ما الأهمية الجيوستراتيجية التي يمثلها انضمام فنلندا إلى الناتو؟ 

محمد النحاس

رغم أن فنلندا تحتاج إلى الناتو لصد أي هجوم روسي محتمل، يحتاج الحلف بدوره إلى البلد الاسكندنافي أيضًا.. فما الفوائد التي ستعود على الجانبين؟


يمثل انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضربة استراتيجية لروسيا، التي يجمعها مع البلد الاسكندنافي حدود 1300 كم. 

وكان أحد أسباب الحرب الروسية ضد أوكرانيا هو منع تمدد الناتو، ولكن المفارقة أن هذه الحرب أدت إلى سعي دول أخرى للانضمام إلى التكتل.. فما الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية التي يمثلها انضمام فنلندا إلى الحلف؟ وكيف يستفيد كلاهما؟

تغير جيوسياسي بارز

من شأن خطوة إقدام فنلندا على دخول حلف شمال الأطلسي أن تمثل تغييرًا كبيرًا في المعطيات الجيوسياسية من منطقة البلطيق وحتى القطب الشمالي، وأن يعزز دفاعات الحلف على الجناح الشرقي، والتي كانت تعد إحدى نقاط ضعف الحلف في مواجهة أي هجوم روسي محتمل.

 وبعد موافقة تركيا على انضمام فنلندا إلى الحلف في 30 مارس 2023، يعني ذلك مزيدًا من العزلة على المدخل الساحلي لروسيا عند مدينة سان بطرسبرج، وفقًا لتقرير لموقع “إذاعة صوت أمريكا”.

GulfofFinlandExplorer 786361642692050 crop 800 600

يُضيّق انضمام فنلندا للناتو الخناق على المدخل الساحلي لروسيا عن طريق خليج فنلندا

معضلة استراتيجية تواجه الناتو

لسنوات كانت قضية دفاع الحلف عن إستونيا، ولاتفيا وليتوانيا، في مواجهة هجوم روسي محتمل، تؤرق قادة الحلف، خاصةً أن ما يربط بين الدول الثلاث والحلف منطقة تسمى سواكي جاب، وهي شريط حدودي بين ليتوانيا وبولندا بطول 65 كيلومترًا.

Suwalki Gap. Source stratfor.com

يمثل الشريط الحدودي البالغ طوله 65 كيلومترًا معضلة استراتيجية لحلف الناتو

وتطل عليها كذلك بيلاروسيا، حليف الكرملين المقرب، وكان يمثل للحلف معضلة استراتيجية، فبمجرد قطع الروس (حال الهجوم) هذا الشريط الحدودي، تنفصل دول البلطيق الثلاث عن إمدادات الحلف بانقطاع الصلة الجغرافية. 

تعزيز الدفاعات وعلاج المعضلة

وفقًا للمحلل العسكري، الزميل البارز في مركز تحليل السياسات الأوروبية يان كالبرج، فإن انضمام فنلندا إلى الحلف سيساعد التحالف في الدفاع عن ذلك الشريط الحدودي الرفيع، حسب ما نقل موقع إذاعة صوت أمريكا.

وبحسب تصريح وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور، فإن انضمام فنلندا سيعزز الدفاع الأمامي للناتو، وسيسهم في ردع أي قوة هجومية، حسب ما جاء في تصريح أدلى به في وقت سابق لـ”فرانس برس”، فيضيف ذلك 70 كيلومترًا إلى حدود الحلف عن طريق فنلندا مع إستونيا، عبر المياه، بما يوفر طرقًا جديدة للإمداد، بدلًا من سواكي جاب.

Gulf of Finland

توفر المسافة بين فنلندا وإستونيا بديلاً حيويًا لسواكي جاب

وبالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لكالبيرج، كانت القوات الجوية للناتو، حتى هذه اللحظة، تعتمد على عدد قليل من المطارات النرويجية التي يمكن استهدافها في وقت مبكر من الصراع، وتضيف فنلندا المزيد من القواعد والممرات الجوية إلى الحلف بما يمكنه من مواجهة أي ضربات تستهدف المطارات ومرابض الطائرات.

قوة الجيش الفنلندي

تقول الزميلة الباحثة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، مينا ألاندر، إن “فنلندا هي إحدى الدول الأوروبية القليلة جدًّا التي لم تتوقف أبدًا عن الاستعداد لحرب محتملة”.

وبينما تراجعت جيوش أوروبا الغربية الأخرى بعد الحرب الباردة، التزمت فنلندا بنموذج تجنيد صُمم من التجربة المريرة لغزو الاتحاد السوفيتي عام 1939، وتجمع فنلندا علاقة تاريخية متوترة مع الروس، ألزمتها اتباع سياسة الحياد إبان الحرب البادرة، خوفًا من أي هجوم روسي.

20181101 JerPal TRJE18 JPG 44 of 49.JPG e1553018833857 scaledويعمل قيد الخدمة العسكرية قوة تصل إلى 280 ألف جندي، ونحو 870 ألفًا في قوة الاحتياط، وتمتلك نظام مدفعية قويًّا ومتطورًا. وحسب وكالة فرانس برس، يتمتع الجيش الفنلندي “بقدرات قتالية عالية وبإمكانهم العمل تحت أقسى الظروف”.

نمو التهديدات في القطب الشمالي

انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي، من شأنه تعزيز تموضع الحلف الجيوستراتيجي، بالقطب الشمالي في ظل ازدياد اهتمام روسيا والصين به، وتزايد التنافس الدولي، بالمنطقة القطبية ذات الأهمية الحيوية.

وفي مقال بمجلة ناشونال إنترست الأمريكية، يقول الكاتبان ماتي بيسو، وسامو بوكونين، إن “التوازن الاستراتيجي في القطب الشمالي، يميل لصالح روسيا، فعلى مدار السنوات الأخيرة، قررت موسكو إعطاء الأولوية لمنطقة القطب الشمالي، بسبب ثرائها بالموارد الطبيعية، علاوةً على أهميتها العسكرية، لقوة عظمى مثل روسيا”.

استعراض قوة روسي

عبّأت روسيا حشودًا عسكريةً كبيرة في المنطقة وأظهرت قدراتها على نحو متكرر من خلال التدريبات، والمناورات، وتجارب إطلاق الصواريخ، ووفقًا للمقال، فقد تجاوز النشاط العسكري الروسي في المناطق الشمالية، مستوياته إبان الحرب الباردة.

وقد اتسعت رقعة النشاط العسكري لموسكو، ففعَّلت ما يسمى “استراتيجية الحصن”، وذلك شمال البحر النرويجي، والمسافة بين جرين لاند وأيسلندا والمملكة المتحدة، آملة بذلك في أن تكون قادرة على منع وصول الناتو إلى المحيط المتجمد الشمالي عن طريق البحر الشمالي تحديدًا.

تعزيز الحضور في القطب الشمالي

لمواجهة هذه التهديدات الأمنية، حدّث الناتو هيكل قيادته، وأعاد  تنشيط القيادة الأطلسية، لحماية الممرات البحرية بين أوروبا وأمريكا الشمالية”، وعلاوة على ذلك، أجرى الحلف عددًا من المناورات قرب القطب الشمالي. 

c3ntq327a7d81وسيكون انضمام فنلندا  مفيدًا للناتو في جهود الانتشار والتموضع بالمناطق المتاخمة للقطب الشمالي، وسيضيف إلى القوة الجوية للحلف 120 مقاتلة من طراز إف 35 بحلول 2030، ولدى فنلندا لواء جيجر، المسؤول عن تطوير تكتيكات، ومعدات الحرب في القطب الشمالي.

ويضيف المقال أن “فنلندا بجيشها القوى والمتطور في وضع يسمح لها بقيادة عملية برية للحلف في شمالي أوروبا”. وتشي كل هذه العوامل بأنّ انضمام فنلندا إلى الناتو سيمثل ضربة استراتيجية للروس، وتمكنًا عسكريًّا للحلف يستطيع به حماية جبهته الشمالية والشرقية على نحو فعال.

ربما يعجبك أيضا