بين تخلي أو ارتباط.. مستقبل دعم إيران لمحورها في المنطقة

سيناريوهات إدارة إيران لمحور المقاومة في المرحلة المقبلة

يوسف بنده

"مبدأ فك الارتباط الكامل عن الفصائل الموالية مستبعد بالنسبة لإيران، لأن ذلك يعني عدم قدرتها على إدارة الحرب الرمادية مع إسرائيل بعد ذلك".


عقب عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، مساء الجمعة 27 سبتمبر، دارت تساؤلات عن مستقبل الحزب ومحور المقاومة الموالي لإيران.

حزب الله يمثل دُرة تاج الفصائل الموالية لإيران في المنطقة تحت مظلة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني حال القضاء عليه خسارةُ إيران يدها الممتدة عسكريًا وسياسيًا في المنطقة، خاصة أن حزب الله لعب دورًا لصالحها في سوريا، وكذلك في اليمن وإفريقيا.

أقوى ضربة إسرائيلية ضد الحوثيين

ارتباط بقضايا محلية

تشير تجربة حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” في غزة إلى أن الفصائل التي تعمل بدعم من إيران لم تكن قد تأسست لصالح الأهداف الإيرانية فحسب، بل هناك قضايا محلية وطنية، هي المحفز لاستمرارية وبقاء هذه الفصائل، ناهيك عن تحقيقها مصالح سياسية ومكاسب اقتصادية من الشكل المؤسسي الذي حققته تلك الفصائل، إلى جانب الظهير الشعبي الداعم لوجودها.

فإن فصائل المقاومة الموالية لإيران في فلسطين مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي ترتبطان بقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وكذلك حزب الله بقضايا المناطق اللبنانية المحتلة، وكذلك بقية الفصائل في العراق أو اليمن أو سوريا، ترتبط أيضًا بقضايا محلية، مثل الوجود العسكري الأمريكي أو تعزيز قوة الاثنية الشيعية في مواجهة بقية الاثنيات الأخرى التي لديها استقطاب أيضًا تجاه قوى خارجية.

لذلك، لا تعني الضربات العسكرية النوعية والقاسية التي تلقتها الفصائل على محاور عدة، في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، أنه بذلك قد تم القضاء عليها نهائيًا، لأن هناك حاضنة شعبية تعمل على تجديد دم هذه الفصائل، لكن قوتها العسكرية هي بين وتيرة صعود وهبوط، تتعلق بمواردها الداخلية وحجم الدعم الذي تحصل عليه من إيران أو أية جهة أخرى داعمة لعملياتها.

قادة حزب الله طولي 1

أهمية محور المقاومة

لا يرتبط الدعم الذي تقدمه إيران لفصائلها الموالية لها في المنطقة بتحقيق الأهداف لهذه الفصائل، وإنما بأهداف إيران من تقديم الدعم لها، خاصة أن معظمها يخدم الرؤية الأيديولوجية التي تشكل طبيعة نظام الجمهورية الإسلامية التي تشكلت بعد ثورة 1979.

ولذلك، فإن تراجع إيران تمامًا عن دعم تلك الفصائل أمر صعب، لأن ذلك يمثل تهديدًا لطبيعة النظام الحاكم في طهران، الذي يعتمد خطابًا دينيًا ثوريًا قوميًا، فإن النظام في إيران على عكس نظام حركة طالبان الديني في دولة أفغانستان على سبيل المثال، فهي تبحث عن استعادة مكانتها الإقليمية التي ضعفت منذ رحيل نظام الشاه بعد ثورة 1979، حيث تطمح إيران إلى استعادة مكانتها التاريخية كقوة مؤثرة في صناعة قرار المنطقة من حدود منطقة شرق المتوسط وصولًا إلى منطقة أسيا الوسطى وجنوب القوقاز المتصلة مع حدودها الشمالية.

وتجربة إيران مع أحداث سوريا، تشير إلى أهمية محور المقاومة بالنسبة لنظامها، فإن هناك خريطة اقتصادية لحركة التجارة والممرات التجارية، تتشكل في المنطقة، ولا يمكن أن تقف متفرجة أمام هذه التحولات، وبالتالي هي في حاجة إلى أدوات ضغط، منها محورها العسكري والسياسي الذي تشكل في المنطقة.

نعيم قاسم 1

عدم فك الارتباط

بعد عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله، حافظت طهران على تصريحاتها الرسمية التي تؤكد عدم فك ارتباطها بهذا المحور، وهدفها بعث رسالة لحلفائها باستمرار الدعم والإسناد، وكذلك لإسرائيل بأنها لن تتراجع عن محورها، ولن تتخلى عنه، وقال المرشد الأعلى، علي خامنئي، عقب إعلان اغتيال نصر الله إن “مصير المنطقة ستحدده قوى المقاومة، وعلى رأسها حزب الله المنتصر”.

وكذلك، قال في رسالة لتعزيته: “سيد المقاومة لم يكن شخصًا، بل كان طريقا ومدرسة، وسيستمر هذا الطريق، إن دماء الشهيد السيد عباس موسوي لم تهدر على الأرض، وأيضًا لن تهدر دماء الشهيد السيد حسن على الأرض”. وهنا خامنئي يؤكد استمرار الدعم لحزب الله، وأنه لن يتعطل لمجرد مقتل أمينه العام، مثلما استمر الدعم الإيراني لهذه الجماعة بعد اغتيال أينها العام الثاني، السيد عباس الموسوي، عام 1992.

ولذلك، فإن مبدأ فك الارتباط الكامل عن الفصائل الموالية مستبعد بالنسبة لإيران، لأن ذلك يعني عدم قدرتها على إدارة الحرب الرمادية مع إسرائيل، وأن إسرائيل يمكن أن تستهدفها بعد ذلك بشكل مباشر دون أن تستطيع طهران الانتقام خشية التورط في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية.

عباس فروشان نائب قائد فيلق القدس

سيناريوهات الدعم

تتوقف أشكال الدعم المقدم من إيران إلى فصائلها الموالية لها في المرحلة المقبلة، على أساس ما يمكن أن تحققه سياستها الخارجية، وهو ما أثبتته تجربتها خلال مصالحتها مع المملكة السعودية، إذ توقفت هجمات جماعة الحوثي اليمنية تجاه دول الخليج، وإلا كانت نتائج هذه المصالحة بلا معنى.

كذلك من الملاحظ أيضًا، أن إيران تمنح حلفائها السلاح بشكل محدود، وهو ما يعني رغبتها في استمرار السيطرة على تلك الفصائل، فإنها لم تمنح حزب الله اللبناني دفاعات جوية قادرة على صد الغارات الإسرائيلية على مخازنه وقواعد العسكرية، وإنما تحافظ على ذلك الحزب في وضعية جماعة شبه نظامية.

حزب الله حي لافتة في طهران

“حزب الله حي” – لافتة في طهران

وتتلخص سيناريوهات الدعم الإيراني على النحو التالي:

  • استمرار الدعم السياسي وخفض مستوى الدعم العسكري: إذا ما نجحت طهران في تحقيق صفقة تضمن مصالحها مع الغربية والإقليمية، خاصة أن حكومة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان تعمل على استئناف مكاسب المصالحة مع السعودية في إطار سياسة “الأولوية للجوار”، كما أن هذه الحكومة تركز على مسألة خفض العقوبات الغربية أو رفعها، وهو ما يستلزم عدم التورط في صراع عسكري يضر بالسياسة الجديدة.

وتشير تصريحات الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال مقابلته مع شبكة “سي إن إن”، على هامش تواجده في نيويورك، إلى إمكانية تحقيق هذا السيناريو، إذا ما استطاعت إيران تحقيق تفاهمات إقليمية، التي هي بلا شك مفتاح لتحقيقها تفاهمات أخرى مع القوى الغربية. فقد قال بزشكيان: “ليس لدينا صراع مع جيراننا، وإن أمننا هو امنهم وأمنهم هو أمننا كذلك. إننا إن تعاونا معًا فإنه بوسعنا تسوية مشاكل المنطقة، في كافة المجالات”.

وتمثل مفاوضات تقاسم الغاز بين إسرائيل ولبنان، بضوء أخضر من إيران لجماعة حزب الله. وكذلك تركيز جماعة الحوثي اليمنية على استهداف السفن التجارية والعسكرية المتجهة ناحية إسرائيل عن غيرها، مؤشرات على إمكانية التعامل مع إيران لإدارة محورها بما يضمن أمن المنطقة وتقاسم المصالح.

  • استمرار الدعم السياسي ورفع مستوى الدعم العسكري: إذا شعرت إيران بتهديدات عسكرية تطال أمنها، وكذلك إذا شعرت بخسارتها لمكانتها الإقليمية، فإن ذلك لن يدفعها للتراجع عن دعم محور المقاومة، بل إلى رفع مستوى الدعم العسكري، لأن ذلك يرتبط بطبيعة نظامها الحاكم.

ولذلك لا يجب التعامل مع تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، الاثنين 30 سبتمبر، بقوله: “اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وقائد فيلق القدس الإيراني في لبنان، العميد عباس نيلفروشان، سيحدث تغييرًا تاريخيًا بالعالم الإسلامي”، على أنها مجرد تصريحات استهلاكية، فإن إيران تضغط للوصول إلى مستوى السيناريو الأول.

وتثبت عملية تقديم إيران الأسلحة النوعية إلى جماعة الحوثي اليمنية، من صواريخ باليستية وفرط صوتية وطائرة مسيّرة، وسط كل الحصار العسكري المفروض على تلك الجماعة منذ سنوات، أن إيران قادرة عبر أدواتها المختلفة على رفع مستوى الدعم العسكري لحلفائها إذا ما شعرت بتهديد لمصالحها الإقليمية.

ربما يعجبك أيضا