الحرب الباردة الجديدة.. هل ستقسّم إفريقيا؟

آية سيد
الحرب الباردة الجديدة.. كيف ستقسّم إفريقيا؟

الحرب الباردة الجديدة ستتسبب في انقسام إفريقيا بين الصين والولايات المتحدة، وعلى واشنطن الاستعداد لذلك.


نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، اليوم الأربعاء 20 سبتمبر 2023، تحليلًا عن موقف إفريقيا من منافسة القوى العظمى.

وقال الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، بريت كارتر، إن “الحرب الباردة الجديدة ستتسبب في انقسام إفريقيا بين الصين والولايات المتحدة، وعلى واشنطن الاستعداد لهذا الأمر”.

موقف إفريقيا

على الرغم من أن الحكمة التقليدية تقول إن “المنافسة الجيوسياسية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين لن تنتشر إلى الجنوب العالمي، مثلما حدث أثناء الحرب الباردة الأولى”، رأى كارتر أن “هذا لن ينطبق على إفريقيا في الحرب الباردة الجديدة”.

وأشار إلى أن “الديمقراطيات الإفريقية ستتمزق، وسيتحالف بعض القادة مع بكين وموسكو لترسيخ سلطتهم، في حين سيلعب آخرون على الجانبين، بطلب المساعدات والاستثمارات من الولايات المتحدة وخصومها”.

الحرب الباردة الأولى

أثناء الحرب الباردة الأولى، أشعلت الحكومات الإفريقية المنافسة بين موسكو وواشنطن، عبر مقايضة العضوية في التكتلات المتنافسة بالتمويل والأسلحة التي استُخدمت لقمع المطالب المحلية بالديمقراطية.

لكن انهيار الاتحاد السوفيتي أدى إلى تغيير حقيقي في القارة، حسب كارتر. وضغطت الدول الغربية على الحكومات للالتزام بالأعراف الديمقراطية.

وبحلول 1995، كانت نصف حكومات إفريقيا تقريبًا قريبة من أن تصبح أنظمة ديمقراطية، وفي الوقت ذاته، شهدت القارة عددًا أقل من الانقلابات والحروب الأهلية.

وأدى انتشار الديمقراطية وتأثير العولمة إلى انتشال الملايين من الفقر، وتحسن الرعاية الصحية، وازدهار القطاعات التكنولوجية، ومن المتوقع استمرار هذه الاتجاهات.

القوة الناعمة

حسب الأكاديمي الأمريكي، اكتسبت واشنطن قوة ناعمة من هذه التحولات السياسية والاقتصادية الإيجابية، ومن البرامج الصحية والإنمائية، لكن هذا التركيز على الصحة والتنمية ضعف بسبب الاهتمامات الأمريكية الأخرى، خاصة مكافحة الإرهاب.

وخسرت واشنطن القوة الناعمة عبر تقديم التدريب والأسلحة لقوات الأمن الإفريقية، بصرف النظر عن سجلها في حقوق الإنسان، وهذا جعل خطاب واشنطن عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يبدو منافقًا، وفق ما يرى الأفارقة.

وفي المستعمرات الفرنسية السابقة، أذعنت واشنطن لباريس، التي دعمت الأنظمة الديكتاتورية في الكونجو، والجابون، وغيرها، مقابل “النفط الرخيص”.

حملة لكسب الود

الحرب الباردة الجديدة.. كيف ستقسّم إفريقيا؟

الرئيس الصيني في جنوب إفريقيا

بدأت الصين في أن تحل محل الدول الغربية بصفتها الشريك الاقتصادي الرئيس لإفريقيا، وفي 2006، تجاوزت ألمانيا كأكبر مصدر للواردات في إفريقيا.

وفي 2013، حلت مكان الولايات المتحدة كوجهة التصدير الرئيسة لإفريقيا، وفي 2020، كانت مسؤولة عن إنشاءات في إفريقيا أكثر من فرنسا وإيطاليا وأمريكا مجتمعة.

اقرأ أيضًا| حملة «كسب الود».. كيف تفكر الصين في ضبط سياستها الخارجية؟

ووفق كارتر، فتحت مشروعات البنية التحتية التي تدعمها الصين الأسواق ورفعت مستويات المعيشة، وفي الوقت نفسه، خدمت مصالح بكين، وتوددت الصين إلى النخبة الإفريقية للوصول إلى القارة.

نموذج الصين

لفت كارتر إلى أن فهم قيمة بكين لدى القادة الأفارقة مهم لفهم كيف ستقسم الحرب الباردة الثانية إفريقيا، فالتمويل الصيني مناسب لإقامة شبكات المحسوبية وزيادة الثروة الشخصية.

وفي الوقت ذاته، تأتي الاستثمارات الصينية دون ضمانات مكافحة الفساد التي يفرضها الغرب.

ويعمل نجاح الصين الداخلي دعاية لتطبيع نظام الحزب الواحد، وتقدم بكين مثالًا يمكن للديكتاتوريين الإشارة إليه، وتبني قاعدة جماهيرية لقيادتها العالمية، وتتجنب الصين إثارة قضايا حقوق الإنسان، وتعزز التشكك في النظام الدولي الذي يقوده الغرب.

وقال الأكاديمي الأمريكي إن “الصين قد تقدم لإفريقيا بديلًا لنظام سويفت المصرفي، الذي قد يساعد في تحصين الحكومات من آثار العقوبات الغربية ويجعل أعمال القمع أقل تكلفة”، مضيفًا أن “بكين تدير جهازًا دعائيًّا أجنبيًّا ضخمًا لتعزيز تدخلها في القارة وتحسين صورتها”.

جاذبية الصين

يهتم الرؤساء المنتخبون ديمقراطيًّا في إفريقيا بما تستطيع بكين تقديمه، ولهذا ينقسمون بين الصين والولايات المتحدة، وقسّم كارتر هؤلاء القادة إلى فئتين، بعضهم ديمقراطيون ملتزمون بنوا حملاتهم الانتخابية على الاستثمارات الكبرى في البنية التحتية لتحفيز النمو، ولهذا السبب يحتاجون إلى دعم بكين في هذه المشروعات، مثل غانا.

والفئة الأخرى هي الاستبداديون المحتملون الذين يقوضون الديمقراطية، مثل رئيس زامبيا السابق، إدجار لونجو، الذي عقد شراكة بقيمة 440 مليون دولار مع شركة هواوي الصينية في 2015، وتضمنت الشراكة مركز بيانات يعج بمهندسي هواوي الذين يراقبون الخصوم.

وقال كارتر إن “الحرب الباردة الثانية تفاقم التراجع الديمقراطي في إفريقيا، وإن الحكومات الإفريقية تزداد قمعًا، والمعارضة تزداد خطورة”، محذرًا من أن التراجع الديمقراطي سيقوض التنمية الاقتصادية.

هل تنتصر بكين؟

على الرغم من أن الديناميكيات في المدى القريب تعمل لمصلحة الصين وروسيا كشركاء للدول الإفريقية، فالديناميكيات على المدى البعيد تعمل لمصلحة الولايات المتحدة، وفق كارتر.

اقرأ أيضًا| شي والعالم النامي.. ماذا تريد الصين من القارة الإفريقية؟

وهذا لأن بكين تصارع مع أزمات عميقة، مثل الانكماش الاقتصادي، وشيخوخة السكان، وقمع القطاع الخاص، وقيود الصادرات الأمريكية على أشباه الموصلات، وأزمة سوق العقارات.

وبالمثل، تتمثل مشكلات روسيا في التعثر في أوكرانيا، والصورة التي رسمها تمرد فاجنر، ومقتل قائدها يفجيني بريجوجين، عن ضعف النظام الروسي، والغموض المحيط بمستقبل قوات فاجنر في إفريقيا.

فرصة واشنطن

يُعد التحدي الرئيس للولايات المتحدة هو الحفاظ على القاعدة الجماهيرية لقيادتها العالمية مع الحفاظ على أمنها، ولذلك، يجب أن تعقد واشنطن شراكة مع الأنظمة الديمقراطية في إفريقيا لتعزيز النمو، وتقدم عرض قيمة يحقق الفوائد الاقتصادية نفسها التي تحققها بكين، لكن دون إغراءات الفساد والتلاعب السياسي.

القمة الأمريكية الإفريقية

القمة الأمريكية الإفريقية

واقترح كارتر أن تبدأ واشنطن بالبنية التحتية، وتعالج أزمة الديون الوشيكة في إفريقيا بطريقة تقلل الاقتطاعات من التعليم العام والكهرباء والرعاية الصحية، وتدعم التطور التكنولوجي في الدول الإفريقية.

ويجب على واشنطن أن تساعد المواطنين في الأنظمة الديكتاتورية على إحداث تغيير، وتستخدم العقوبات والمحاكمات للمحاسبة على القمع، وتمنع خلق فراغات في السلطة، وتجدد التركيز على منطقة الساحل الإفريقي، وتتصور نظامًا دوليًّا يعامل الدول الإفريقية بالاحترام الذي تستحقه، وفق التحليل.

ربما يعجبك أيضا