بعد ضعف الأداء الاقتصادي.. هل أصبحت ألمانيا «رجل أوروبا المريض»؟

إلى أين يتجه الاقتصاد الألماني؟

محمد النحاس

مع تعثر اقتصادها وارتفاع معدلات البطالة باتت ألمانيا تعرف  باسم "رجل أوروبا المريض". ومن خلال مسار طويل ومضنٍ، تمكنت ألمانيا من التخلص من هذا اللقب من خلال تقديم سلسلة من الإصلاحات


واجه الاقتصاد الألماني، انكماشًا لفترة طويلة خلال العام الماضي، ويرجح الخبراء نموًا صفريًا في العام 2024، وهو واحد من أضعف الأداءات بين الدول المتقدمة. 

جاء الموقف، مدفوعًا بجملة من العوامل الداخلية والخارجية، ودفعت البعض لاستخدام وصف “رجل أوروبا المريض” على ألمانيا، لكن كيف يتعامل المسؤولون الألمان مع مثل هذه التعليقات؟ وهل يعتبرون أن بلادهم عادت لتصبح رجل أوروبا المريض حقًا؟ أم أنها في نظرهم مجرد كبوة جواد؟ وما أسباب وأبعاد مشكلات الاقتصاد الألماني؟ 

ألمانيا بحاجة إلى “كوب من القهوة”

قال وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، الجمعة 19 يناير 2024: “أعرف ما يفكر فيه البعض منكم بأنه ربما تكون ألمانيا رجلاً مريضًا، ألمانيا ليست رجلاً مريضًا، ألمانيا رجل متعب قليلاً”.

وأردف ليندنرفي تصريحات على هامش منتدى دافوس الاقتصادي “أن توقعات النمو المنخفضة هي دعوة للاستيقاظ، والآن لدينا فنجان قهوة جيد”، معتبرًا أن بلاده متعبة قليلاً وبحاجة فقط إلى “فنجان من القهوة”، وفق ما نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية الإخبارية في تقرير لها.

رجل أوروبا المريض

الأسبوع الماضي، ذكر مكتب الإحصاءات الوطني الألماني، أن “الأزمات المتعددة” التي أثرت على الاقتصاد ساهمت في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3% في عام 2023، مقارنة بالعام السابق، حسب صحيفة الجارديان البريطانية.

وانكمش الاقتصاد الألماني عام 2023 بسبب استمرار التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وضعف الطلب الخارجي، لكنه تجنب الركود في نهاية هذا العام. حسب مكتب الإحصاء.

وقال ليندنر إن ألمانيا “في بداية حقبة من الإصلاحات الهيكلية الجديدة”، لكنه لم يقدم تفاصيل. وفي أواخر التسعينيات مع تعثر اقتصادها وارتفاع معدلات البطالة باتت ألمانيا تعرف  باسم “رجل أوروبا المريض”. ومن خلال مسار طويل ومضنٍ، تمكنت ألمانيا من التخلص من هذا اللقب من خلال تقديم سلسلة من الإصلاحات في سوق العمل، وازدهر اقتصادها في العقد الذي أعقب الأزمة المالية العالمية عام 2008.

ركود محتمل

أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء أيضا عن عجز في ميزانية الحكومة الاتحادية والولايات والبلديات وصناديق الضمان الاجتماعي العام الماضي بنسبة 2% قياسا إلى إجمالي الناتج المحلي، وأفادت البيانات الأولية أن قيمة هذا العجز بلغت ما يزيد على 82,7 مليار يورو، حسب ما نقلت دويتش فيلله.

ويرجح محللون أن أكبر اقتصاد في أوروبا يسير على الطريق الركود لعام آخر خلال عام 2024 -على أفضل تقدير- ودعم الخبير الاقتصادي لدى “آي إن جي” (ING)،  كارستن برزيسكي، هذا الرأي، نافيًا وجود انتعاش اقتصادي على المدى القريب.

وكان الانكماش الذي شهده أكبر اقتصاد في أوروبا العام الماضي هو الأول منذ الجائحة. وأظهرت بيانات رسمية أن ألمانيا تمكنت من تفادي الركود بفارق بسيط، لكن وضعها الحالي، يزيد من خطر الانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو. وكتب كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس، في مذكرة الجمعة: دانييل كرال، “من الواضح أن ألمانيا كانت الأسوأ أداء بين الاقتصادات الكبرى في منطقة اليورو العام الماضي”.

أزمات متعددة ومتلاحقة

كان اعتماد ألمانيا على الغاز الطبيعي الروسي بمثابة نقطة ضعف وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار الطاقة لمستويات قياسية، ناهيك عن مضي موسكو قدمًا في خنق إمدادات الغاز إلى الدول الأوروبية.

وقادت الأزمة في قطاع الطاقة إلى الضغط قطاعات واسعة من الصناعة الألمانية، وحدثت تقلبات في أسعار الغاز الطبيعي منذ ذلك الحين ووجدت برلين موردين جدد للغاز ليحلوا محل روسيا، لكن الأزمة ألقت بظلالها الطويلة، وفقًا لتقرير سي إن إن.

وسجل إنتاج السيارات وتصنيع معدات النقل الأخرى في البلاد نموًا في العام الماضي، إلا أن الإنتاج في الصناعات الكيميائية والمعدنية كثيفة الاستهلاك للطاقة قد تراجع. وبنحوٍ أعم انكمش الإنتاج الصناعي بنسبة 2٪.

بدورها، أسهمت المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الصين في التأثير على ألمانيا، كما أن هناك مخاطر تلوح في الأفق، المرتبطة بأزمة الشحن في البحر الأحمر. وكنتيجة للتوترات، قالت شركة تسلا إنها ستعطل العمل في مصنعها في برلين لمدة أسبوعين اعتبارًا من 29 يناير بسبب تأخر شحنات المكونات.

ربما يعجبك أيضا