الروسية بالذهب. فمن المتوقع أن يكون الذهب هو العملة الدولية للمقايضة على السلع على مستوى العالم.

أمريكا تتصدى للوجود الروسي

أشارت البشبيشي، في حديثها مع شبكة رؤية الإخبارية لإعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في العام 2020، إقامة قواعد عسكرية في منطقة غرب إفريقيا، لإزاحة الوجود العسكري الروسي من القارة، موضحة أن الخطة الدفاعية الأمريكية غير واضحة، حتى الآن.

ونوهت بوجود مخاوف من أن تنقلب إفريقيا لساحة صراع بين أمريكا وروسيا، كما حدث في أوكرانيا، كأن تدخل مجموعات مسلحة إفريقيا، وتفرض أمريكا عقوبات دولية، أو أن تحدث مناوشات بين قوات روسية وأخرى أمريكية، وهذا من المتوقع أن يحدث في منطقة غرب إفريقيا، وتحديدًا في مالي وتشاد والنيجر ونيجيريا.

خلق نفوذ روسي في إفريقيا

قال الصحفي المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، خالد محمد ايجيح، من أرض الصومال، لشبكة رؤية إن روسيا، كسائر الدول الكبرى، لديها مصالح في دول إفريقيا، التي قال إن لديها خيرات كثيرة وتسيطر على ممرات مائية وتجارية مهمة جدًا، لذلك تتجه إليها موسكو للحصول على ثرواتها وبيعها الأسلحة، وإنشاء نفوذ في العديد من الدول، مثل مالي والسودان ودول وسط وغرب إفريقيا.

ورأى ايجيح أن التحرك الروسي في إفريقيا لفت انتباه الدول الغربية، التي تتنافس على موارد إفريقيا كما حدث بعد مؤتمر برلين عام 1884، الذي قال إنه كشف عن محاولة موسكو السيطرة على ميناء بربرة في الصومال، وإنشاء قاعدة عسكرية هناك، إلا أن أمريكا سبقتها بإنشاء علاقات عسكرية مع مقديشو، وخرج الكونجرس حينها بقانون خاص بشأن التعاون العسكري مع الصومال.

ماذا تستفيد إفريقيا من الوجود الروسي؟

قال ايجيح إن الوجود الروسي يفيد إفريقيا من الناحية العسكرية، وليس التنموية، التي تتكفل  بها الصين على نحو أفضل، وفق تعبيره، مشيرًا إلى أن إفريقيا تحاول الاستفادة من روسيا، عبر  استخراج ثروات الأرض، وتدريب الكوادر الوطنية، وفي التعاون العسكري.

WhatsApp Image 2023 02 10 at 11.35.01 AM

أضاف أن روسيا تستفيد أيضًا من الوجود في إفريقيا، لأنها تسيطر على مناجم الذهب، خصوصًا في السودان، وبعد العقوبات الاقتصادية الغربية، وتجميد أرصدتها في البنوك الأوروبية، ووضعت خطة لتغيير الاحتياطي النقدي لديها بالذهب، لشراء ما تحتاجه من الصين أو إفريقياـ سواء المواد الخام لصناعتها الثقيلة أو لاحتياجتها الاستراتيجية.

ربما يعجبك أيضا