النظام الأوروبي القديم يتآكل.. هل ينقذه ستارمر؟

أوروبا لا تزال بعيدة عن امتلاك الإرادة السياسية الجماعية والوسائل العسكرية اللازمة لتحقيق أهدافها

بسام عباس
قصر بلاينهايم في إنجلترا

تزامنًا مع اجتماع قادتها في بريطانيا، تواجه أوروبا تحديات داخلية وخارجية، ويؤدي جيمس ديفيد فانس، بصفته نائبًا لدونالد ترامب، دوره في زيادة الضغط عليها.

وهي فرصة عظيمة لرئيس وزراء بريطانيا الجديد، كير ستارمر، من أجل إظهار عودة بريطانيا جهةً فعالة في الوفاق الأوروبي، كما كانت على مدى قرون.

اجتماع استثنائي

أوضحت صحيفة “الجارديان” البريطانية، في مقال للمؤرخ السياسي تيموثي جارتن آش، نشرته الجمعة 19 يوليو 2024، أن نسخة جديدة استثنائية “للوفاق الأوروبي” في قصر بلاينهايم، في إنجلترا، واجتمع أكثر من 40 من القادة الوطنيين الأوروبيين، إلى جانب شخصيات بارزة من المؤسسات الدولية الرئيسة في أوروبا، لإجراء محادثات استمرت يومًا واحدًا.

وأضافت ان هذا هو الاجتماع الرابع للمجتمع السياسي الأوروبي، وهو من بنات أفكار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولن يتوصل هذا الاجتماع الاستثنائي خارج الاتحاد الأوروبي إلى أي نتائج مشتركة، لكنه يمثل مناسبة جيدة من أجل تأمل الوضع الهش للنظام الأوروبي الحالي.

وذكرت أن هذان هما المكان والزمان المثاليان لستارمر من أجل المضي قُدُمًا في عملية “إعادة ضبط” العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، التي شرعت حكومته فيها بقوة، ففي بيان مسبق، قال ستارمر: “علينا أن نبذل قصارى جهدنا ونتقدم حتى تنظر أجيالنا المقبلة إلى الوراء بفخر بسبب ما حققته قارتنا عبر التعاون”.

تحديات أوروبية

قال المؤرخ البريطاني إن بريطانيا غادرت الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن التراجع عن هذا القرار بسهولة، حتى لو أبدت حكومة ستارمر أي نية في القيام بذلك، وهو ما لم يحدث، لافتًا إلى أن السؤال الأكبر وراء هذا الاجتماع يظل مطروحًا. إذ يُعد النظام الأوروبي الحالي غير مسبوق في التاريخ، ولا مثيل له في أي مكان آخر في عالم اليوم.

وأوضح أن أغلبية الدول الأوروبية هي دول ديمقراطية، وتتجمع في مؤسسات متعددة للتعاون السلمي وحل النزاعات، وأغلبية تلك الدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وكلها تقريبًا أعضاء في مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون. لكن، هل يصبح هذا النظام أقوى مع استجابته للتهديدات الخارجية والداخلية الجديدة؟ أم أنه بدأ يضعف وينهار؟

إلى جانب التحديات العامة، مثل حالة الطوارئ المناخية والذكاء الاصطناعي والهجرة، تواجه أوروبا 3 تحديات جيوسياسية كبرى، الولايات المتحدة في عهد رئيسها المقبل المحتمل، دونالد ترامب، وروسيا برئيسها فلاديمير بوتين تشن حربًا على أوكرانيا، وعالم ما بعد الغرب، الذي كشفته الحرب الروسية الأوكرانية.

امتلاك الإرادة السياسية

قال الكاتب إن الأمر بات متروكًا للأوروبيين لتمكين أوكرانيا من تحقيق أمر يمكن أن نطلق عليه، بصورة معقولة، انتصارًا في عام 2025 أو 2026، وتحمل العبء الثقيل من أجل الدفاع عن أنفسهم، لافتًا إلى الترحيب الحار، الذي شهدته قمة حلف الناتو الأخيرة في واشنطن، بالدعم الغربي لأوكرانيا وزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي.

وأشار إلى أن أوروبا لا تزال بعيدة عن امتلاك الإرادة السياسية الجماعية والوسائل العسكرية اللازمة لتحقيق أول هذه الأهداف بمفردها، كما أن تحقيق الهدف الثاني يشوبه الشك، موضحًا أن فوز بوتين لن يشكل كارثة بالنسبة إلى أوكرانيا فحسب، بل إنه يعني أيضًا زعزعة مزمنة لاستقرار النظام الأوروبي، الذي تأسس بعد عام 1945.

وفي الوقت الذي اتحد الغرب عبر الأطلسي لدعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا، وجد أن كلًا من الصين والهند وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا راضية بمواصلة التعامل التجاري مع ذلك المعتدي الاستعماري الجديد، ويَعُد كل من الرئيس الصيني شي جين بينج، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الرئيسَ بوتين حليفًا مهمًا.

وفاق مليء بالتناقضات

أوضح الكاتب أن العالم بات يبحث عمَّا سماه مودي “تعددَ التحالفات”، أي تنمية علاقات متعددة ومتغيرة بشركاء مختلفين، سعيًا لتحقيق المصالح الخاصة. وحتى في الداخل الأوروبي، كانت صربيا تفعل ذلك بنجاح كبير، وكذلك فعلت المجر بقيادة فيكتور أوربان، رغم كونها عضوًا في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وأضاف أن هذا الأمر أحدث صدمة كبيرة، وتشهد الرحلات، التي قام بها أوربان مؤخرًا، من أجل مناقشة استسلام أوكرانيا “بسلام” مع الرؤساء بوتين وشي وترامب، لافتًا إلى أن هذا الوفاق الأوروبي مليء بالتناقضات، فالاجتماع المقبل للمجتمع السياسي الأوروبي سيعقد في بودابست في نوفمبر من هذا العام.

وقال إن أوروبا تجتمع ليوم واحد في الصالونات المذهبة في قصر بلاينهايم، وهي مشتتة بين التحديات الخارجية التي تخلق ضرورة واضحة لقوة أوروبية أكثر تركيزًا وفعالية، وبين التحديات الداخلية، التي تعني أننا من غير المرجح أن نتمكن من تحقيق هذه الغاية.

ربما يعجبك أيضا