من دبي إلى مومباي.. كيف تتكيّف المدن مع الأجواء الحارة؟

شيرين صبحي
درجات الحرارة

من دبي إلى مومباي، تضطر المدن إلى التكيف مع فصول الصيف الأكثر حرارة، مما يؤدي غالبًا إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي في هذه العملية.

من يوليو إلى أوائل سبتمبر، تكون شوارع دبي شديدة الحرارة والرطوبة، لدرجة أن “مؤشر الحرارة”، وهو مزيج من درجة حرارة الهواء ومستويات الرطوبة، يتجاوز بانتظام 50 درجة مئوية.

الطقس في الخليج

الخليج هو أحد المناطق التي تتعلم كيفية التعايش مع الحرارة الشديدة، وقد أبلغت السلطات الهندية عن أكثر من 40 ألف حالة إصابة بضربة شمس مشتبه بها خلال موجة حر طويلة، وما لا يقل عن 110 حالات وفاة.

وفي السعودية هذا العام، توفي 1301 حاج بعد المشي في درجات حرارة ارتفعت إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية أثناء الحج.

اختلاف التجارب الفردية

تختلف التجارب الفردية للحرارة الشديدة وفقًا للثروة، فبينما يتعرق عمال التوصيل وآلاف العمال الأجانب الآخرين في العراء، سمحت ثروة الخليج الهائلة من الهيدروكربونات لسكانها الأثرياء بالتمتع بالمدن ذات الطراز الغربي التي تتحدى الصحراء القاسية.

توجد في دبي حلبات للتزلج على الجليد ومنحدر تزلج داخلي، بينما تعيش طيور البطريق الإمبراطور والثعالب القطبية في منتزه سي وورلد الترفيهي الداخلي الضخم في أبو ظبي. في مراكز التسوق في المنطقة، يكون الهواء باردًا للغاية لدرجة أن إحدى المغتربات في دبي تحمل سترة معها أثناء التسوق خلال الصيف، وتقول إنها تتطلع إلى الشتاء حتى “تتمكن من الشعور بالدفء مرة أخرى”.

تهديدات

لكن التجارب المختلفة للأثرياء والعمال وحراس الأمن وموظفي مواقف السيارات الذين يحافظون على عمل الخليج تظهر كيف أن المناخ المتطرف يهدد بترسيخ وتفاقم عدم المساواة.

ومع ارتفاع درجات الحرارة في العالم، قد تكون المنطقة بمثابة درس بشأن كيفية التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة في البيئات الحضرية التي تضم عشرات الملايين من الناس.

أرض الدلو الفارغ

لقد أطلق على المنطقة التي تقع فيها الإمارات الحديثة اسم “أرض الدلو الفارغ”، وذلك بسبب التبخر السريع للمياه.

لقد غيرت عائدات النفط كل هذا، مما سمح للعديد من دول الخليج بشراء تكنولوجيا باهظة الثمن مثل وحدات تحلية المياه ومكيفات الهواء واستيراد المزيد من الغذاء، ويقول الجندي: “لقد مكنت هذه الموارد المالية [مجتمعات الخليج] من العيش رغم مناخها”.

تغيّر المناخ

توسعت المدن في الخليج على خلفية صادرات الوقود الأحفوري، لكن الانبعاثات الناجمة عن حرق تلك الوقود ساهمت في تغيّر المناخ الذي جعل حرارة الصيف في المنطقة أكثر شدة.

تقول ديانا فرانسيس، الأستاذة المساعدة في علوم الأرض بجامعة خليفة في أبو ظبي: “منطقة الخليج غير صالحة للسكن بالفعل في الصيف بدون أنظمة تبريد”.

تطور المناخ بالخليج

إن الافتقار إلى البيانات التاريخية يعني أن القليل معروف عن كيفية تطور المناخ في الخليج مقارنة بالمناطق الأخرى. لكن كبار السن الإماراتيين يتذكرون بيئة مختلفة تمامًا قبل 6 أو 7 عقود.

يتذكر عالم السياسة عبد الخالق عبد الله، الذي نشأ في دبي في الخمسينيات، أن الصيف كان أقل حرارة وأقصر، كانت المنازل مفتوحة لتوجيه الهواء النقي، وكان بعضها يحتوي على أبراج تهوية، وكانت العائلات تنام على أسطح مستوية.

يتذكر عبد الله: “كانت مروحة واحدة للعائلة بأكملها كافية آنذاك”، واليوم، تحتوي كل غرفة تقريبًا في منزل من الطبقة المتوسطة في دبي على تكييف.

درجات حرارة قياسية

يقول فرانشيسكو باباريلا، الأستاذ المساعد في جامعة نيويورك أبوظبي والباحث الرئيس في مركز مبادلة العربي لعلوم المناخ والبيئة: “يبدو أنه على مدار السنوات الأربعين الماضية، ارتفعت درجات الحرارة في الصيف بالإمارات بنحو درجة مئوية واحدة”. وهذا يقارن بارتفاع متوسط ​​درجات الحرارة العالمية بما لا يقل عن 1.1 درجة مئوية منذ بدء العصر الصناعي حوالي خمسينيات القرن التاسع عشر.

وتضيف الرطوبة المتزايدة إلى ذلك. فلكل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة في درجة الحرارة، يمكن لحجم معين من الهواء أن يحمل 7% من بخار الماء، وفي هذا العام، تفاقمت الظروف بسبب درجات حرارة البحر القياسية في الخليج، مما ساهم في ارتفاع مستويات الرطوبة التي تؤثر على قدرة البشر على تبريد أنفسهم بالتعرق.

مناخ الخليج

يؤكد باحثون مثل باباريلا أن نقص البيانات يجعل من الصعب التنبؤ بمناخ الخليج في المستقبل، رغم أن بعض الدراسات العلمية تشير إلى أن هطول الأمطار الغزيرة والعواصف ستزداد.

البيانات نادرة ولكن في الكويت، وجد عالم الأوبئة بجامعة هارفارد الأحمد وزملاؤه أن الرجال غير الكويتيين كانوا أكثر عرضة للوفاة بثلاث مرات خلال ظروف الحرارة الشديدة مقارنة بالطقس العادي، رغم أن العمال عمومًا صغار السن وذوي لياقة بدنية. ومن عجيب المفارقات أن بعض العمال المهاجرين الأقل أجرًا في الخليج، والذين يتحملون وطأة صيفه القاسي، غادروا بلدانهم الأصلية بسبب تغير المناخ.

لقد تضررت بنجلاديش المنخفضة، وهي بلد المنشأ لملايين عمال البناء في الخليج، بشدة من أنماط الطقس المتغيرة وارتفاع مستويات سطح البحر، وكان يتم التحقيق في حالة إصابة العمال المهاجرين العائدين بأمراض الكلى، رغم أنه يقول إنه لا توجد بيانات كافية حتى الآن لإلقاء اللوم بشكل قاطع على ظروف العمل الحارة، ويقول إن الحاجة إلى الأدلة والتعاون مع دول الخليج لدراسة تأثير الإجهاد الحراري على العمال أمر ملح.

ربما يعجبك أيضا