مودي في كييف.. زيارة للسلام أم لتحقيق المصالح السياسية؟

«مودي في كييف» بين مصالح الهند والسلام الدولي

شروق صبري
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي  

مودي يزور كييف بعد موسكو، هل يسعى لتحقيق السلام أم تعزيز مصالح الهند في ظل الصراع الروسي الأوكراني؟


وصل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى كييف، حيث التقى بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى أوكرانيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991.

جاءت الزيارة بعد 6 أسابيع من زيارة مودي إلى موسكو حيث التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتكتسب زيارة مودي أهمية كبيرة لأن كييف وبعض العواصم الغربية أعربت عن استيائها من زيارة مودي إلى موسكو في يوليو 2024، بحسب صحيفة “اكسبريس” الهندية اليوم 23 أغسطس 2024.

الزيارة والرسائل السياسية

لا يمكن القول أن الهدف من زيارة مودي إلى كييف هو تهدئة زيلينسكي وغيره من القادة الغربيين فقط بسبب زيارته لموسكو، لكن الهند دائما توازن علاقاتها بين أي قوتين متنافستين أو تكتلات مختلفة. فقد خدمت سياسة عدم الانحياز التي تتبعها الهند في الشؤون الجيوسياسية بشكل جيد على مدى عقود.

بالتالي، فإن زيارة اليوم  تتشير إلى أن الهند ستواصل علاقاتها القوية مع روسيا، لكنها ستعمل أيضًا بشكل وثيق مع الغرب. وقال مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون،مايكل كوجلمان، إن الزيارة تأكد الاستقلال الاستراتيجي للهند. وأضاف “الهند ليست في مجال تهدئة القوى الغربية . لكنها تهدف إلى تعزيز مصالح الهند، من خلال إعادة تأكيد الصداقة مع كييف والتعبير عن مخاوفها من  استمرار الحرب”.

 رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

التركيز على رسالة غاندي

بدأ اللقاء بين مودي وزيلينسكي بتكريم ذكرى الأطفال في معرض “مارتيولوجيست” في كييف قبل المحادثات الثنائية التي تركز على النزاع المستمر. ومن المتوقع أن يناقش مودي مع زيلينسكي سبل التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا.

سلط مودي الضوء على أهمية رسالة المهاتما غاندي الخالدة للسلام خلال زيارته لتمثال غاندي في “حديقة واحة السلام” في كييف. كتب مودي على “إكس”: “قدمت التحية لمهاتما غاندي في كييف. مبادئ عالمية وتعطي الأمل للملايين. لنتبع جميعًا الطريق الذي أظهره للإنسانية”. وأشاد متحدث باسم وزارة الخارجية الهندية على “إكس” بدور غاندي في تعزيز السلام، وبناء مجتمع متماسك وإيجاد حلول للتحديات العالمية الحالية”.

زيارات تاريخية وتعزيز التعاون

تعتبر زيارة مودي إلى كييف علامة بارزة في العلاقات الهندية الأوكرانية، حيث أنها الأولى من نوعها منذ استقلال أوكرانيا. كما كانت زيارة مودي إلى بولندا هي الأولى لرئيس وزراء هندي منذ 45 عامًا. قبل مغادرته نيودلهي، قال مودي: “أتطلع إلى فرصة البناء على المحادثات السابقة مع الرئيس زيلينسكي لتعزيز التعاون الثنائي ومشاركة وجهات النظر حول التسوية السلمية للنزاع الأوكراني.”

وأضاف: “بصفتنا صديقين وشريكين، نأمل في العودة السريعة للسلام والاستقرار في المنطقة”، وتأتي هذه الزيارة في وقت حرج حيث تتواصل الهجمات العسكرية الأوكرانية على الأراضي الروسية، ويأمل الكثيرون أن تساهم زيارة مودي في دفع جهود السلام في المنطقة.

برئيس الوزراء ناريندرا مودي لدى وصوله إلى محطة السكة الحديد في كييف بأوكرانيا

برئيس الوزراء ناريندرا مودي لدى وصوله إلى محطة السكة الحديد في كييف بأوكرانيا

التحديات المحتملة

ورغم أن مودي يسعى لتسوية النزاع، فإن بعض الأوكرانيين يعتبرون أن علاقات الهند الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تؤثر على فعالية دوره كوسيط. تعتبر الهند أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية في العالم، وتسعى أيضًا للاستفادة من النفط الروسي الأرخص في ظل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على القطاع الروسي.

وكانت زيارة مودي إلى موسكو في الشهر الماضي قد تزامنت مع الهجمات الصاروخية الروسية على أوكرانيا، بما في ذلك الهجوم الذي استهدف مستشفى للأطفال، والذي انتقده مودي ضمنيًا خلال قمة ثنائية مع بوتين. وقد اتفق الزعيمان على زيادة التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 وتعزيز الاستثمارات والتغلب على العوائق التجارية غير الجمركية.

وكانت قد تجنبت الهند إصدار إدانة صريحة للغزو الروسي في عام 2022، وامتنعت عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تنتقد روسيا، بدلاً من ذلك دعت إلى حل النزاع من خلال الحوار المباشر بين الطرفين.

التوقعات المستقبلية

أشارت هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، اليوم إلى أن توقعات الخبراء تشير إلى أنه من غير المرجح أن يتم الإعلان عن اقتراحات كبيرة لإنهاء الحرب خلال زيارة مودي، نظرًا للوضع العسكري المتقلب فضلا عن الحاجة لانتظار الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، الحليف المقرب لأوكرانيا.

ومع ذلك، تعتبر زيارة مودي مهمة للهند لإظهار أنها ليست في صف روسيا وللتأكيد على رغبة كييف في تطبيع العلاقات بعد زيارة مودي إلى موسكو. كما توفر زيارة مودي إلى كييف فرصة لتسليط الضوء على الجهود الدبلوماسية المحتملة، في وقت تحتاج فيه أوكرانيا إلى دعم دولي كبير لإنهاء النزاع المستمر وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

الاجتماعات المرتقبة

من المقرر أن يلتقي مودي وزيلينسكي في وقت لاحق اليوم لمناقشة تفاصيل التعاون بين البلدين. يُتوقع أن تشمل المناقشات مجالات عدة، بما في ذلك المشاريع التنموية، والدعم الفني، والمساعدات الإنسانية.

كما سيعقد مودي مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع زيلينسكي بعد انتهاء المحادثات، حيث يُتوقع أن يتم الإعلان عن مجموعة من المبادرات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الهند وأوكرانيا.

الاهتمامات الأكبر للهند

الهند تهدف أيضًا إلى تعزيز علاقاتها مع أوروبا، خصوصًا مع الدول في وسط وشرق أوروبا. وقد زار مودي بولندا، وهي أول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى البلاد منذ 45 عامًا، بالإضافة إلى زيارة النمسا في يوليو، وهي الأولى منذ 41 عامًا.

يعتقد المحللون أن هذه الزيارات تشير إلى أن الهند تدرك جيدا أن الدول الأوروبية الوسطى ستلعب دورًا أكبر في الجيوسياسة في المستقبل وأن العلاقات القوية معها ستفيد نيودلهي في تعزيز موقعها كقوة مؤثرة في الساحة الدولية، ولتعزيز شراكاتها الاستراتيجية على الساحة الدولية.

صفقات تجارية

الهند أيضًا أعادت تنشيط مفاوضات الاتفاقيات التجارية مع أوروبا ووقعت مؤخرًا صفقة تجارية واستثمارية مع الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، التي تضم أيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا.

بينما ستظل الزيارة محط اهتمام كبير بشأن الحرب، من المرجح أن تركز الدبلوماسية الهندية على الأهداف الأكبر. كما كتب المحلل السياسي سي راجا موهان في صحيفة “إنديان إكسبرس”، فإن زيارة مودي إلى وارسو وكييف تعكس الاعتراف بالتغيرات الجذرية في قلب أوروبا وتعميق الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية مع الدول الأوروبية الوسطى.

ربما يعجبك أيضا