نجاح معنوي وخطأ استراتيجي.. تداعيات التوغل الأوكراني في روسيا

محمد النحاس

أطلقت القوات الأوكرانية في 6 أغسطس 2024 هجومًا مفاجئًا عبر الحدود ضد روسيا في منطقة كورسك الشرقية، ما قلب مسار الحرب وأثار تساؤلات عديدة بشأن أهداف هذه العملية وتأثيراتها المُحتملة.

كييف زعمت أن قواتها تقدمت أكثر من 20 ميلًا داخل الأراضي الروسية، وسيطرت على 74 بلدة، وأسرَت أكثر من 100 جندي روسي، في المقابل، اعترفت موسكو بالتوغل، لكنها أكدت أنها تقاتل لاستعادة المناطق المُتنازع عليها.

تطور غير مسبوق

وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا التوغل بأنه “استفزاز واسع النطاق”، في حين صرحت وزارة الخارجية الأوكرانية أن الهدف من العملية ليس احتلال الأراضي، بل وقف الهجمات الصاروخية الروسية على أوكرانيا من خلال خلق “منطقة عازلة”.

لكن التساؤلات تظل قائمة بشأن استراتيجية أوكرانيا ورد روسيا، وما إذا كانت هذه العملية ستحمل تأثيرات طويلة الأمد على الحرب، بما في ذلك إمكانية استئناف المفاوضات وتأثيرها على معنويات الطرفين وداعمي أوكرانيا، وتستعرض مجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” التابعة لمعهد كوينسي، آراء الخبراء عن أهداف وأبعاد ومرامي الهجوم الأوكراني.

إرادة أوكرانية ومكسب معنوي

يرى جاسين كاستيلو، المدير المشارك بمركز “ألبرتون للاستراتيجية الكبرى”، أن الهجوم الأوكراني يعكس “قوة الإرادة القتالية”، ولكنه يشكك في الأهداف العسكرية للهجوم، معتبرًا أنه ربما يمنح أوكرانيا دفعة معنوية على المدى القصير، لكنه يخشى من أن يستنزف قواتها التي تعاني بالفعل من نقص بالموارد.

أما مونيكا دافي توفت، أستاذ السياسة الدولية ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية بمدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية، ترى أن تأثير الهجوم سيكون محدودًا من الناحية المادية، ولكنه قد يحدث فرقًا كبيرًا من الناحية النفسية، خاصة على مكانة بوتين الدولية ودعمه الداخلي، كما أنه قد يعيد اهتمام الغرب بالقضية الأوكرانية.

صدمة الروس

يعتقد إيفان إيلاند، مدير مركز السلام والحرية في معهد “إندبندنت”، أن التوغل قد يهدف إلى صدمة القيادة الروسية بشأن هشاشتها، لكنه يشكك في جدواه الاستراتيجية، خاصة مع تكاليفه العالية على أوكرانيا في الأرواح والمعدات.

ويرى مارك إبسكوبوس، زميل أبحاث في “معهد كوينسي” وأستاذ مساعد في التاريخ بجامعة ماريماونت، أن العملية كانت محاولة لاستغلال ضعف الدفاعات الروسية لتحقيق مكاسب سريعة، لكن روسيا تمكنت من صد الهجوم، ما يضعف قدرة أوكرانيا في الحفاظ على مكاسبها.

نجاح إعلامي وخطأ استراتيجي

يشير ليال جولدشتاين، مدير تطوير آسيا في مؤسسة “أولويات الدفاع”، وأستاذ زائر في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، إلى أن الهجوم الأوكراني قد يكون ناجحًا من الناحية الإعلامية، لكنه يثير التساؤلات بشأن الحكمة من المخاطرة بهذا الهجوم، خاصة في ظل التفوق الروسي.

أما العالم السياسي، جون ميرشايمر، والأستاذ بجامعة شيكاغو وزميل غير مقيم في “معهد كوينسي”، يصف التوغل بأنه “خطأ استراتيجي جسيم” سيعجل من هزيمة أوكرانيا، مشيرًا إلى أن الهجوم على كورسك أدى إلى خسائر كبيرة لأوكرانيا، في وقت تحتاج فيه قواتها في مناطق أخرى.

بينما ترى مدير الأبحاث في معهد الأفكار الأمريكية، ومؤلف كتاب “منابع العدوان الروسي”، سومانتر مايترا، أن الهجوم الأوكراني لن يحقق الهدف المرجو منه، ولكنه قد يزيد من صلابة الموقف الروسي، ويثني بوتين عن الدخول في مفاوضات السلام.

نشوة قد تتحول لهزيمة

أما راجان مينون، وهو زميل غير مقيم في مؤسسة “أولويات الدفاع”، وأستاذ فخري في العلاقات الدولية بكلية باول بجامعة مدينة نيويورك، يعتبر أن النجاح الدائم للهجوم لا زال غير مؤكد، وأنه يجب على أوكرانيا الاستعداد لمواجهة هجوم روسي مضاد قد يحوّل النشوة الحالية إلى هزيمة.

ويعتبر بيتر روتلاند، الأستاذ في جامعة ويسليان وأستاذ كرسي “كولين ونانسي كامبل للقضايا العالمية والفكر الديمقراطي”، التوغل تحديًا كبيرًا لبوتين، مشيرًا إلى أنه يكشف عن فساد وضعف القيادة العسكرية الروسية.

أما ستيفن والت، الأستاذ في جامعة هارفارد وزميل في كلية كينيدي للدراسات الحكومية، يصف التوغل بأنه محاولة لرفع معنويات أوكرانيا وكسب دعم الغرب، لكنه يشكك في تأثيره على مسار الحرب، مؤكدًا أن مستقبل أوكرانيا سيتحدد في الداخل وليس على الأراضي الروسية.

ربما يعجبك أيضا