حرب وجودية.. روسيا تتفوق على الغرب مجتمعًا في الإنتاج العسكري

محمد النحاس

تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو حربًا يرغبون في الانتصار فيها، في المقابل تخوض روسيا حربًا تعتبرها وجودية ويتحتم الفوز بها ولا مناص عن ذلك بالنسبة إلى الروس؛ وبالنسبة للبنتاجون ومقاولي الدفاع الأمريكيين، فإن الأمر لا يتجاوز مجرد العمل كالمعتاد، حيث ينصب التركيز على الأرباح والإيرادات.


يصف مقال لمجلة ريسنسبول ستيت كرافت الأمريكية استجابة القاعدة الصناعية الدفاعية الغربية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية بأنها كانت في أحسن الأحوال “مخيبة للآمال”.

وفي الواقع، تتفوق روسيا على جميع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) مجتمعةً والولايات المتحدة في إنتاج الذخيرة والصواريخ والدبابات، رغم أن ميزانيتها الدفاعية لعام 2023 تبلغ فقط 100 مليار دولار، وناتجها المحلي الإجمالي تريليوني دولار.

فارق هائل

تصل ميزانية الدفاع المشتركة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى 1.47 تريليون دولار، وناتجهم المحلي الإجمالي المشترك إلى حوالي 45 تريليون دولار، وفق مقال المجلة الأمريكية المنشور في 14 أغسطس 2024.

لكن، “كيف يمكن تفسير ذلك؟” باختصار -كما يوضح المقال- تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو حربًا يرغبون في الانتصار فيها، في المقابل تخوض روسيا حربًا تعتبرها وجودية ويتحتم الفوز بها ولا مناص عن ذلك بالنسبة إلى الروس.

وبالنسبة للبنتاجون ومقاولي الدفاع الأمريكيين، فإن الأمر لا يتجاوز مجرد العمل كالمعتاد، حيث يتم التركيز على الأرباح والإيرادات بشكل أساسي.

مشكلات هيكلية

بالرغم من تسريع بعض العقود حتى يبدأ تدفق الأموال بشكل أسرع، فإن غياب الإصلاحات الدفاعية الحقيقية يعني أن المقاولين الدفاعيين سيستمرون في تسليم أنظمة الأسلحة مثل الطائرة المقاتلة F-35 وحاملة الطائرات فورد والمدمرة الصاروخية الباليستية  Sentinel ICBM  بشكل متأخر وبكلفة أكبر بكثير من المتوقع، حسب المجلة الأمريكية.

وليست المشكلة ليست فقط في البرامج الكبيرة والمعقدة التي تأتي متأخرة وتكلف أكثر من الميزانية المحددة بل حتى إنتاج الذخائر البسيطة مثل القذائف المدفعية غير الموجهة يحدث متأخرًا وبكلفة زائدة، وبحلول عام 2022، كان من الواضح أن الجيش الأمريكي لم يعد يعتبر المدفعية مركزية في ساحة المعركة كما كانت في السابق.

وفي 21 مايو 2021، قبل حوالي ثمانية أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية، طلب الجيش تخفيض الإنفاق السنوي على القذائف عيار 155 ملم إلى النصف، وتقليص الإنتاج السنوي إلى 75,357 قذيفة فقط، أي حوالي 6,200 قذيفة شهريًا.

تعقيدات لا تنتهي

لكن القصة لا تنتهي هنا، حيث كشف تحقيق استقصائي مميز نشرته وكالة أنباء رويترز مؤخرًا  أن إنتاج القذائف عيار 155 ملم في الولايات المتحدة كان يعاني لسنوات من عيوب تصنيع ومشاكل في السلامة.

وبالإضافة إلى ذلك، تأخر مشروع استبدال منشأة إنتاج المدفعية الأمريكية القديمة في ولاية فرجينيا بمنشأة حديثة ذات قدرة إنتاجية أعلى بعقد من الزمن، بينما تضاعفت تكلفتها تقريبًا.

ولكن الجانب الأكثر إثارة للقلق بشأن كيفية إدارة الجيش الأمريكي والكونجرس لسلسلة توريد قذائف المدفعية يتجلى في وثيقة داخلية للجيش الأمريكي من عام 2021، والتي تكشف عن “اعتماد على الخارج” في الحصول على ما لا يقل عن عشرة مواد كيميائية أساسية لتصنيع قذائف المدفعية، والتي يتم استيرادها من الصين والهند، وهما دولتان تربطهما علاقات تجارية وثيقة مع روسيا، وفقًا لتحقيق رويترز.

السيطرة على سلسلة التوريد

كل هذه الأمور تشير إلى أن سلسلة توريد ذخائر المدفعية في وضع سيء، خصوصًا عند مقارنتها بقدرة الولايات المتحدة على إنتاج 438,000 قذيفة شهريًا في عام 1980.

ولاستعادة السيطرة على سلسلة التوريد، طلب الجيش الأمريكي 3.1 مليار دولار لزيادة إنتاج قذائف 155 ملم إلى 100,000 قذيفة شهريًا بحلول نهاية عام 2025. لكن الكونجرس زاد هذا المبلغ بسخاء إلى 6.414 مليار دولار كجزء من مشروع قانون بقيمة 95 مليار دولار الذي وقعه بايدن في 24 أبريل.

خطط مستقبلية

خطط الجيش لزيادة الإنتاج إلى 100,000 قذيفة شهريًا، بمعدل 1.2 مليون قذيفة سنويًا، بحلول نهاية 2025 تبدو جيدة على الورق، لكننا لم نرَ بعد هذا المعدل من الإنتاج على أرض الواقع، وبحلول نهاية 2025 قد تكون أوكرانيا قد خسرت الحرب بالفعل.

ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ليست القوة الوحيدة المشاركة في هذه الحرب -الوكالة ضد روسيا- دول أخرى تعمل أيضًا على توفير قذائف المدفعية والتي تحتاجها أوكرانيا بشدة.

وبالنسبة لأوروبا، بدءًا من عام 2025 من المقرر أن تنتج شركة Rheinmetall الألمانية  ما يصل إلى 700,000 قذيفة مدفعية و10,000 طن من البارود سنويًا بفضل عقد بقيمة 8.5 مليار يورو مع الجيش الألماني.

سباق إنتاج الذخيرة

وبالتالي، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فقد تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو من إنتاج ما يقارب مليوني قذيفة عيار 155 ملم سنويًا بحلول نهاية 2025.

ولكن هذا الرقم يبدو أقل إثارة للإعجاب عندما نأخذ بعين الاعتبار أن روسيا قد زادت بالفعل من إنتاجها السنوي من قذائف المدفعية إلى ثلاثة ملايين قذيفة منذ بداية الحرب. ويشمل هذا زيادة إنتاجها من القذائف عيار 152 ملم خمسة أضعاف، من 400,000 قذيفة سنويًا في يناير 2022 إلى مليوني قذيفة سنويًا.

وبالإضافة إلى ذلك، تمكنت روسيا من زيادة إنتاجها من قذائف المدفعية الموجهة، عيار 152 ملم بمعدل 20 ضعفًا، وفقًا لمصادر رمسية روسية، وتتميز هذه القذائف بمقاومة أكبر للتشويش مقارنةً بالقذائف الموجهة عيار 155 ملم التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، والتي أصبحت إلى حد كبير غير فعالة بسبب قدرات التشويش الروسي الدفاعية.

جهود ليست كافية

لكن توفير قذائف المدفعية ليس كافيًا؛ حيث يحتاج الأمر أيضًا إلى المدافع لإطلاق تلك القذائف، والمدفعية الأوكرانية ليست فقط تتعرض للتآكل، بل تُدمر أيضًا على يد روسيا.

وحتى قبل أن تتعرض أنابيب المدافع (السبطانات) للتلف التام التآكل، تبدأ في فقدان مدى الإطلاق وتصبح أقل دقة، كل من أوكرانيا وروسيا تواجهان مشكلة التآكل في ظل ضرواة القتال، ولكن السؤال هو من يمتلك القدرة الصناعية الثقيلة لإنتاج مستدام وطويل الأمد سبطانات المدفعية.

ماذا عن المستقبل؟

ورغم قلة المعلومات المتاحة حول معدلات إنتاج سبطانات المدفعية، فإن روسيا تفوق الولايات المتحدة والناتو في إنتاج الأسلحة من خلال تشغيل مصانعها الضخمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية على مدار الساعة لإنتاج الذخيرة والمركبات وغيرها من المعدات العسكرية. وهذا يشير إلى أنها قد تكون تقوم بنفس الشيء عندما يتعلق الأمر بإنتاج سبطانات المدفعية، وكذلك إنتاج مدفعية جديدة بالكامل.

ضرورة التغييرات المستقبلية

من ناحية أخرى، لا شك أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو إذا كانوا يعتقدون حقًا أن وجودهم مهدد، يمكنهم إنفاق المليارات على تدابير طارئة تسمح لهم بتجاوز إنتاج روسيا، التي يُعد إنفاقها الدفاعي وناتجها المحلي الإجمالي جزءًا صغيرًا مقارنةً بـ دول الناتو و الولايات المتحدة الأمريكية.

مثل هذه التدابير ستتطلب تعديلات سريعة وجذرية، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو لا يبدو أنهم يضمون قدمًا لوضع سياسات صناعية جديدة شاملة.

ربما يعجبك أيضا