تحليل| اللواء سيد غنيم يكشف لـ«رؤية» أسباب وتداعيات «هجوم كورسك»

محمد النحاس

كشف اللواء الدكتور سَيد غُنيم، في تصريحات خاصة لـ"شبكة رؤية الإخبارية"، أبعاد وتداعيات الهجوم الأوكراني على الأراضي الروسية.


تواصل القوات الأوكرانية تعميق توغلها المباغت داخل الأراضي الروسية، المفاجأة أن موسكو لم تتمكن حتى الآن من وأد الهجوم الذي بدأ في 6 أغسطس 2024.

الموقف برمته يُثير العديد من التساؤلات حول الأهداف والمرامي والقدرات الروسية، وكيفية حدوث هذا الاختراق وتمكّن القوات المهاجمة من التوّغل إلى هذا الحد، وعدم قدرة الروس من وأد هذه الثغرة حتى الآن، خاصةً أن القوة الأوكرانية محدودة العدد والعتاد.

كيف وقع الهجوم؟

في حديث خاص لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، يجيب عن ذلك اللواء الدكتور سَيد غُنيم زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسيل، كما تم الاعتماد على مقالات أخرى كتبها اللواء غنيم في أوقات متفرقة منذ بدء الهجوم.

من الناحية الفنية والعملياتية ليس من السهل تصوّر كيف لقوة تتحرك بكل هذا العتاد أن تتمكن بيسر وسلاسة من اختراق الحدود الروسية. ومن ثم تضمن السيطرة على الأراضي التي احتلتها لعدة أيام بل وتتمكن من تعميق توغلها.

إجراءات تأمين القتال

يجيب اللواء الدكتور سَيد غُنيم عن هذه النقطة بشرح مفصل حول كيفية حدوث مثل هذا الاختراق، بدايةً يلفت اللواء غنيم إلى ما يسمى -عسكريًا- دور “إجراءات تأمين القتال” في نجاح التوغل الأوكراني واستمراره: والتي تشمل إجراء استطلاع استخباري دقيق لتحديد مواضع الهجوم والاختراق ومحاور التقدم والاشتباك والتوغل، وإلى أي نقطة ستصل القوات المهاجمة، وكيف ستتموضع.

وبالتالي توفر هذه المعلومات -بحسب اللواء غنيم- بيانات تفصيلية حول حجم التشكيلات القتالية والتجهيزات الهندسية المتواجدة في المنطقة المستهدفة، بالإضافة إلى طبيعة الثغرات الدفاعية. ويشير هنا بشكل عام (وليس في هذه الحالة بالضرورة) أن القوى الغربية  توفر القوى الغربية معلومات استخبارية دقيقة لأوكرانيا والتي تستغلها بدورها في الجانب العملياتي.

 لكن لماذا كورسك؟

كما يشير الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل اللواء سيد غنيم، هنا مجموعة من الوسائل ساعدت القوات الأوكرانية، حيث يتعين أيضًا على الجانب الاستخباري تحديد المنطقة المستهدفة بشكل يضمن: القدرة على بسط السيطرة النيرانية وفرض المراقبة عن طريق تحديد منطقة مرتفعة للتموضع ما يوفر قدرة على استهداف القوات التي تهدف للتصدي للهجوم.

كما أن القوات المدافعة، هم مجندين وليست قوات محترفة، أي “عناصر تأمين” في المقام الأول وليس عناصر مقاتلة وبالتالي يسهل على المهاجم التعامل معهم، وفق اللواء سيد غنيم زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية.

ويلفت إلى دور قدرات الحرب الإلكترونية ووسائل التواصل اللاسلكية المتطورة والتي تتجنب الرصد (مثل الثريا)، ولدى القوات الأوكرانية، قوة نيرانية كبيرة للاستعانة بها عند تحولها للدفاع، بالإضافة للتأمين الاستطلاعي والإشاري الفعال، كل تلك العوامل أسهمت في نجاح التوغل ومضيه قدمًا.

تأمين الإمدادات اللوجيستية ومستقبل الهجوم

يشمل ذلك -حسب اللواء الدكتور سيد غنيم- معدات ضد أسلحة الدمار الشامل على شاكلة الأقنعة الواقية من الغازات السامة للحماية من أساليب الحرب الكيمائية، وكميات هائلة من الذخائر والإمدادات كافة اللازمة للقوات.

ورجّح اللواء الدكتور سيد غنيم في حديثه لرؤية وجود عناصر مظلات ضمن القوات المهاجمة، والتي بإمكانها الصمود في القتال؛ ضعف الوقت الذي يستطيعه عنصر قوات المشاة، نظرًا لطبيعة الذخيرة والعتاد والتدريبات التي يتلقاها الأول ولا يحصل عليها الأخير. وبحسب الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسيل هناك نقطة رئيسية أخرى وهي الانتشار (واسع النطاق) للعناصر المهاجمة، والذي يضمن تشتيت قوّة المُدافع النيرانية وبالتالي إضعافها بدلاً من تركيزها في نطاق محدد.

ويتابع، أن القوات الأوكرانية لم تقف عند هذا الحد بل سرّبت قوات لمنطقة بيلجورود لتضمن تشتيت القوات الروسية من جهة، ومن جهة أخرى لتقديم الدعم للقوات الأوكرانية في كورسك، وعن المستقبل رجح اللواء الدكتور غنيم أن القوات الأوكرانية ستُباد في نهاية المطاف إذا ما ظلت على حالها (ولم تنسحب) إلا إذا استمر تدفق الدعم والذي قد يحدث رغم صعوبته.

هدف أوكرانيا من الهجوم المباغت

جملة من الأهداف ذكرها اللواء الدكتور سيد غنيم تتمثل في: من الناحية المعنوية، يهدف الأوكرانيون إلى قلب الطاولة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإظهاره في مظهر ضعيف. أما إذا نجح الهجوم يتفاوض الجانبان إذن على الأراضي، وبالتالي تتمكن أوكرانيا من الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل يكافئ الجانب الروسي، كما يشير زميل الأكاديمية العسكرية.

ويلفت اللواء سيد غنيم إلى هدف آخر وهو تشجيع حلف شمال الأطلسي على زيادة الدعم العسكري، والبرهنة على إمكانية إيلام الروس، مشيرًا هنا إلى أن الهجوم الأوكراني وقع بالعتاد الغربي وهو الأمر الذي يحمل رسالة مزدوجة ليس دعوة لزيادة الدعم فحسب، بل كذلك للتجريء والمضي قدمًا في سبيل دعم أوكرانيا دون تردد أو خوف من التبعات مع زعزعة مصداقية الردع الروسي.

أسباب إضافية

هناك أسباب أخرى -وفق توضيح الأستاذ الزائر بالناتو اللواء الدكتور سيد غنيم- والتي يوضحها بشكل منفصل في منشور له عبر فيسبوك مثل: “استهداف محطة نقل الغاز بكورسك، حيث أن مدينة سودجا الروسية (في كورسك) التي تخضع للسيطرة الأوكرانية حاليا، تقع بالقرب من محطة غاز روسية على الحدود مباشرة، هي آخر نقطة شحن تعمل حالياً لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا. وتشير تقارير إلى أن هذه الترتيبات المتعلقة بنقل الغاز ستنتهي في يناير المقبل، وربما تكون هذه محاولة لوقف مصدر تمويل مربح لموسكو”.

ويوضح اللواء سيد غنيم هنا أن “محطة كورشاتوڤ للطاقة النووية في كورسك هي المورد الرئيس للطاقة لمنطقة تشيرنوزيمي الوسطى، وهي المنطقة التي تنتج 48% من خام الحديد، و13.5% من الفولاذ، و19% من المعادن الحديدية، و9.6% من اللحوم، و19.5% من السكر في روسيا، وتعد محطة كورشاتوڤ للطاقة النووية نفس النسخة تقريباً من تشرنوبيل”. ويهدف الهجوم كذلك ا إلى دفع روسيا لجلب قوات من الاحتياطيات الاستراتيجية أو المشتبكة في أوكرانيا وبالتالي إضعاف “القوة الدافعة للهجوم” (في جبهة دونباس)، وفق زميل الأكاديمية العسكرية.

وعلاوةً على ذلك، كتب اللواء الدكتور سيد غنيم أن “الهجوم في كورسك، موجه بشكل أكبر ضد الوحدات الروسية الحقيقية، وليس ضد وحدات أجنبية مشكلة من مرتزقة من سيبيريا، ومن أصول منغولية، وسجناء من السجون، وآسيويين مثل النيباليين وغيرهم من جنسيات أو فئات لا تشكل لروسيا خسارة مؤثرة في القوة البشرية”.

نقلة نوعية وتحول لافت

هناك مجموعة من العناصر الأخرى التي تأتي جنبًا إلى جنب مع الهجوم الأوكراني لتشكل صورة ليست سارة للكرملين، يلخصها اللواء سيد غنيم زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية في النقاط التالية:

النقلة النوعية أن الاختراقات هذه المرة وقعت بالقوات بدلاً من المسيرات والوسائل الهجومية الأخرى لكن لا يقف الأمر هنا، فقد استهدفت أوكرانيا من قبل -عبر الدرونز- في ضربة مدوية محطات الإنذار الاستراتيجي المنوط بها اكتشاف الصواريخ الاستراتيجية لدول الناتو القادرة على حمل رؤوس نووية.

كما استهدفت أوكرانيا عبر صواريخ “نبتون” الأسطول الروسي المتمركز في سيفاستوبول (الواقعة في شبه جزيرة القرم والتي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014)، كما أن قوات كييف تستهدفها بـ صواريخ “أتاكمز” الأمريكية  (وهي مدفعية صاروخية كبدت الروس خسائر كبيرة) بالإضافة إلى المسيرات.

ويمثل ذلك -بحسب الأستاذ الزائر بالناتو اللواء سيد غنيم- نقلة نوعية (أي ضرب مناطق تسيطر عليها روسيا منذ سنوات بأسلحة غربية وأن تؤدي لخسائر كبير وليس داخل المناطق المحتلة في دونباس فقط). وكان اللواء سيد غنيم قد رجح قبل أيام في منشور له قيام القوات الأوكرانية بتنفيذ اختراقات أخرى في الحدود الروسية.

الوقوع في المحظور.. ماذا لو؟  

يوضح اللواء الدكتور سَــــيْد غُنــــيْم أن تكرار تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميديڤيديڤ باستخدام السلاح النووي قد يشير لعدم وجود نية حقيقية لذلك، مردفاً: لذا أتصور أن المفاجأة الاستراتيچية النووية التي ممكن أن يحققها بوتين هي دفع بيلاروسيا لاستخدام السلاح النووي التكتيكي بحجة وقوع البلدين لتهديد يستهدف أمنهما القومي.

فماذا لو وقع آليكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا في المحظور وبادر باستخدام السلاح النووي بأي شكل نيابة عن بوتين؟

ضربة نووية تكتيكية

يورد اللواء دكتور سَــــيْد غُنــــيْم ثلاث نقاط مرتبطة بهذا السيناريو، ويؤكد لـ “رؤية”: “أتصور أنها قد تكون ضربة نووية تكتيكية بأصغر عيار ممكن في منطقة محدودة غير مؤثرة وذلك من باب الردع، ويرجح أن تكون ضربة اختبارية على الحدود البيلاروسية الأوكرانية البولندية”، مضيفًا “يرمي بوتين لأن يحدث خلاف شديد بين الولايات المتحدة والناتو وحلفائهما في آسيا والباسيفيك حول أسلوب الرد على بيلاروسيا”.

ويتابع: أيًّا ما كان الرد، فقد يؤدي للإطاحة بالرئيس البيلاروسي”. ويستدرك: “ويحضرني في هذه الحالة ورقة الاستراتيجية الداخلية الروسية المكونة من 17 صفحة، والتي أنتجتها إدارة بوتن الرئاسية بمدخلات من أجهزة الاستخبارات والقوات المسلحة الروسية، وتم نشرها في أوائل عام 2023”. مشيرا إلى أنها “بمثابة دليل شامل للضم غير الرسمي لبيلاروسيا وأوكرانيا إلى أراضي الاتحاد الروسي من خلال مجموعة من التدابير الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، بهدف الاستيعاب الكامل في ما يسمى “دولة الاتحاد” مع روسيا بحلول عام 2030″.

ويردف ختامًا: “أن من نتائج الاختراق البري الأوكرانى للحدود الروسية إثبات شكليّة منظمة معاهدة الأمن الجماعى، وهو ما يقلل من هذا الاحتمال حيث ستتجنب بيلاروسيا التورط بشكل مباشر، وقد تكون أقصى مساهمتها افتعال مواقف تزعج أوكرانيا، وذلك من باب الحكمة”.

ربما يعجبك أيضا