استقالات واحتجاجات.. هل تتجه إسرائيل إلى حرب أهلية؟

متى تدق الحرب الأهلية أبواب إسرائيل؟

عبدالمقصود علي
الحرب الأهلية تدق أبواب إسرائيل

الصراع الإسرائيلي الداخلي حاليا لا يتعلق بغزة أو حماس أو حزب الله فحسب، بل يتعلق بمستقبل إسرائيل، فإذا تحول الجيش لكبش فداء لاحداث 7 أكتوبر وما بعدها، سيكون ملزما بالاختيار بين قبول التهميش أو الدخول في صراع مع المؤسسة السياسية، وفي الحالة الثانية، قد تصبح الحرب الأهلية احتمالاً حقيقيًا


أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 18 يونيو الماضي أنه لن تكون هناك حربًا أهلية في إسرائيل، لكن الأحداث التي تشهدها البلاد تثبت أن تصريحاته غير دقيقة.

بحسب موقع “substack” الفرنسي، فإن تصريحات نتنياهو جاءت في خضم احتجاجات شعبية مُتزايدة، لا سيما بعد استقالة العديد من وزراء حكومة الحرب، بما في ذلك بيني جانتس وجادي آيزنكوت، وكلاهما رئيسان سابقان لأركان الجيش الإسرائيلي.

حرب أهلية محتملة

هذه الاستقالات لم تؤد فعليًا إلى عزل نتنياهو، الذي يتلقى دعمه بشكل رئيس من الفصائل اليمينية واليمينية المتطرفة، لكن هذه الخطوة تسلط الضوء على الانقسامات المتزايدة في المجتمع الإسرائيلي، والتي يمكن أن تتصاعد لتتحول من اضطرابات سياسية إلى حرب أهلية محتملة.

فالانقسامات داخل إسرائيل لا يمكن النظر إليها بنفس الطريقة التي ننظر بها إلى الانقسامات السياسية المختلفة التي تؤثر حاليًا على الديمقراطيات الغربية، يشير الموقع، كما لا يرتبط هذا بالرأي القائل إن إسرائيل في جوهرها ليست ديمقراطية حقيقية، بل يرتبط بحقيقة أن التكوين السياسي لإسرائيل فريد من نوعه.

بداية القصة

في فبراير 2019، شكل زعماء 3 أحزاب إسرائيلية ائتلاف “أزرق أبيض” كان اثنان من مؤسسيه جانتس وموشيه يعالون، وهما من الشخصيات العسكرية التي تتمتع بنفوذ داخل المؤسسة العسكرية القوية في البلاد والمجتمع، ورغم نجاحهم الانتخابي النسبي، إلا أنهم فشلوا حتى الآن في إزاحة نتنياهو من منصبه، لذلك اتجهوا إلى الشارع.

إن قرار نقل الصراع إلى شوارع تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى لم يتم اتخاذه باستخفاف، إذ جاء ذلك في أعقاب انهيار ائتلاف حكومي غريب شكله جميع أعداء نتنياهو، واتحدوا على  هدف واحد: “وضع حد لحكم اليمين واليمين المتطرف في البلاد”، غير أن فشل نفتالي بينيت، زعيم الائتلاف، هو القشة التي قصمت ظهر البعير.

يمكن  تعطي مصطلحات “اليمين” و”اليمين المتطرف” انطباعًا بأن الصراع السياسي في إسرائيل أيديولوجي بالمقام الأول، ورغم أن الأيديولوجية تلعب دورًا في السياسة الإسرائيلية، إلا أن الغضب ضد نتنياهو وحلفائه ينبع إلى حد كبير من الشعور بأن اليمين الجديد في إسرائيل يحاول إعادة تشكيل الطبيعة السياسية للبلاد.

تغيير النظام

بدايةً من يناير 2023، نظم مئات الآلاف من المواطنين احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة، استمرت حتى بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

كان المطلب الجماعي الأولي للمتظاهرين، بدعم من جانتس ونخبة الجيش الإسرائيلي والليبراليين، منع نتنياهو من تغيير التوازنات السياسية التي حكمت المجتمع الإسرائيلي على مدى السنوات الـ75 الماضية، لكن مع مرور الوقت، أصبحت هذه المطالب بمثابة دعوة جماعية لتغيير النظام.

ورغم أن القضية نوقشت إعلاميًا على نطاق واسع باعتبارها انقسامًا سياسيًا ناجمًا عن رغبة نتنياهو في تهميش القضاء الإسرائيلي لأسباب شخصية، إلا أن جذور الظاهرة، التي تهدد بالحرب الأهلية، كانت مختلفة تمامًا.

مكانة خاصة

قصة الحرب الأهلية المحتملة في إسرائيل قديمة قدم الدولة الإسرائيلية نفسها، وتعليقات نتنياهو الأخيرة التي تشير إلى خلاف ذلك هي مرة أخرى تصريح كاذب من قبل رئيس الوزراء.

وانتقد نتنياهو في السادس عشر من يونيو، الجنرالات العسكريين المتمردين، قائلًا: “لدينا دولة لديها جيش وليس جيشًا لديه دولة”، وفي الواقع، تأسست إسرائيل بالحرب، واستمرت بالحرب.

وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي كان يتمتع، منذ البداية، بمكانة خاصة في المجتمع الإسرائيلي، وهو عقد غير معلن يمنح جنرالات الجيش مكانة مميزة ومركزية في كثير من الأحيان في عملية صنع القرار السياسي، ولذلك صعدت شخصيات مثل آرييل شارون، وإسحق رابين، وإيهود باراك وآخرون، إلى قمة السياسة.

قضية ألتالينا

نتنياهو قلب الأمور عندما بدأ بنشاط في إعادة هيكلة المؤسسات السياسية الإسرائيلية لإبقاء الجيش في وضع هامشي وحرمانه من كل السلطة السياسية، وبذلك، انتهك الركيزة الأساسية للتوازن السياسي الإسرائيلي منذ 1948.

وحتى قبل أن تكمل إسرائيل التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في النكبة، شهدت “الدولة الوليدة” تقريبًا حربًا أهلية، عندما أصدر بن جوريون مرسومًا بشأن تشكيل الجيش الإسرائيلي في 26 مايو 1948.

كانت هذه بداية ما يسمى بقضية “ألتالينا”، عندما حاول الجيش الإسرائيلي الذي تهيمن عليه الهاجاناه منع شحنة أسلحة كانت متجهة إلى منظمة الإرجون، التي كان يقودها آنذاك مناحيم بيجن، الذي أصبح في 1967 رئيسًا لوزراء إسرائيل.

كبش فداء

الإشارة إلى قضية “ألتالينا” مُتكررة إلى حد كبير في المناقشات الإعلامية الإسرائيلية هذه الأيام، حيث تؤدي حرب إسرائيل ضد غزة إلى تقسيم المجتمع المنقسم بالفعل، وهذه الاختلافات تجبر الجيش على التخلي عن التوازن التاريخي الذي تحقق في أعقاب الحرب الأهلية المصغرة، والتي كانت من الممكن أن تنهي مستقبل إسرائيل كدولة بعد أيام قليلة من تشكيلها.

فالصراع الإسرائيلي الداخلي لا يتعلق بغزة أو حماس أو حزب الله فحسب، بل يتعلق بمستقبل إسرائيل ذاتها، فإذا تحول الجيش الإسرائيلي إلى كبش فداء السابع من أكتوبر والحملات العسكرية الكارثية التي تلت ذلك، سيكون ملزمًا بالاختيار بين قبول التهميش إلى أجل غير مسمى أو الدخول في صراع مع المؤسسة السياسية، وفي الحالة الثانية، قد تصبح الحرب الأهلية احتمالًا حقيقيًا.

ربما يعجبك أيضا