السحر.. القاتل الصامت لمرضى المهق في تنزانيا

عبدالمقصود علي
القاتل الصامت لمرضى المهق في تنزانيا

في شهر واحد، تعرض شخصان مصابان بالمهق لهجوم في تنزانيا، بما في ذلك فتاة تبلغ من العمر عامين تم اختطافها وقتلها.


غبار وصخور على مد البصر لمسافة 250 كيلومترًا تقريبًا، هذه هي المسافة التي تفصل عاصمة تنزانيا دودوما عن بلدة سينجيدا وسط البلاد، حيث تعيش زيتوني هاميسي، 34 عامًا، المصابة بالمهق (البرص).

هذه السيدة تقول لصحيفة “لاكروا” الفرنسية، وهي تحمل طفلها البالغ من العمر 13 شهراً، يعاني أيضًا من نفس المرض: الوضع الأمني ​​ليس جيدًا هنا، في المستقبل، أود أن أعيش مع أطفالي الأربعة (جميعهم مصابون بالمهق) في مكان آمن. اثنان منهم في مدرسة داخلية ولا أعرف ما هو الوضع هناك”.

مرضى المهق - تنزانيا

زيتوني هاميسي

جريمة قتل وحشية

وفقا للصحيفة في الآونة الأخيرة، زاد عدد الهجمات على الأشخاص المصابين بالمهق في تنزانيا، إذ تزعم بعض المعتقدات المحلية أن إحضار جزء من جسد المصاب بالمهق إلى الساحر، يمكن أن يساعد في حل جميع أنواع المشاكل، بما في ذلك المالية أو العائلية.

وبعد جريمة القتل الوحشية التي تعرضت لها الطفلة أسيموي نوفاث، البالغة من العمر عامين، والتي عُثر على جثتها مبتورة جزئياً، في شهر مايو الماضي، تأهبت الحكومة التنزانية على أعلى المستويات.

وخلال إحدى مداخلاتها، دعت رئيسة البلاد سامية صولوحو حسن، إلى الوقوف دقيقة صمت، حدادًا على أسيموي. كما أعلن مكتب رئيس الوزراء عن تدابير جديدة لمكافحة العنف المرتبط بالمهق، فضلاً عن اجتماع للمفوضين الإقليميين لتوفير حماية أفضل لهؤلاء السكان.

مفتاح الحل

الإجراءات غير كافية، بحسب أماليا جاميو، الخبيرة المستقلة في لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالأمم المتحدة والتي قالت: الحالات تتزايد في تنزانيا، ولا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو. يجب أن يكون النظام القضائي صارمًا والعقوبات شديدة جدًا.

وتضيف للصحيفة الفرنسة بفزع: “يجب أن تكون هناك أيضًا حملة توعية طويلة الأمد والمزيد من التثقيف حول هذا الموضوع، وهذا هو مفتاح الحل”.

وفي مقابلة مع “لا كروا”، أكد وزير الشباب والعمل وذوي الإعاقة، باتروباس كاتامبي، أن مكافحة العنف ضد مرضى المهق “أولوية” للحكومة. وعندما سئل عن الزيادة في الهجمات، بين “لم يحدث هذا العنف تقريبًا في السنوات الخمس أو الست الماضية حتى لو كانت هناك حالتان مؤخرًا، فو لا يزال أقل مما كان عليه في الماضي”.

“لعنة”

رغم ذلك، تزعم بعض الجمعيات أن العديد من النساء المصابات بالمهق قد اختفين في الآونة الأخيرة. فبعد وعودهم بالزواج أو العمل المنزلي، يغادرون المنزل ولا تراهم عائلاتهم مرة أخرى. كما يؤكد صالحي أليكس بوكانو، من جمعية المهق التنزانية (TAS)، وهي جمعية أنشأها ويديرها التنزانيون المصابون بالمرض، “الوضع آخذ في التحسن، ولكن لا تزال هناك تحديات”.

وبالنسبة لهذا الرجل، البالغ من العمر 33 عامًا، وهو الطفل الوحيد الذي يعاني من المهق في أسرة مكونة من 16 فردًا، فإن إجراءات الحكومة مهمة، ولكن يجب أيضًا أن يكون هناك وعي في المجتمع، حيث ترتكب العديد من الاعتداءات من قبل أقارب الضحايا، الذين يعتبرون المهق “لعنة”.

يتابع بوكانو، الذي لا يزال حذراً بعد الهجومين الأخيرين: “هذه الأحداث يمكن أن تشجع الحكومة على اتخاذ إجراءات لوضع حد لهذا العنف، أو تشجع البعض على ارتكاب هذا النوع من الجرائم”.

المهق وعام الانتخابات

يعد اقتراب الانتخابات المحلية هذا العام والانتخابات الرئاسية العام المقبل من الأسباب المحتملة لعودة هذه الهجمات ضد مرضى المهق، فمنذ بضعة أسابيع، قالت النائبة المصابة بالمهق خديجة شعبان أمام البرلمان: “بينما أتحدث إليكم، هناك أشخاص مصابون بالمهق ليسوا في سلام، ويشعرون بالقلق ويعتقدون أنه مع قدوم الانتخابات، فإن حياتهم في خطر”.

ويُتهم أحيانًا السياسيون أو رجال الأعمال الأثرياء برعاية هذه الهجمات لتحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية. فخلال انتخابات عام 2015، حذر نائب وزير الداخلية بيريرا سيليما زملائه في البرلمان من أنه لن يتم الفوز بأية مقاعد من خلال الاتجار بأعضاء المصابين بالمهق.

“لا نريد أن نقتل”

يوجد في مدينة سينجيدا تاجرة أخرى مصابة بالمهق تدعى زيتوني، حيث قالت للصحيفة وهي تتنقل بين عبوات المكرونة وزجاجات حليب جوز الهند وغيرها “من قبل، عندما كنت أبيع الأقمشة في القرية، قال الناس إنها ليست ذات نوعية جيدة لأنه من يبيعها شخص أمهق”.

مرضى المهق - تنزانيا

مرضى المهق – تنزانيا

لكن عند الحديث عن الهجمات الأخيرة، تشعر الزيتوني بالقلق وتضف: الوضع ليس جيدًا. ينبغي على القادة بذل كل ما في وسعهم لوقف هذه الكارثة. نحن لا نريد أن نقتل”.

ومع وجود شخص واحد من كل 1400 مصاب بالمهق في البلاد، مقارنة بحوالي واحد من كل 15000 في المتوسط داخل أفريقيا، تعد تنزانيا الدولة التي تضم أكبر  عدد من أصحاب المهق، ووفقا للأمم المتحدة، فقد قتل ما يقرب من 80 شخصًا مصابا بالمرض في البلاد بين عامي 2000 و2015.

ربما يعجبك أيضا