عميل أمريكا السري مٌخترق «القاعدة».. من نجاحات خارقة لمصير مأساوي

نهاية مأسوية.. رحلة جاسوس أمريكي داخل أعماق داعش والقاعدة

أحمد الحفيظ

في اليوم التالي لبداية الولاية الثانية للرئيس جورج دبليو بوش، عاد ضابط سري للغاية في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى الولايات المتحدة بعد سنوات من الخدمة السرية وسط تنظيم داعش والقاعدة في الشرق الأوسط.

هذا العميل، الذي تميز بلحيته الكثيفة وندبة واضحة على ذراعه، عاش حياة مزدوجة كمتطرف، متسللًا إلى الجماعات الإرهابية، ورغم أنه كان في الولايات المتحدة، لم يكن بوسعه التحرك بحرية أو الاسترخاء، إذ كانت هويته السرية تشكل خطراً عليه حتى في وطنه.

الطريق المتعرج

نظرًا لحساسية المهمة وسرية هويته، اتخذت وكالة الاستخبارات المركزية احتياطات مشددة لضمان وصول العميل إلى مقرها في لانجلي، بولاية فرجينيا، لم يكن بإمكانه استقلال سيارة أجرة عادية أو التحرك بحرية، بل كان عليه أن يسلك طرقًا ملتوية ويغير المركبات عدة مرات لتجنب الملاحقة المحتملة.

عند وصوله، دخل العميل إلى مقر الوكالة بسرية تامة عبر مرآب تحت الأرض، حيث كان من المقرر أن يلتقي مجموعة مختارة من مسؤولي الوكالة الذين كانوا على علم بمهمته السرية، على رأس هؤلاء المسؤولين كان مايكل هايدن، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، الذي تولى منصبه في مايو 2006.

اجتماع غير عادي

الاجتماع بين هايدن والعميل لم يكن اعتياديًا، حيث نادرًا ما يلتقي مديرو وكالة الاستخبارات المركزية بضباط من المستوى الأدنى، ولكن هذا العميل لم يكن مجرد ضابط عادي؛ فقد تم تجنيده في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وعاش متخفياً لسنوات كمتطرف، متسللاً حتى إلى تنظيم القاعدة نفسه.

كانت المعلومات التي جمعها خلال مهمته حيوية للغاية، لدرجة أن مدير الوكالة والبيت الأبيض كانا يتلقيان تقارير مباشرة منه.

إنجازات مثيرة للجدل

داخل وكالة الاستخبارات المركزية، كان هذا العميل يُعتبر “أسطورة” بين زملائه، حيث كان نجاحه في التسلل إلى جماعات إرهابية يعتبر إنجازاً مذهلاً، وقد دفع هذا النجاح مايكل هايدن إلى ترتيب لقاء شخصي بين العميل والرئيس بوش، وهو شرف نادر في الوكالة.

لكن رغم هذه الإنجازات، بدأت تظهر تساؤلات وشكوك داخل الوكالة حول القيمة الاستخباراتية الفعلية لعمله، بالنسبة للبعض، كانت مساهمات العميل السري لا تقدر بثمن في الحرب على الإرهاب، بينما رأى آخرون أن هذه العمليات كانت محفوفة بالمخاطر بدون نتائج ملموسة كافية.

ومع مرور الوقت، بدأت الضغوط النفسية المتزايدة تؤثر على العميل، وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى طبيعة عمله الخطير والمعزول، وفي الاجتماع مع هايدن، بدا العميل مرتبكًا وغير مرتاح، وكأنه شخص خرج للتو من ظلام دامس إلى ضوء ساطع، وكان هذا السلوك بمثابة إنذار مبكر عن المشاكل النفسية والعاطفية التي سيواجهها العميل لاحقًا.

التأثير النفسي.. نهاية مأساوية

تلك الضغوط النفسية والعاطفية تزايدت مع مرور الوقت، مما دفع وكالة الاستخبارات المركزية إلى اتخاذ قرار بسحب العميل من مهمته السرية، ولكن بعد سنوات من العيش تحت ضغط هائل، عانى العميل من انهيار نفسي، وفي عام 2016، توفي هذا العميل السري، تاركًا وراءه إرثًا محاطًا بالغموض والجدل.

قصة هذا العميل هي بمثابة رثاء لحرب وكالة الاستخبارات المركزية على الإرهاب، إنها تعكس نجاحات العمليات السرية ولكنها تسلط الضوء أيضًا على التشوهات المؤسسية والأخلاقية التي قد تصاحب مثل هذه المهام الخطيرة.

وبينما يرى البعض أن العميل كان بطلاً حقيقيًا، يتساءل آخرون عما إذا كانت تضحياته تستحق العناء، مشككين في الفعالية العامة لسياسة نشر الضباط السريين في أماكن خطرة.

إرث من الغموض والخلاف

إرث هذا العميل لا يزال مثار جدل داخل وكالة الاستخبارات المركزية، البعض يعتبره رمزاً للشجاعة والالتزام في الحرب على الإرهاب، بينما يرى آخرون أنه كان ضحية لسياسات خاطئة، أدت إلى تدميره نفسيًا وعاطفيًا.

لكن وكالة الاستخبارات الأمريكية واجهت ضغوطا بسبب هذا العميل إذ تسأل زملائه حول جدوى مهام التجسس البشرية في القرن الحادي والعشرين.

ربما يعجبك أيضا