«الرد حتمي».. إيران في مأزق بعد اغتيال هنية

محمد النحاس

إذا ردت إيران بقوة، فإن ذلك سيزيد من حجم المشاكل التي تواجهها، وهذا ليس ما يريده بيزشكيان وحلفاءه أو ما كانوا يأملونه، لكنهم قد يُجبرون على التحرك، مع العلم أنه بناءً على كيفية ردهم، قد يدفعون الولايات المتحدة للتدخل المباشر دفاعاً عن إسرائيل.


اُغتيل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران فجر الأربعاء 31 يوليو 2024، في عملية على الأرجح من تنفيذ إسرائيل، رغم أنها لم تعلن مسؤوليتها.

كان هنية في طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، حيث التقى الرجلان قبل أن يُقتل هنية، وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لم تُصدر إسرائيل أي تعليق بشأن عملية الاغتيال أو الادعاءات التي تشير إلى أنها وراءها.

بيزشكيان هو الهدف

باستهداف هنية، تكون إسرائيل قد أصابت هدفين وليس واحدًا فقط، الهدف الثاني هو الإدارة الجديدة بقيادة بزشكيان، ففي اليوم الذي تولى فيه الرئيس الإصلاحي منصبه يقع اغتيال زعيم أجنبي حليف لإيران.

ويجب على رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني التعامل مع القضية التي تمثل إشكالاً أمنيًّا وسياسيًّا له أبعاد دولية كبيرة وتداعيات خطيرة، وإذا كان سعيد جليلي، خصم بزشكيان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فاز، لساعد ذلك إسرائيل في محاولاتها لإقناع المجتمع الدولي بأن الانخراط الدبلوماسي مع إيران لن يكون مجديًّا، وأنه يجب وضعها تحت أقصى ضغط.

لكن بيزاشكيان معتدل، ورغم أنه ندد مرارًا بالدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على غزة، وفرض العقوبات الاقتصادية الصارمة على إيران، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لكنه أيضًا براجماتي في سعيه للحوار مع الولايات المتحدة.

الحوار بين إيران وأمريكا

خلال حملته، أكد بزشكيان سعيه لإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، وهو موقف يبدو أنه مدعوم من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بهدف رفع العقوبات الاقتصادية.

الحوار بين إيران والولايات المتحدة هو آخر ما تريده إسرائيل، وبالأخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في هذه المرحلة.

ويرغب نتنياهو في توسيع الحرب إلى لبنان على أمل أن تستجيب إيران بقوة وتدخل الحرب بشكل مباشر.

احتمالية حرب كبرى

لا يريد كل من حزب الله وإيران حرب كبرى مع إسرائيل على الأقل في هذه المرحلة، لكن لا ينبغي أن يكون هناك وهم بأن إيران ستبقى صامتة إذا شنت إسرائيل عدوانًا شاملًا ضد لبنان، على عكس حماس، وهي حركة سنية كانت لها خلافات مع إيران على مدار العشرين عامًا الماضية، وخاصة عندما رفضت دعم الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، في حين يُعتبر حزب الله جماعة شيعية وأحد أهم الجماعات الموالية لإيران في الشرق الأوسط.

إذا بدأت إسرائيل حربًا شاملة ضد لبنان، ولم تتدخل إيران للدفاع عن حزب الله، فإنها ستفقد مصداقيتها تمامًا مع حلفائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وانتقد الحوثيون في اليمن إيران بالفعل لعدم دفاعها عن حماس في غزة. وفي ظل عدم إظهار إيران أي ميل لبدء حرب مباشرة مع إسرائيل، فإن السيناريو الأفضل لإسرائيل هو إيقاعها في وضع غير قابل للدفاع.

مأزق خطير

اغتيال زعيم حليف، خاصة في طهران في مساء يوم تنصيب إدارة جديدة، هو فخ خطير، ووضعت هذه العملية بزشكيان وحلفاءه في وضع صعب للغاية، إذا لم تتحرك إيران، ستتعرض للاستهجان في جميع أنحاء المنطقة.

وسيهاجم الراديكاليون في طهران بزشكيان بلا هوادة لكونه “لطيفًا” أكثر من اللازم أو حتى “خائنًا”، ما قد يعيق أو حتى يطيح بإدارته وبرامجه قبل أن تبدأ.

إذا ردت إيران بقوة، فإن ذلك سيزيد من حجم المشاكل التي تواجهها، وهذا ليس ما يريده بزشكيان وحلفاءه أو ما كانوا يأملونه، لكنهم قد يُجبرون على التحرك، مع العلم أنه بناءً على كيفية ردهم، قد يدفعون الولايات المتحدة للتدخل المباشر دفاعًا عن إسرائيل.

إدانات وتوعد

يأتي ذلك في الوقت الذي تأمل فيه إدارة بزشكيان في استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، في كلتا الحالتين، ستكون إسرائيل مؤقتًا “رابحة”.

أصدر خامنئي بيانًا يدين الاغتيال ويعد بالانتقام: “الزعيم الفلسطيني المجاهد البطل إسماعيل هنية التحق بالله فجر الليلة الماضية، والجبهة المقاومة في حداد، وأردف: “النظام الصهيوني الإجرامي والإرهابي استشهد ضيفنا العزيز في بيتنا وجعلنا في حالة حزن، لكنه أيضاً مهد الطريق لعقوبة قاسية لنفسه”.

من جانبه، صرح بيزشكيان قائلًا: “ستدافع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن وحدة ترابها، وشرفها، وكرامتها، وعزتها، وستجعل المحتلين الإرهابيين يندمون على عملهم الجبان”.

منطقة مُشتعلة

في الوقت نفسه، شنت الولايات المتحدة هجومًا في العراق صباح اليوم، مستهدفة قاعدة جنوب بغداد تابعة لمجموعة شيعية موالية لإيران، وهي الحشد الشعبي. أسفر الهجوم عن مقتل 4 أعضاء من الجماعة وإصابة 4 آخرين، يأتي ذلك بعد أن تعرضت قواعد أمريكية في العراق وسوريا لهجمات الأسبوع الماضي.

كما شنت إسرائيل هجومًا على بيروت وقتلت فؤاد شكر، القائد العسكري الأعلى لحزب الله والرجل الثاني في الحزب.

موقف هاريس

إذا اندلعت حرب واسعة تشمل إيران وإسرائيل وحزب الله، فإن إدارة بايدن ستدعم بالتأكيد إسرائيل؛ لكن هذا سيخلق مشاكل كبيرة لنائبة الرئيس كامالا هاريس التي تحاول عزل  نفسها جزئًّا عن دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل والذي خلق شقاقات عميقة داخل الحزب الديمقراطي.

نظرًا لأن الاجتماع بين نتنياهو وهاريس الأسبوع الماضي لم يسير كما كان يريد نتنياهو، ما أزعجه لأن هاريس دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، فإن حربًا جديدة هي آخر شيء تريده هاريس.

تبعات سلبية

بالتالي، سيزيد الاغتيال من التوترات في المنطقة بلا شك، حتى وإن لم يؤدِ إلى حرب شاملة لأنه سيسبب وضعًا هشًا قد يتسبب أدنى خطأ من أي طرف في انفجار كبير.

قد تُضعف هذه التوترات، المعتدلين والإصلاحيين في إيران، وتؤخر ما يخطط له بزشكيان في الشؤون الداخلية والإقليمية، ما قد يكون له تبعات سلبية على المنطقة برمتها.

ربما يعجبك أيضا