«بؤرة توتر».. أين تتجه علاقات طاجيكستان وحركة طالبان؟

محمد النحاس

منذ أغسطس 2021، تتبنى جمهوريات آسيا الوسطى مقاربات مختلفة في التعامل مع إدارة طالبان في أفغانستان بحسب ما تقتضيه الضرورة والمصلحة.

ورغم عدم اعتراف أي دولة من آسيا الوسطى رسميًا بطالبان حتى الآن، إلا أن جميع الجمهوريات في آسيا الوسطى، تعاملت مع طالبان بدرجات متفاوتة، واعترفت بها بشكل غير رسمي كحكومة أمر واقع في أفغانستان.

علاقات طاجيكستان وطالبان

رغم الحاجة الملحة لمد جسور التواصل، ولفتح آفاق العلاقات بين طاجيكستان وطالبان، تقف بعض التعقيدات أمام هذا المسار، ويشمل ذلك الجوانب، العرقية، والأيدلوجية، ولا يخلو الأمر من إشكالات أمنية.

وتقع طاجيكستان على الطرف الأقصى من هذا الطيف كأكثر الدول الآسيوية الوسطى معارضة لطالبان -وفق المقال- لذلك قد يبدو أنه لا يوجد سبب لتوقع أي تحسن في العلاقة بين دوشنبه وطالبان، بحسب مقال لمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية في 23 يوليو 2024.

طاجيكستان قدمت من جانبها دعم كبير للقوات المناهضة لطالبان في أفغانستان، كما كان الحال خلال الفترة الأولى لحكم طالبان (1996-2001) مع التحالف الشمالي، حسب، كاتب المقال إلدار محمدوف. واستضافت طاجيكستان جبهة المقاومة الوطنية وهو تحالف عسكري يتألف من أعضاء سابقين في التحالف الشمالي، يدير محمد زاهر أغبار، أعمال السفارة الأفغانية في دوشنبه وكانت هذه البعثة الدبلوماسية في طاجيكستان محورًا للنشاط المناهض لطالبان.

العامل العرقي

يلعب العامل العرقي دورًا مهمًا، فبينما يهيمن البشتون على طالبان، لعب الطاجيك الأفغان دورًا قياديًا في التحالف الشمالي المناهض لطالبان، كان زعيمه السابق، أحمد شاه مسعود، طاجيكيًا.

أما ابنه، أحمد مسعود (الابن)، فقد كان نائب رئيس حكومة أشرف غني، أمر الله صالح، وهو أيضًا طاجيكي، قضيا سنوات في دوشنبه يعملان ضد طالبان. ولأغراض سياسية، تشعر الحكومة في دوشنبه بالحاجة إلى إظهار التعاطف مع الطاجيك العرقيين في أفغانستان.

المواقف الأيدولوجية

الديناميكيات الأيديولوجية أيضًا ذات صلة، في حين أن جميع دول آسيا الوسطى علمانية، فإن أوزبكستان وتركمانستان اتخذتا نهجًا عمليًا في العلاقات مع طالبان. وعلى النقيض من ذلك، ترى طاجيكستان أن أي تواصل سياسي مع طالبان يشكل تهديدًا لعلمانية الدولة.

وترى شانتيا مارييت دي سوزا، الزميلة أبحاث في جامعة ماساتشوستس-أمهيرست: ” في حين تفضل معظم دول آسيا الوسطى التعامل مع طالبان، تجد طاجيكستان نفسها في موقف معزول”، بحسب المقال.

وأوضحت: وفي ذات الوقت، قد تكون طاجيكستان برزت كمسرح وحيد للحفاظ على قوات المقاومة المناهضة لطالبان حيّة، متابعةً “وبالتالي، قد تكون سياسات طاجيكستان مفيدة للدول والجهات الفاعلة التي لا تزال تأمل في إقامة حكومة شاملة في أفغانستان أو حتى الضغط على طالبان لتغيير سياساتها”.

تهديدات أمنية

من بين جميع دول آسيا الوسطى، تمتلك طاجيكستان أطول حدود مع أفغانستان، ولطالما عانت الحكومة في دوشنبه تهديدات أمنية خطيرة من أفغانستان، وهذا يقودنا إلى جماعة “أنصار الله” الطاجيكية. تأسست جماعة أنصار الله في عام 2010، وهي مجموعة تتكون من متطرفين طاجيكيين يسعون للإطاحة بالحكومة في طاجيكستان.

وتقوم المنظمة بتجنيد أعضائها من داخل أفغانستان وطاجيكستان، بطبيعة الحال تم حظرها في طاجيكستان، ولها سجل في شن هجمات داخل البلاد. وقبل فترة وجيزة من انهيار حكومة أشرف غني في كابول، تعاونت طالبان مع جماعة أنصار الله في تأمين الحدود الأفغانية الطاجيكية التي تمتد 843 ميلاً.

رغم أن طالبان تنفي إيواء أي جماعة مسلحة تهدد أمن أي دولة في آسيا الوسطى، ترفض السلطات في دوشنبه هذا الادعاء.

مزيد من المخاوف

إضافة إلى التساؤلات حول جماعة أنصار الله، هناك طرق أخرى ترى بها دوشنبه نظام طالبان كتهديد مباشر للسلام والاستقرار في طاجيكستان.

حسب آدم روسيل المحرر الطاجيكي، فإن “القنوات الإعلامية المؤيدة لطالبان تنتقد حكومة طاجيكستان وتدير قنوات إعلامية باللغة الطاجيكية”.

هناك أيضًا مخاوف من تهريب المخدرات عبر الحدود إلى طاجيكستان، رغم جهود طالبان للقضاء على هذه التجارة.

تهميش الطاجييك وداعش خراسان

كان من المفهوم -إذن- لماذا عززت طاجيكستان الأمن على طول حدودها مع أفغانستان في الفترة التي سبقت استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021. ويشير المقال إلى أن استبعاد طالبان للطاجيك من الحكم يمثل مشكلة من وجهة نظر دوشنبه، وذلك لأبعاد وطنية وأمنية.

تعتقد السلطات في طاجيكستان أن تهميش طالبان للعرق الطاجيكي قد يدفع المزيد منهم نحو الجماعات المتطرفة العنيفة، خاصة ولاية خراسان التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية لتصفية حساباتهم مع طالبان لكن ذلك يشكل تهديدًا أمنيًا لدوشنه في ذات التوقيت.

ورغم أن الموقف الرسمي لطاجيكستان أن حكم طالبان غير شرعي، وكما تعارض دوشنبه فكرة اعتراف الدول بطالبان، لم يكن لدى الدولة الآسيوية الوسطى خيار سوى التكيف العملي مع واقع أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، اللافت أن طاجيكستان بذلت جهودًا للعمل مع طالبان في العلاقات الاقتصادية وفي مكافحة تنظيم ولاية خراسان الإرهابية (داعش أففانستان).

أفق للتعاون؟

لم تتوقف طاجيكستان عن تزويد أفغانستان بالكهرباء، حتى بعد استيلاء طالبان على السلطة، رغم عدم الاعتراف بنظامهم.

وأُعيد فتح الحدود بين طاجيكستان وأفغانستان، التي أُغلقت في فبراير 2020، في سبتمبر 2023 للسماح بتشغيل بعض الأسواق عبر الحدود.

علاقات اقتصادية وأمنية؟

من جانبها، لم تنكر السلطات في طاجيكستان هذه الأنشطة، وأعلنت أنه على الرغم من موقفها السياسي تجاه طالبان” إلا أنها تدعم العلاقات الاقتصادية والتجارية لصالح البلدين.”

أيضًا، عقدت أجهزة الاستخبارات الحكومية من طاجيكستان وطالبان اجتماعات لمناقشة تهديد تنظيم ولاية خراسان الإرهابي.

المعلومات المتاحة حول هذا التواصل قليلة، وليس من الواضح ما إذا كان ذلك عاملاً قد يسهم في تحسن علاقات طاجيكستان وطالبان، لكن العديد من الخبراء لديهم شكوك في ذلك.

علاقات اقتصادية وتجارية

تنبع الشكوك بسبب جماعة أنصار الله الطاجيكية، التي يبدو أنها ستظل “حجر عثرة” لتمهيد الطريق العلاقات بين طاجيكستان وطالبان. وخلال المستقبل المنظور، من المرجح أن تظل العلاقات بين طاجيكستان وطالبان غير راسخة.

ويساهم الانخراط العملي في التجارة وقبول واقع حكم طالبان في أفغانستان من قبل جيران طاجيكستان في آسيا الوسطى، وكذلك الشركاء الخارجيين المهمين مثل روسيا والصين وإيران، في تخفيف بعض التوترات.

ربما يعجبك أيضا