حروب الكتل الجيوسياسية.. إيران تدعم روسيا وإسرائيل توازن حساباتها مع أوكرانيا

محمد النحاس

يوجد فجوة واسعة بين مستوى دعم إيران وإسرائيل للأطراف المتنازعة في الصراع الروسي-الأوكراني، إسرائيل قيدت دعمها لأوكرانيا إلى حد كبير، وفي المقابل، لم تتوانى إيران عن دعم شريكها الروسي بكافة الوسائل المتاحة وبكل السبل الممكنة.


الحرب الروسية الأوكرانية تمثل صراع دموي وكارثي بين موسكو وكييف، كما أنها تعد حربًا بالوكالة في إطار صراع واسع بين الكتلة الغربية بقيادة أمريكا وكتلة أوراسيا التي تضم الصين وروسيا وإيران وحلفاءها.

هذا الصراع الجديد يتجلى أيضًا في الحروب الساخنة التي تعصف بالشرق الأوسط والاحتمالات المرتبطة بصراع الولايات المتحدة مع الصين حول تايوان في شرق آسيا.

حروب الكتل الجيوسياسية

أصبحت ساحات الصراع الجديدة مترابطة بشكل متزايد، مما يشكل نظامًا جيوسياسيًا موحدًا يتميز بالمنافسة والصراع، وفق مقال نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية في 4 أغسطس 2024.

تعد الأطراف الرئيسية في النزاع في الشرق الأوسط – إسرائيل وإيران – منخرطتان أيضًا بشكل عميق في الحرب الروسية-الأوكرانية.

فقد قدمت إسرائيل دعمًا دبلوماسيًا وإنسانيًا واستخباراتيًا لأوكرانيا في سعيها لمواجهة الهجوم الروسي. ومع ذلك، لا تعكس العلاقات الإسرائيلية-الأوكرانية تمامًا توافقها الجيوسياسي في الصراع الواسع الجديد، حيث إن دعم إسرائيل لأوكرانيا مقيد بوجود روسيا في سوريا، جارة إسرائيل، ووضع اليهود في روسيا.

مواقف إسرائيل من روسيا

في المقابل، دعمت إيران الحرب الروسية بشكل راسخ، ما عزز التحالف الاستراتيجي الروسي-الإيراني. ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، قدمت إسرائيل لأوكرانيا دعمًا خطابيًا وأخلاقيًا.

وأدان وزير الخارجية الإسرائيلي السابق يائير لابيد، موقف روسيا بشكل صريح، واصفًا إياه بأنه تهديد للنظام الدولي. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت عرض التوسط في النزاع خلال أشهره الأولى.

في الثاني من مارس 2022، كانت إسرائيل واحدة من 141 دولة أدانت موقف روسيا في الحرب في تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأعرب لابيد وبينيت عن فزعهم مما يسميه مقال ناشونال إنترست “مذبحة بوتشا” في مارس 2022، والتي رجّح الأول أنها ترقى إلى “جرائم حرب”.

الدعم الإسرائيلي ليس كافيًّا

قدمت إسرائيل أيضًا لأوكرانيا مساعدات إنسانية كبيرة، شملت إقامة مستشفى ميداني، وتزويد العاملين الإنسانيين في أوكرانيا بالخوذ والسترات الواقية، وإرسال أنظمة لتنقية المياه، والمعدات الطبية، والبطانيات، وأكياس النوم.

كما قدمت تل أبيب لكييف معلومات استخبارية حول الطائرات الإيرانية المُسيرة بعد أن بدأت روسيا في استخدامها ضد أوكرانيا، ومع ذلك، امتنعت إسرائيل عن تزويد أوكرانيا بكميات كبيرة من المساعدات القتالية على الرغم من الطلبات المتكررة من كييف.

كانت أوكرانيا مهتمة بشكل خاص بالحصول على تكنولوجيا القبة الحديدية المتقدمة الإسرائيلية لاعتراض الصواريخ والمسيرات الروسية. على الرغم من أن تل أبيب رفضت هذا الطلب، فقد وافقت إسرائيل على بيع أنظمة إلكترونية دفاعية إلى كييف.

تعقيدات تواجه السياسة الإسرائيلية

الرفض الجزئي الإسرائيلي لتزويد أوكرانيا بالمساعدات القتالية ينبع من مخاوف بشأن كيفية تأثير مثل هذا المسار على العلاقات الإسرائيلية الروسية في سوريا. ومع وجود روسيا القوي على الأرض وفي الأجواء فوق سوريا، تعتمد إسرائيل على علاقاتها مع روسيا للسماح لها بشن ضربات ضد الأهداف الإيرانية في الدولة العربية المتاخمة.

وعلى الرغم من أن تل أبيب لم تعد دائمًا تخطر موسكو بهجماتها كما كانت تفعل قبل هجمات 7 أكتوبر، إلا أن إسرائيل لا تزال تعتمد على التغاضي الروسي عن أنشطتها فوق الأراضي السورية. ويمكن أن يضر الدعم الإسرائيلي القوي لكييف بالموقف  الروسي عموماً تجاه الحملة الإسرائيلية لتقويض البنية التحتية الإيرانية في سوريا.

وبالتالي، يعد اعتماد تل أبيب على التصريح الضمني من جانب روسيا لضرب مواقع طهران ووكلائها في سوريا عقبة كبيرة أمام الدعم الإسرائيلي للجهود العسكرية الأوكرانية.

اليهود في روسيا

كما كان على الساسة الإسرائيليين أن يأخذوا في الاعتبار كيف يمكن أن تؤثر السياسات المؤيدة لأوكرانيا على المجتمعات اليهودية في روسيا وأوكرانيا.

قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كان يعيش حوالي 155,000 يهودي في روسيا، بينما كان 43,000 يعيشون في أوكرانيا.  بعد الحرب، تحركت المنظمات الإسرائيلية واليهودية بسرعة، ما أدى إلى إجلاء أكثر من 13,000 يهودي أوكراني إلى البلدان المجاورة. وبحلول أغسطس 2022، كانت إسرائيل قد استقبلت 12,633 يهوديًا أوكرانيًا و21,722 يهوديًا روسيًا وبيلاروسيًا.

موقف روسيا من اليهود

وفي غضون ذلك، يزعم المقال أن أوضاع اليهود في روسيا تدهورت واستغل الروس معاداة السامية لاتهام الحكومة الأوكرانية بأنها معادية للسامية ويديرها “نازيون جدد”.

هذا الخطاب يرمي إلى تبرير موقف روسيا من خلال ربط حربها على أوكرانيا، بدورها التاريخي في هزيمة ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

ودون أن يسوقوها، يورد المقال أن مسؤولون روس كبار، بما في ذلك الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف ووزير الخارجية سيرجي لافروف، بتصريحات معادية للسامية.  وهدد بوتين بإغلاق مكاتب الوكالة اليهودية في روسيا، في سيناريو يكرر به القيود السوفيتية على هجرة اليهود إلى إسرائيل.

دعم إيران لروسيا

في حين أعاق كلاً من ضعف وضع اليهود في روسيا ودور موسكو في سوريا السياسة الإسرائيلية تجاه النزاع الروسي-الأوكراني، دعمت إيران في المقابل الروس بشكل راسخ وقوي، وخلال السنة الأولى من الحرب، أصبحت إيران واحدة من الموردين الرئيسيين للأسلحة لروسيا. وفي أغسطس 2022، وصلت أولى الطائرات الإيرانية المسيرة إلى روسيا، بما في ذلك طائرات شهاب “الانتحارية” وطائرات مهاجر-6.

خلال عامي 2022 و2023، أطلقت روسيا ما لا يقل عن 3,700 طائرة مسيرة إيرانية الصنع ضد الأهداف الأوكرانية، كما أنشأت روسيا مصنعًا في تتارستان لتصنيع الطائرات الإيرانية، كما قدمت إيران أيضًا أنواعًا أخرى من المساعدات العسكرية لحرب روسيا. بحلول أوائل 2024، زودت إيران روسيا بحوالي 400 صاروخ أرض-أرض، بما في ذلك صواريخ فاتح-110 ذات طويل المدى.

بالإضافة إلى ذلك، تعوض إيران نقص الذخيرة لدى روسيا من خلال تسليم كميات هائل من الرصاص والذخائر. وإلى جانب الأسلحة، أرسلت إيران مستشارين عسكريين إلى شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا منذ 2024. وفقًا للبيت الأبيض، كان هؤلاء المستشارون “مشاركين مباشرة على الأرض” للمساعدة إطلاق الطائرات المسيرة ضد الأهداف الأوكرانية، وقد قتلت أوكرانيا عددًا من هؤلاء المستشارين الإيرانيين على حد زعم المقال.

دعم غير متناسب

يوجد فجوة واسعة بين مستوى دعم إيران وإسرائيل للأطراف المتنازعة في الصراع الروسي-الأوكراني.  إسرائيل، وهي مقيدة بخياراتها بسبب وضع روسيا في سوريا ومصير اليهود الروس، قيدت دعمها لأوكرانيا إلى حد كبير حتى اقتصرت على الخطابات والمساعدات الإنسانية والدعم الاستخباري المحدود. وفي المقابل، لم تتواني إيران عن دعم شريكها الروسي بكافة الوسائل المتاحة وبكل السبل الممكنة.

بشكل عام، يشدد المقال على أن النزاعات الروسية-الأوكرانية والإيرانية-الإسرائيلية  تشكل جانبين من نفس الصراع بين الكتلة الغربية التي تسعى للحفاظ على النظام الدولي بشكله الحالي وكتلة أوراسيا التي تسعى لتقويضه.

ويتنبأ المقال ختاماً على أنه بعد وقت ليس بالكثير قد تبدأ السياسة الإسرائيلية في عكس هذه الحقائق الجيوسياسية، أي أن تلتزم بتقديم دعم راسخ لأوكرانيا، يوزاي بشكل ما ذلك الدعم الذي تقدمه إيران لروسيا.

ربما يعجبك أيضا