الحصبة والكوليرا والسل.. لماذا تعاود هذه الأمراض الظهور؟

عبدالمقصود علي
أمراض كنا نظن أنها من عصر انتهى تعاود الانتشار

السعال الديكي والحصبة والكوليرا، أمراض كنا نظن أنها من عصر انتهى تستمر في الانتشار على الكوكب وتعاود الظهور في جميع أنحاء العالم بما في ذلك فرنسا، إنها ظاهرة تتطلب اليقظة من جديد.


السعال الديكي والحصبة والسل والكوليرا، كنا نظن أن هذه الأمراض تنتمي إلى الماضي، ومع ذلك لا تزال تنتشر بنشاط في جميع أنحاء الكوكب، بما في ذلك فرنسا، فما هي الأسباب؟

سؤال حاولت صحيفة “لاكروا” الفرنسية الإجابة عليه من خلال الأطباء والباحثين بعد أن شهدت البلاد وكذلك العالم زيادة في الأمراض المعدية خلال السنوات الأخيرة بعضها أدى إلى وفيات.

دق ناقوس الخطر

أحدث مثال هو “السعال الديكي” الذي يعود للظهور بشكل مثير للقلق في فرنسا، فوفقًا لوكالة الصحة العامة، هذا المرض البكتيري شديد العدوى، والذي غالبا ما يكون حميدًا لكن يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة في الجهاز التنفسي والعصبي، قد تسبب بالفعل في وفاة 20 طفلًا و8 بالغين منذ بداية العام.

هذا الوباء أعقب عودة ظهور “الحصبة” التي شهدتها البلاد عام 2023 – تم الإبلاغ عن 117 حالة – وتفشي حالات السل – تم الإبلاغ عما يقرب من 4800 مريض – ناهيك عن الكوليرا التي ضربت جزيرة “مايوت” في الربيع – حيث جرى تحديد حوالي ستين مريضًا بما في ذلك وفاة طفل عمره 3 سنوات.

وعلى المستوى العالمي، فإن الوضع أكثر إثارة للقلق، بحسب منظمة الصحة العالمية، التي دقت ناقوس الخطر في يناير 2024. بعدما أحصت الهيئة الدولية 30 ألف حالة إصابة بالحصبة عام 2023 في أوروبا، أي أكثر بثلاثين مرة من العام السابق رغم اختفاء المرض عمليا في 2021.

هل كوفيد هو المسؤول؟

الأمر نفسه ينطبق على مرض “السل”، الذي شهد زيادة في حالات الوفاة المسجلة في القارة القديمة – لأول مرة منذ عشرين عامًا – في حين توفي ما مجموعه 1.3 مليون شخص بجميع أنحاء العالم بسبب هذا المرض البكتيري الذي يصيب الرئتين.

ويؤكد معهد “باستور”، مؤسسة فرنسية خاصة تختص بدراسة علم الأحياء والميكروبات والأمراض واللقاحات، أن واحد من كل أربع وفيات ناجمة عن العدوى. وهي نسبة ضعف معدل الوفيات الناجمة عن السرطان، ومن هنا تأتي أهمية فهم أسباب عودة ظهور هذه الأمراض.

ووفقًا للبروفيسور أوديل لوناي، المتخصصة في الأمراض المعدية بجامعة “باريس سيتي”، فإن “التفسيرات تختلف باختلاف الأمراض، ولكن لا يزال بإمكاننا الإشارة إلى مسؤولية أزمة وباء كوفيد، على الأقل بشكل غير مباشر”.

قلة التطعيمات

أشارت إلى أن فترة العزل أثناء الوباء أدت إلى تقليل تداول مسببات الأمراض، وخلقت العودة نوعًا من التأثير الارتدادي، موضحة أن الكائنات الحية، التي كانت تتمتع بحماية طويلة جراء الاتصال، فقدت تفاعلها، وبالتالي أصبحت محمية بشكل أقل.

من جهتها تشير آن كلود كريميو، أخصائية الأمراض المعدية ورئيس اللجنة الفنية للتطعيمات بالهيئة الوطنية للصحة بفرنسا، إلى أن أزمة كوفيد تسببت أيضًا في “تعطيل النظم الصحية بجميع أنحاء العالم، مما أدى إلى تقليل إمكانية الوصول إلى الرعاية واللقاحات للأمراض الأخرى خاصة بين الأطفال”.

وهذا الانخفاض في تغطية التطعيم هو السبب الرئيس الآخر لعودة ظهور بعض الأمراض المعدية. ففي فرنسا، لم يلاحظ هذا الانخفاض عند الرضع، ويرجع ذلك بلا شك إلى أن وزارة الصحة جعلت 11 لقاحًا إلزاميا للأطفال المولودين بعد الأول من يناير 2018. ولكن نقص التطعيم يظل واضحًا، وخاصة بالنسبة للتطعيم ضد السعال الديكي.

أسباب اقتصادية واجتماعية

توضح آن كلود كريميو: “يعود المرض على شكل موجات، كل ثلاث إلى خمس سنوات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض الحماية المناعية بعد بضع سنوات”، لافتة إلى أن إحدى الطرق لتجنب ذلك هي تطعيم النساء الحوامل لحماية أطفالهن في نفس الوقت. وتعترف قائلة: لكن هذه التوصية التي قدمتها الهيئة الوطنية للصحة عام 2022، لا تزال غير معروفة بشكل كافٍ للمتخصصين والجمهور”.

وإلى جانب هذه التفسيرات الطبية، هناك أسباب اقتصادية واجتماعية فبحسب أوديل لوناي “كيف يمكن أن نتحدث عن الكوليرا في جزيرة مايوت الفرنسية – وهو مرض ناجم عن امتصاص الطعام أو الماء الملوث بالبكتيريا – دون أن نذكر حالة الفقر التي يعيشها السكان هناك وتدهور شبكات توزيع مياه الشرب وطريقة التخلص من المياه المستخدمة؟”.

عدم الاستقرار

كما تؤكد أن عدم الاستقرار والاستبعاد الاجتماعي الذي يؤثر على فئات معينة من السكان – المشردين والمهاجرين الذين يحملون أوراقًا أو لا يحملونها – يمكن أن يشجع أيضًا على عودة الأمراض مثل هذه الأمراض كالسل أو الجرب، ومن هنا تأتي أهمية رعاية هؤلاء الناس، لأسباب إنسانية وكذلك للصحة العامة.

وتقول آن كلود كريميو “لقد كشفت أزمة كوفيد عن هشاشة العالم الشديدة وهشاشة مجتمعاتنا. لكنها أظهرت أيضًا أنه يمكننا الرد ومواجهة التهديد في وقت قياسي، وأن العلم والإنسانية قد أحرزا تقدمًا مذهلًا خلال القرن الماضي للحد من الأمراض والوفيات المرتبطة بالعدوى على هذا الكوكب”.

ربما يعجبك أيضا