تحليل| حرب أوكرانيا.. كيف ترسم مستقبل أوروبا الجيوسياسي؟ 

محمد النحاس

إذا كان خط السيطرة بين أوكرانيا وروسيا هو الحدود المؤسسية بين أوروبا وما هو "غير أوروبا"، فإن السؤال يصبح ما إذا كان هذا الخط سيكون حاجزًا غير قابل للاختراق (مثل المنطقة المنزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية) أم سيكون هناك نقاط اتصال وممرات محددة.


في أعقاب الهجمات الصاروخية الروسية الأخيرة ضد أوكرانيا، بما في ذلك الهجوم الذي استهدف مستشفى الأطفال “أوخمدت” في كييف، تعالت الأصوات في أوروبا وأمريكا الشمالية مطالبة بعدم التفاوض مع الكرملين. 

ومع ذلك، بينما المحادثات الدبلوماسية المباشرة ليست مطروحة حاليًا، من الخطأ استبعادها تمامًا، بحسب تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية في 12 يوليو 2024، فما هي شروط التفاوض المحتمل التي يطرحها المقال؟ وكيف يُمكن أن تبدو؟ وكيف تشكل مستقبل أوروبا الجيوسياسي؟ 

انضمام أوكرانيا للناتو والاتحاد الأوروبي

أول تفاوض محتمل يدور حول شروط دمج أوكرانيا في المؤسسات الرئيسية للعالم الأوروبي والأطلسي، وفق كاتب المقال، وهو مدير برنامج الأمن القومي في معهد أبحاث السياسة الخارجية، نيكولاس جفوسديف.

ويرى المقال أن “أوكرانيا” ستندمج كعضو كامل في كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن ما تبقى الآن هو مسألة الجدول الزمني والشروط. 

ويتابع بأنه إذا كانت موسكو تأمل في أن تأتي قوى سياسية متشككة في الاندماج مع أوروبا إلى السلطة في كييف، وتغلق الباب أمام أوكرانيا، فإن الحرب أظهرت أن هذه ليست استراتيجية ناجحة.  وفي الواقع، سيجيب دمج أوكرانيا في هذه المؤسسات على السؤال المعقد المطروح منذ عام 1991 حول مكانة “أوروبا” في العلاقة بين روسيا وأوكرانيا. 

المفاوضات الفرعية

ستعتمد المفاوضات الفرعية جزئيًا على توازن القوى والإرادة السياسية وحدوث أزمات إضافية في الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، بحسب التحليل. 

ويمكن أن تتخذ النتيجة شكل منطقة محايدة بين روسيا وأوكرانيا، أو منطقة منزوعة السلاح، أو قبول فعلي لخطوط السيطرة الحالية(أي تنازل أوكراني عن أراضٍ)، أو وجود أكبر للناتو في بولندا ورومانيا لتوفير مظلة ردع فعالة فوق أوكرانيا دون إسقاط التورط في مواجهة مباشرة مع روسيا.

مستقبل خطوط السيطرة بين أوكرانيا وروسيا

إذا كان خط السيطرة بين أوكرانيا وروسيا هو الحدود المؤسسية بين أوروبا و”غير أوروبا”، فإن السؤال يصبح ما إذا كان هذا الخط سيكون حاجزًا غير قابل للاختراق (مثل المنطقة المنزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية) أم سيكون هناك نقاط اتصال وممرات محددة.

وأعلن حكمت حاجييف، مستشار رئيس أذربيجان إلهام علييف، في يونيو 2024 أن أذربيجان تعمل كـ “مُيسر” لاستكشاف طرق لنقل الغاز الطبيعي الروسي عبر أوكرانيا للوصول إلى عملاء في أجزاء أخرى من أوروبا.

لكن إذا أصبح خط ما بعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا منطقة مغلقة وغير قابلة للاختراق، فمن المحتمل أن نرى مزيدًا من التطوير والتأسيس لما يسمى بـ “الطرق الالتفافية الأوراسية” حيث تجرى التجارة بين أوروبا وروسيا عبر دول القوقاز وآسيا الوسطى، بحسب المقال.

تأثير الحدود الأوروبية على بيلاروسيا ومولدوفا

مع تثبيت الحدود المؤسسية لأوروبا على طول ما ينتهي به خط السيطرة بين أوكرانيا وروسيا، سواء كانت متطابقة أو منفصلة عن الحدود المعترف بها دوليًا عام 1991، سيتحول السؤال إلى بيلاروسيا ومولدوفا.

 وبالنسبة لبيلاروسيا، هذا السؤال مرتبط بشكل وثيق بمستقبلها السياسي الداخلي، لكن في أعقاب مصير أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة، قد يختار السياسيون البيلاروس، خاصة في مستقبل ما بعد لوكاشينكو، شيئًا يشبه نهج أذربيجان الحيادي والديناميكي، والموازن بين الشرق والغرب. 

البحر المتوسط وجنوب القوقاز

البحر الأبيض المتوسط  يمثل الحدود الجنوبية لأوروبا، وتنتهي منطقة الدفاع الخاصة بالناتو عند تقاطع الحدود التركية مع سوريا والعراق وإيران، وتزداد الشكوك حول إمكانية دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لذلك تبدأ المنطقة الأوروبية في التلاشي في قلب الأناضول، وهذا يترك القوقاز الجنوبي، وبالنسبة لأرمينيا التي تحاول فك ارتباطها من تحالفها الطويل مع روسيا، وجورجيا التي تحطمت آمالها في التكامل الأوروبي الأطلسي في الماضي، وفق المقال. 

وسيكون السؤال هو ما إذا كانت أرمينيا ستحول وجهتها تجاه واشنطن وبروكسل أم ستستكشف خيارات أخرى للانضمام إلى دول طريق الحرير الأخرى لتأسيس الممر الأوسط، كحلقة الوصل الرئيسية بين العالمين الإندو-باسيفيكي والأوروأطلسي. 

في حرب أوكرانيا، تجري المفاوضات حاليًا لكن في ساحة المعركة (المناطق الفعلية للقتال، وكذلك في الفضاء الإلكتروني والأسواق المالية). وستعود في النهاية إلى المجال الدبلوماسي، وسيكون ما سلف ذكره هو الخطوط الأساسية للحديث. 

ربما يعجبك أيضا