أوروبا تحت الحصار.. ماذا نعرف عن حرب روسيا «الهجينة»؟

محمد النحاس

على مدى أكثر من ستة أشهر، كانت روسيا تنفذ حملة تخريبية عبر أوروبا من خلال وكلاء محليين، وفق التقارير الأمريكية، وقد جندت هواة محليين للقيام بكل شيء من الهجمات الحارقة على المستودعات المرتبطة بالأسلحة لأوكرانيا إلى أعمال التخريب الطفيفة، وكل ذلك بهدف إعاقة تدفق الأسلحة من الغرب إلى أوكرانيا وتقويض دعم كييف.


اكتشفت الاستخبارات الأمريكية في وقت سابق من هذا العام مؤامرة مزعومة مفادها أن الحكومة الروسية خططت لاغتيال المدير التنفيذي لشركة “راينمي”، أرمين بابيرجر.

الشركة التي تعد أحد أقوى مصانع الأسلحة الألمانية، تنتج قذائف مدفعية ومركبات عسكرية لأوكرانيا، وذلك وفقًا لما أفاد به 5 مسؤولين أمريكيين وغربيين مطلعين على هذه الحادثة، وفقًا لشبكة “سي إن إن” الأمريكية.

ماذا نعرف عن المؤامرة؟

كانت هذه المؤامرة المحتملة، جزءًا من سلسلة خطط روسية لاغتيال مديري شركات الدفاع في جميع أنحاء أوروبا الذين يدعمون الجهود الحربية الأوكرانية.

وكانت الخطة لقتل أرمين بابيرجر هي الأخطر من نوعها وفق تقرير “سي إن إن”، المنشور في 11 يوليو 2024، وعندما علم الأمريكيون بهذه المساعي، أبلغوا ألمانيا، ما مكن أجهزة الأمن الألمانية من حمايته وإحباط المؤامرة المزعومة.

تحذير وإجراء

حذرت السلطات الألمانية بابيرجر وزادت من إجراءات حمايته، ولم تنفذ روسيا الهجوم المخطط له، وقالت الداخلية الألمانية إن “الحكومة تأخذ التهديد من النظام الروسي على محمل الجد”.

أضافت أن موسكو تشن حملة من التهديدات والهجمات الإلكترونية والمعلومات المضللة والتخريب وأعمال الإرهاب على الأقل في ألمانيا لإضعاف دعم برلين لكييف. 

وزادت ألمانيا من إجراءات الأمن حول بابيرجر منذ بداية العام، وأصبح الرئيس التنفيذي الآن يسافر برفقة حراس شخصيين، حتى عند حضور مباريات كرة القدم، بينما تحرس الشرطة المسلحة مكاتب الشركة عندما يكون هناك.

سبب استهداف بابيرجر

كان بابيرجر هدفًا واضحًا: فشركته “راينميتال” هي أكبر وأهم مصنع ألماني لقذائف المدفعية عيار 155 ملم الحيوية، التي أصبحت سلاحًا حاسمًا في حرب الاستنزاف الأوكرانية.

تعتزم الشركة تدشين مصنعًا للمركبات المدرعة داخل أوكرانيا في الأسابيع المقبلة، وهو جهد قال مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية إنه كان مقلقًا لروسيا في أعقاب سلسلة من المكاسب في وقت سابق من هذا العام.

تؤشر المؤامرة الروسية لاغتيال أحد أبرز مديري صناعة الدفاع في أوروبا إلى تصعيد كبير في جهود موسكو السرية لتخريب إنتاج الأسلحة الغربي وإضعاف الدعم لأوكرانيا، حسبما ما نقلت “وول ستريت جورنال” عن “مسؤولين غربيين”.

هجمات روسية مزعومة

على مدى أكثر من 6 أشهر، كانت روسيا تنفذ حملة تخريبية عبر أوروبا من خلال وكلاء محليين، وفق التقارير الأمريكية، وقد جندت هواة محليين للقيام بكل شيء من الهجمات الحارقة على المستودعات المرتبطة بالأسلحة لأوكرانيا إلى أعمال التخريب الطفيفة، وكل ذلك بهدف إعاقة تدفق الأسلحة من الغرب إلى أوكرانيا وتقويض الدعم العام لكييف.

تزعم وسائل إعلام غربية، أن روسيا تنفذ “حرب هجينة” تستهدف مصنعي الأسلحة والسياسيين وغيرهم في جميع أنحاء أوروبا بهدف تقويض الدعم العسكري والمالي لكييف. لكن المعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى أن روسيا كانت مستعدة لاغتيال مواطنين عاديين أبرزت للمسؤولين الغربيين مدى استعداد موسكو للذهاب في حرب الظل التي تشنها عبر الغرب، على حساب إدعاء “سي إن إن”.

ومن بين أعمال التخريب الأخيرة التي يُنسبها مسؤولو الأمن الغربيين إلى روسيا حريق في مايو ألحق أضرارًا جسيمة بمصنع في برلين تابع لمصنع عسكري، وفي الشهر الماضي، احتجزت ألمانيا شخصين من جنسية مزدوجة، ألمانية وروسية، للاشتباه في التجسس لصالح موسكو بهدف إعداد هجمات على منشآت عسكرية في البلاد، بما في ذلك قاعدة عسكرية أمريكية ومنطقة تدريب في غرافنوير، جنوب ألمانيا.

نفي روسي

قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين يوم الجمعة: “من الصعب جدًا علينا التعليق على تقارير إعلامية تفتقر إلى الحجة الجادة وتستند إلى مصادر مجهولة”.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك يوم الخميس في واشنطن عندما سئلت عن المؤامرة ضد بابيرجر: “روسيا تشن حربًا هجينة.. بصفتنا أوروبيين، يجب أن نحمي أنفسنا بأفضل طريقة ممكنة ويجب ألا نكن ساذجين”.

وقالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتا فريدريكسن، الموجودة في واشنطن لحضور قمة حلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع، ردًا على سؤال عن حملة الترهيب الروسية: “أعتقد أنهم يهاجموننا كل يوم الآن، ليس فقط على البنية التحتية الحرجة، والهجمات الهجينة، الهجمات الإلكترونية، المعلومات المضللة”، وفي مايو، أضرمت عناصر النار في جزء من حديقة بأحد منازل بابيرجر، ولدى الشرطة الألمانية خطابًا يُحمل مسؤولية جماعة راديكالية يسارية مسؤولية الهجوم، إلا أن السلطات تنظر في إمكانية تورط روسيا في الحادثة. 

الشركات العسكرية الغربية

لطالما كانت مصانع الأسلحة الأوروبية جزءًا لا يتجزأ من الجهود الغربية لدعم كييف، وتمتلك شركة “بي أي إي سيستمز” البريطانية منشأة إصلاح في أوكرانيا وتعتزم في النهاية تصنيع مدافع هاوتزر خفيفة في أوكرانيا بينما تنشئ شركة الدفاع البريطانية الأخرى “بابكوك إنترناشيونال” مستودع صيانة هناك. وقامت شركات الأسلحة الغربية الأخرى بتزويد كييف بالأسلحة، وكان بابيرجر صريحًا بشأن خطط شركته، حيث أدلى بتصريحات متكررة عن نيته صنع الأسلحة في أوكرانيا.

وتقول “راينميتال” إن مئات من مركباتها وملايين من ذخيرتها قد أُرسلت إلى أوكرانيا؛ وفي يونيو، افتتحت مركزًا لإصلاح الأسلحة والمعدات في أوكرانيا. وقالت شركة الدفاع الأمريكية “نورثروب غرومان” هذا الأسبوع إنها ستشارك في إنتاج الذخيرة في أوكرانيا مع شريك محلي، لتصبح أول شركة أمريكية تعلن علنًا عن خطط للعمل في أوكرانيا. وتقوم شركات أخرى، بما في ذلك في الولايات المتحدة، بتزويد الأسلحة، عادةً من خلال تبرعات من حكوماتها، ولطالما كان الأمن والحماية قضايا جوهرية لشركات الدفاع. 

وقامت بعض شركات الدفاع الأمريكية في الأسابيع الأخيرة بتشديد الأمن حول كبار المديرين التنفيذيين، والذين يسافر بعضهم بالفعل مع حراس شخصيين مسلحين. وقال متحدث باسم شركة “ساب” السويدية، التي توجد أسلحتها المضادة للدبابات وغيرها في أوكرانيا، إن الشركة لديها “استعدادات وإجراءات جيدة لحماية الأعمال وموظفينا”. وقال بابيرجر إن الشركة تخطط لإنشاء مصانع في أوكرانيا لتجميع المركبات المدرعة وإنتاج الدبابات وقذائف المدفعية. والتقى بابيرجر بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي العام الماضي.

عملية اغتيال واحدة

تزعم “وول ستريت جورنال”، أن روسيا أمرت بعملية اغتيال واحدة على الأقل في ألمانيا من قبل، لكنها لم تستهدف حينها مواطنًا ألمانيًا، وفي 2021، أدانت محكمة ألمانية قاتلًا روسيًا بتهمة قتل متمرد شيشاني سابق في حديقة ببرلين بأوامر من الكرملين، ويقضي القاتل، فاديم كراسيكوف، حكمًا بالسجن المؤبد في ألمانيا.

من جانبه، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اهتمامه بمقايضته بإيفان غيرشكوفيتش، مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال”، المحتجز حاليًا في روسيا والمتهَم بالتجسس.

ربما يعجبك أيضا