عام على حرب غزة.. كيف تغيّر الموقف الأوروبي؟

تداعيات حرب إسرائيل في غزة على علاقاتها مع الدول الأوروبية

بسام عباس
تأثير حرب غزة على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية

أدت الحرب في غزة إلى إحداث صدع بين دول الاتحاد الأوروبي ما بين داعم ورافض للحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية من بعدها، فضلاً عن الضغوط التي تمت ممارستها شعبيًا ضد حكومات الدول الأوروبية، ما ساهم في انقسام الرأي الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية.

وبدأ موقف الاتحاد الأوروبي إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة بالتغير، وتزايد هذا الأمر خاصة مع صعود موجات جديدة من الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة، التي تتقاطع توجهاتها مع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل.

تناقض أوروبي

منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، فشل الاتحاد الأوروبي، في التحدث بصوت واحد بشأن هذه الحرب، التي كانت النقطة الأبرز التي أحدثت تحولات عميقة في المنظومة الأوروبية، ورغم أن العديد من الدول الأوروبية دعمت اسرائيل تحت تأثير الضغوط الأمريكية والبريطانية، ولكن استمرار الحرب والمعاناة الإنسانية في غزة، وضعت الدول الأوروبية والتي ترفع شعار حقوق الإنسان في موقف محرج.

وساد الموقف الأوروبي تناقضًا بين دوله التي انقسمت بين الانحياز الكلي لإسرائيل، وبين المعارضة لها بدرجات متفاوتة، وظهر هذا الانقسام، في 27 أكتوبر 2023، في التصويت على قرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في قطاع غزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تأييد إسرائيل

في بداية الحرب، اصطف الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسرائيل، حيث سارع إلى إدانة العملية العسكرية التي نفذتها حماس بأشد العبارات، وأكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بما يتماشى مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى توفير المساعدات الإنسانية العاجلة والدعوة إلى مساعدة المواطنين الأشد احتياجا في قطاع غزة.

وهو ما ظهر من خلال إعلان مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار، أوليفير فارهيلي، عن تعليق جميع المدفوعات للفلسطينيين، وتأجيل جميع مقترحات الميزانية الجديدة، ما كشف حجم التناقض والتعارض في مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما قاد إلى نوع من الارتباك في المواقف في مؤسساته، حيث عارضت لوكسمبورج واسبانيا وايرلندا ذلك.

وبعد زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، إسرائيل في 13 أكتوبر 2023، مؤكدة وقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين، ما حدا بأكثر من 850 موظفًا من موظفي الاتحاد الأوروبي عبر العالم بإرسال رسالة معارضة إلى رئيسة المفوضية معربين عن معارضتهم للدعم الكامل غير المشروط لإسرائيل.

تأييد فلسطين

شهد الموقف الأوروبي من حرب غزة تحولًا ملحوظًا بعد الأحداث الدموية التي شهدها القطاع، حيث خرجت مظاهرات واسعة في مختلف الدول الأوروبية دعمًا للشعب الفلسطيني وتنديدًا بالسياسات الإسرائيلية، ما تُرجم إلى خطوات دبلوماسية ملموسة، حيث أعلنت كل من أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.

ويشير هذا الاعتراف إلى بداية تفكك الدعم الأوروبي المطلق لإسرائيل، ويعكس تحولًا في السياسة الأوروبية نحو تبني مواقف أكثر توازنًا في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما طالبت بعض الدول الأوروبية بوقف الحرب على غزة، ما يعزز من الاتجاه نحو مزيد من الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.

والدافع وراء هذا التغيّر في الموقف الأوروبي، من تأييد إسرائيل إلى تأييد فلسطين، لا يرجع إلى الأحداث الأخيرة فقط، بل يعكس رغبة دولية في معاقبة إسرائيل على ارتكابها مجازر ضد الإنسانية وجرائم حرب دون محاسبة، وهو ما صرح به رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، بأن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لديه مشروع سلام لفلسطين”، ما يعكس الإحباط الأوروبي من سياسات إسرائيل.

حظر توريد الأسلحة لإسرائيل

تبنى عدد من الدول الأوروبية قرارات تتعلق بحظر كامل أو جزئي على توريد السلاح إلى إسرائيل، وذلك على إثر العدوان الإسرائيلي على غزة والجرائم الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، وفق تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية.

وأصبحت بريطانيا أحدث دولة تُغير موقفها بشأن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، حيث أعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، في 2 سبتمبر 2024، أن لندن علقّت 30 من أصل 350 ترخيصًا للأسلحة، مستشهدًا بمراجعة داخلية استمرت شهرين، وجدت أن إسرائيل لم تفِ بواجبها في ضمان تسليم الإمدادات الأساسية “لبقاء سكان غزة”.

من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنتونيو تاياني، في يناير 2024 أن روما قررت بعد 7 أكتوبر، عدم إرسال مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، ولكن الحكومة اعترفت منذ ذلك الحين بأنها ملتزمة بالاتفاقات الموقعة سابقًا، وتعد إيطاليا ثالث أكبر مورد عسكري لإسرائيل، ولكنها تسهم بأقل من 1% من إجمالي واردات إسرائيل من الأسلحة.

وفي إسبانيا، صرح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، في يناير 2024، أن إسبانيا لم تبع أسلحة إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر، وفي مايو 2024، أعلنت الحكومة أنها ستحظر على السفن التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل الرسو في الموانئ الإسبانية، وكانت مدريد واحدة من أكثر الدول الأوروبية انتقادًا للهجوم على غزة، وقيّدت السلطات البلجيكية مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وشنّت الحكومة حملة من أجل حظرها على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأمرت محكمة هولندية في فبراير 2024 الحكومة بوقف توريد أجزاء طائرات مقاتلة من طراز “إف-35” إلى إسرائيل، بسبب الخطر الواضح المتمثل في حدوث انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.

لا حظر

بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن نحو 30% من صادرات الأسلحة العالمية إلى إسرائيل تأتي من ألمانيا، وتشمل المبيعات أسلحة محمولة مضادة للدبابات وذخيرة للأسلحة النارية الأوتوماتيكية أو شبه الأوتوماتيكية، وتعتبر برلين أن دعم الدولة اليهودية هو مسألة تتعلق بمنطق الدولة، بسبب مسؤوليتها عن محرقة الهولوكوست.

ووفقًا لموقع “سكاي نيوز”، فإن الحكومة الألمانية نفت تقريرًا لوكالة “رويترز”، أكد أن برلين علقت تراخيص أي صادرات أسلحة جديدة إلى إسرائيل، وقال متحدث باسم وزارة الاقتصاد الألمانية لوكالة الأنباء الألمانية: “لا يوجد وقف للموافقة على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، ولن يكون هناك توقف”.

وأوضحت صحيفة “الجارديان” البريطانية، في تقرير لها في 3 سبتمبر 2024، أن الدنمارك تساهم في برنامج “إف-35” وتواجه طلبًا قضائيًّا من عدة جماعات حقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، التي تسعى إلى منع مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

مستقبل العلاقة الأوروبية الإسرائيلية

في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، من المرجح أن تشهد علاقات إسرائيل مع الدول الأوروبية أزمات متتالية، خاصة مع استعداد حكومة الاحتلال لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، ما يشير إلى تغير ملموس في الساحة الدبلوماسية الدولية، حيث أصبح الاعتراف بالحق الفلسطيني جزءًا أساسيًّا من السياسة الخارجية للعديد من الدول الأوروبية.

وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 23 مايو 2024، إلى تضاءل التعاطف والدعم الذي أظهرته أوروبا تجاه إسرائيل بعد هجمات 7 أكتوبر مع استمرار الحرب، وتدهور الوضع الإنساني في غزة، وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا وإجبار معظم سكان غزة على الفرار من منازلهم.

ويحذر الخبراء من أن تصل تداعيات الحرب في غزة إلى أوروبا، التي تحتضن نسبة كبيرة من اليهود والمسلمين، وأن تواجه الحكومات الأوروبية صعوبات تهدد التعايش السلمي في أوروبا، ومن المرجح أن يؤدي إلى الصراع إلى هجمات إرهابية في العواصم الأوروبية وتنامي جرائم معاداة السامية والإسلاموفوبيا، ومن المحتمل أن يتسبب الصراع في توتر العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول الأوروبية، في وقت وصلت فيه عملية السلام وهدف حل الدولتين، الذي دعمته أوروبا لأكثر من 30 عامًا، إلى طريق مسدود.

ربما يعجبك أيضا