العقوبات الأمريكية.. نجاحات نسبية وإخفاقات متكررة وحروب اقتصادية

كيف تستخدم واشنطن العقوبات الاقتصادية ضد من يخالفها؟

بسام عباس
العقوبات الاقتصادية الأمريكية

برزت العقوبات على دول العالم المختلفة كأداة رئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، وأصبحت سلاحًا في الحرب الاقتصادية الدائمة، وأصبح الإفراط في استخدامها أمرًا معترفًا به على أعلى المستويات الحكومية.

واليوم تفرض الولايات المتحدة 3 أضعاف العقوبات التي تفرضها أي دولة أخرى أو هيئة دولية، وتستهدف ثلث دول العالم بنوع من العقوبات المالية على الأشخاص أو الممتلكات أو المنظمات، ويجد الرؤساء الأمريكيين أنها أداة لا تقاوم.

مخاوف متزايدة

أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في تقرير نشرته الخميس 25 يوليو 2024، أن واشنطن من خلال عزل أهدافها عن النظام المالي الغربي، يمكن للعقوبات أن تسحق الصناعات الوطنية، وتمحو الثروات الشخصية، وتخل بتوازن القوى السياسية، من دون تعريض أي جندي أمريكي للخطر، ولكن حتى مع انتشار العقوبات، تزايدت المخاوف بشأن تأثيرها.

وأضافت أن خصوم الولايات المتحدة يكثفون جهودهم للعمل سويًّا للتحايل على العقوبات المالية، ومثل العمل العسكري، يمكن للحرب الاقتصادية أن تخلف أضرارًا جانبية، فقد ساهمت العقوبات المفروضة على فنزويلا، على سبيل المثال، في الانكماش الاقتصادي الذي بلغ 3 أضعاف ما حدث بسبب الكساد الكبير في الولايات المتحدة.

نتائج عكسية

ذكرت الصحيفة أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كوبا منذ أكثر من 60 عامًا، فشلت في إزاحة النظام، ولكنها عرقلت وصول الإمدادات الطبية الحيوية إلى الجزيرة، وفي إيران، لم تنجح العقوبات في إجبار حكام طهران على التنحي، ودفعت البلاد لإقامة تحالفات وثيقة مع روسيا والصين.

وفي سوريا، لا يزال بشار الأسد في السلطة رغم العقوبات الأمريكية المستمرة منذ 20 عامًا، لكن البلاد تكافح من أجل إعادة البناء بعد الحرب الأهلية، ومن المتوقع أن يحتاج عدد أكبر من السوريين إلى مساعدات إنسانية حرجة هذا العام أكثر من أي وقت مضى، لافتة إلى أن العقوبات أدت إلى كارثة إنسانية.

وظلت كوريا الشمالية خاضعة للعقوبات لأكثر من نصف قرن ولم توقف جهودها للحصول على أسلحة نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات، ولم تفعل العقوبات الأمريكية على نيكاراجوا الكثير لردع نظام الرئيس دانييل أورتيجا، وأدت العقوبات الأمريكية على روسيا، إلى ظهور أسطول من السفن تبيع النفط خارج نطاق الأنظمة الدولية، ودفعت الكرملين إلى تحالف أوثق مع بكين.

الإفراط في الاستخدام

قالت الصحيفة الأمريكية، إن الإنذار بشأن زيادة العقوبات وصل إلى أعلى المستويات في الحكومة الأمريكية، فقد أخبر بعض كبار المسؤولين في الإدارة الرئيس بايدن مباشرة أن الإفراط في استخدام العقوبات يخاطر بجعل الأداة أقل قيمة، ورغم الاعتراف بأن حجم العقوبات قد يكون مفرطًا، يميل المسؤولون الأمريكيون إلى رؤية كل إجراء فردي على أنه مبرر، ما يجعل من الصعب وقف هذا الاتجاه.

وأشارت إلى أن الحرب الاقتصادية موجودة منذ آلاف السنين، فقد فرضت أثينا القديمة عقوبات تجارية على خصومها في القرن الرابع قبل الميلاد، وقام رؤساء الولايات المتحدة بتقييد التجارة الخارجية منذ فجر الجمهورية، ففي عام 1807، أغلق توماس جيفرسون موانئ الولايات المتحدة لتصدير الشحن وتقييد الواردات من بريطانيا.

ولفتت إلى أن مسؤولي الخزانة يمكنهم فرض عقوبات على أي شخص أجنبي أو شركة أو حكومة يعدونها تهديدًا للاقتصاد الأمريكي أو السياسة الخارجية أو الأمن القومي، وهي خطوة تجعل التعامل مع الطرف الخاضع للعقوبات جريمة، فالخضوع للعقوبات الأمريكية يرقى إلى حظر لأجل غير مسمى على جزء كبير من الاقتصاد العالمي.

 أهداف أكبر

ذكرت الصحيفة الأمريكية أن كوريا الشمالية، في عام 2003، أثارت قلق العالم عندما انسحبت من معاهدة الأسلحة النووية، ولم يستهدف مسؤولو الخزانة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش بنك “ماكاو” الذي يعالج المدفوعات لبيونج يانج فحسب، بل هددوا أيضًا أي بنك يتعامل مع ذلك البنك، وأدى هذا الإجراء إلى إعاقة الموارد المالية للدولة.

وسرعان ما تحولت قواعد اللعبة لتشمل أهدافًا أكبر، ففي عام 2010، عمل الرئيس باراك أوباما مع الكونجرس للموافقة على فرض عقوبات على إيران، وبدأت وزارة العدل الأمريكية في فرض غرامات بمليارات الدولارات على البنوك الغربية التي تحدت الحظر الذي فرضته وزارة الخزانة.

ولم تنطبق هذه العقوبات على إيران فحسب، بل أيضًا على الشركات التي تتاجر مع إيران، مما أدى إلى تقويض روابط طهران بالأسواق الدولية، وبحلول فترة ولاية أوباما الثانية، فُرضت العقوبات على قائمة متنامية تضم مسؤولين عسكريين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وموردي الجيش اليمني، ومسؤولين ليبيين مرتبطين بمعمر القذافي، وعلى الرئيس السوري بشار الأسد.

 تحدي وجودي

أوضحت الصحيفة الأمريكية أن زيادة العقوبات خرجت عن نطاق السيطرة، وبدأ مسؤولون حكوميون أمريكيون يلاحظون وجود مشكلات في النظام الجديد المعقد للخزانة الأمريكية، إذ إن عدد الكيانات الخاضعة للعقوبات يتزايد بسرعة كبيرة، بحيث لا يستطيع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية مواكبته، وتضاعفت عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الوكالة 3 مرات.

وأضافت أن تحدٍ وجوديٌ أكبر يكمن بقوة العقوبات في حرمان الجهات الفاعلة الأجنبية من الوصول إلى الدولار، ولكن إذا كانت العقوبات تجعل الاعتماد على الدولار محفوفًا بالمخاطر، فقد تجد الدول وسائل أخرى للتجارة، ما يسمح لها بتفادي العقوبات الأمريكية تمامًا.

ربما يعجبك أيضا